أثبت العلماء أن الجبال ليست جامدة كما نراها، بل هي تتحرك، وهذا ما أشار إليه القرآن في آية معجزة، فمن كان يعلم زمن نزول القرآن بأن الجبال تتحرك حركة خفية فتمر مروراً لا نحس به؟…..
ظلت الأساطير تنسج حول الجبال لآلاف السنين، فكانت كل حضارة من الحضارات القديمة تنظر إلى أن هناك آلهة للجبال، وكانوا ينظرون إلى الجبال على أنها أكثر أجزاء الأرض ثباتاً، ولكن القرآن الكريم حدثنا عن حركة خفية للجبال لا نشعر بها.
سوف يكون بحثنا حول آية عظيمة وهي قوله تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88]. إن الذي يقرأ هذه الآية يلاحظ أن الله تعالى قد ذكر أن الجبال تتحرك وتمرّ تماماً كالغيوم في السماء عندما تمر أمامنا، والسؤال: ماذا يقول العلم الحديث وما هي آخر الاكتشافات العلمية حول الجبال؟
كيف فهم المفسرون هذه الآية قديماً؟
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: “(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً) أي تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) أي تزول عن أماكنها كما قال تعالى: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا) [الطور: 8-9]”.
أي أن الإمام ابن كثير ومعظم المفسرين قديماً فهموا هذه الآية على أنها تتحدث عن حركة الجبال يوم القيامة. ولكن في العصر الحديث تناول هذه الآية الإمام محمد الشعراوي وقال (تَحْسَبُهَا جَامِدَةً) أي تظنها ثابتة، ويوم القيامة لا يوجد ظن بل إن الظن في الدنيا أما يوم القيامة فكل ما نراه هو الحق، ولذلك هذه الآية تتحدث عن حركة الجبال في الدنيا.
ويتابع الشعراوي تفسيره فيقول: “إذا صعدنا إلى الفضاء الخارجي فإننا نرى الأرض وهي تدور وتتحرك وتتحرك معها الجبال أيضاً، وفي هذا إشارة إلى دوران الأرض حول نفسها”.
ولكن إذا تأملنا الآية جيداً نلاحظ أنها تتحدث عن حركة الجبال تحديداً وليس عن حركة الأرض بشكل كامل، فالأرض عندما تدور حول محورها فإن كل شيء معها يدور الإنسان والبحار والأشجار والحيوان، ولذلك فإن هذه الآية لابد أن يكون فيها معجزة تتعلق تحديداً بحركة الجبال، وهذا ما سنكتشفه من خلال الفقرات الآتية.
حركة الألواح الأرضية
في عام 1912 اقترح العالم Alfred Wegener نظرية الانجراف القاري بعد ما لاحظه من دلائل تؤكد أن القارات كانت كتلة واحدة. وقد كانت المرة الأولى التي يتحدث فيها شخص عن حركة اليابسة بما تحمله من جبال ووديان، وقد تعجب أن العالم الذي اقترح هذه النظرية قد اتَّهمه الناس بالجنون، ولم يصدقوا بأن الجبال يمكن أن تتحرك!!
ففي ذلك الوقت كان من الصعب جداً أن يتصور العلماء بأن هذه الكتل الضخمة من اليابسة تطوف حول العالم! كان من الصعب أن يتخيل الناس أن الألواح الأرضية تتحرك وتمتد، وربما يكون علماء أمريكا هم أشد عداءً لهذه الفكرة في ذلك الوقت، وبقي هذا العداء حتى منتصف الستينات من القرن العشرين، ولكن الحقائق العلمية والدلائل التي تثبت حركة ألواح الأرض أصبحت كثيرة وأكبر من أن تدحض.
ومنذ السبعينيات من القرن العشرين بدأت نظرية تحرك القارات تأخذ شكل الحقيقة العلمية، حتى جاء القرن الحادي والعشرين عندما رأى العلماء حركة هذه القارات رؤية يقينية من خلال الأقمار الاصطناعية والرادارات والمراصد الفلكية المتوضعة في أماكن مختلفة من الأرض.
وهناك إثباتات من الرسوبيات والأحافير والنباتات والحيوانات وغير ذلك حيث وجد العلماء نفس الآثار في جميع القارات، ومن غير المعقول أن هذه الكائنات الحية التي عاشت قبل ملايين السنين مثل الديناصورات قد عبرت المحيطات من قارة لأخرى، ولذلك فإن المنطق العلمي يفرض بأن القارات كانت مجتمعة في كتلة واحدة ثم انفصلت وتباعدت خلال مئات الملايين من السنين.
تتركب القشرة الأرضية مع الطبقة التي تليها من مجموعة من الألواح، وتوجد بين هذه الألواح صدوع أو شقوق. وقد تبين للعلماء أن هذه الألواح في حالة حركة دائمة، وبنتيجة حركة الألواح واصطدامها مع بعضها تتشكل الجبال، وهذه الجبال تكون في حالة حركة دائمة أيضاً.
يعتقد علماء الجيولوجيا اليوم أن سطح الكرة الأرضية ليس كتلة واحدة بل أشبه بلوح مكسور إلى مجموعة ألواح ومتوسط سماكة هذه الألواح 80 كيلو متر، وهذه الألواح تتحرك فوق طبقة ثقيلة وساخنة وتسير الألواح بسرعة 10 سنتمتر وسطياً في السنة. وعلى حدود هذه الألواح تتوضع معظم البراكين في العالم، وتكون المناطق الحدودية من أكثر المناطق تعرضاً للزلازل والهزات الأرضية.
وتوجد ثلاثة أنواع لحركات الحدود التي تفصل بين الألواح وهي:
1- نهايات متباعدة: وهنا نجد أن الألواح تتباعد عن بعضها مما يشكل فجوات تمتلئ بالحمم المنصهرة المتدفقة من الأرض على مر ملايين السنين وتشكل قشرة أرضية جديدة عند هذه المنطقة.
2- نهايات متقاربة: وتنشأ عند اقتراب الألواح الأرضية من بعضها فتنزلق لتشكل الوديان، أو تصطدم ويبرز أحد اللوحين وتشكل السلاسل الجبلية وتنشأ الجبال تدرجياً بطريقة الانتصاب، ومن هنا ربما ندرك عمق الآية الكريمة عندما طلب الله منا أن نتأمل إلى هذه الجبال كيف نُصبت فقال: (وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) [الغاشية: 19].
3- تصطدم الألواح مع بعضها عند الحواف مباشرة وهنا تحدث الهزة الأرضية الزلازل.
شكل يمثل اصطدام اللوح الهندي باللوح الأوربي قبل 45 مليون سنة، حيث تحرك اللوح الهندي باتجاه اللوح الأوربي وتصادما وخلال ملايين السنين انتصبت سلسلة جبال الهملايا بشكل يدعو للتأمل والتفكر بعظمة هذا الاصطدام وكيف شكل هذه الجبال التي تمثل أعلى قمم في العالم. وانظروا معي إلى النقطة المرجعية (باللون الأصفر) والتي كانت في الأسفل ثم انتصبت وارتفعت إلى الأعلى، وهنا نحن نستجيب لدعوة الله تعالى لنا أن ننظر إلى هذه الجبال كيف نُصبت! يقول تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) [الغاشية: 17-19]. المصدر U.S. Geological Survey
كيف تتحرك الجبال؟
الجبل هو منطقة من الأرض ترتفع بشكل مفاجئ عما حولها. والسلاسل الجبلية هي مجموعة كبيرة من الجبال تمتد لآلاف الكيلو مترات وتشكل ما يشبه الأحزمة. مثل سلسلة جبال الهملايا شمال الصين، وسلسلة جبال الألب في قلب أوربا.
ففي سلسلة جبال الهملايا توجد أعلى قمم في العالم تشكلت قبل حوالي 45 مليون سنة، وذلك بعد أن اصطدم لوحان من الألواح القارية بعضهما ببعض، فتشكلت هذه السلاسل وبرزت كنتيجة للتصادم العنيف. وهناك بعض السلاسل الجبلية في شمال شرق أمريكا يعود تاريخ تشكلها إلى ما قبل ألف مليون سنة.
للجبال عدة حركات أهمها:
1- حركة أفقية مع ألواح الأرض. فاللوح الهندي مثلاً يتحرك مع ما يحمله من جبال كل سنة عدة مليمترات، إذن الجبال تتحرك وتمر وتُدفع بنتيجة التيارات الحرارية للطبقة التي تلي جذور الجبال.
2- حركة عمودية بنتيجة التيارات الحرارية أيضاً والتي تساهم في رفع الجبل وخفضه عدة مليمترات كل سنة.
3- هناك حركة اكتشفت حديثاً، ففي عام 2006 وجد أحد العلماء وهو البرفسور Russell Pysklywec من جامعة تورنتو أن الأمطار الهاطلة بالقرب من الجبال فإنها تختزن في خزانات ضخمة تحت الجبال وتؤثر على جذور الجبال. قام هذا العالم ببحثه في جبال الألب جنوب نيوزلندة، فوجد أن الأمطار تسبب للجبال تآكلاً مقداره 10 مليمتر كل سنة.
صورة لبحيرة Pangong في شمال الهند مأخوذة من ارتفاع 6 كيلو متر تقريباً، ونلاحظ التمدد الكبير للوح الذي يسمى لوح التيبت، مما فسح المجال للمياه أن تتجمع في هذه البحيرة، وهذه الظاهرة تتكرر كثيراً على سطح الأرض حيث نلاحظ وجود حركة للألواح الأرضية خلال ملايين السنين تساهم في تشكل الجبال ونشوء البحيرات والأنهار. المصدر Woods Hole Oceanographic Institution
ويؤكد العلماء وجود مراحل لنشوء الجبال حيث تبدأ بتمدد الألواح ثم اصطدامها ثم تشكل الجبال ثم تفسح المجال أمام الأنهار لتتشكل، إذن نحن أمام ثلاثة مراحل: امتداد الألواح أي تمددها، ثم نشوء الجبال الرواسي، ثم تشكل الأنهار، وهذا ما لخصه لنا القرآن بكلمات قليلة في قول الحق تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا) [الرعد: 3].
ويقول البروفسور Pysklywec إن هذه الأمطار وما تختزنه الجبال من مياة تغير سلوك الجبال من حيث الحركة، وتؤثر على حركة الألواح التي تحمل هذه الجبال وبالتالي يمتد التأثير ليصل إلى جذور الجبال.
ويستغرب هذا العالم من وجود هذه الحركة الغريبة والمعقدة للجبال، ويقول: “إننا لم نكن نتوقع أن التغيرات على سطح الجبل يمكن أن تؤثر على جذر هذا الجبل وعلى حركته، إنها المرة الأولى التي ندرك فيها أن الألواح الأرضية تتحرك بفعل التأثيرات الخارجية على سطح الأرض”.
يقوم البرفسور Pysklywec بتجاربه على الحاسوب، طبعاً الكمبيوتر العادي لا يمكن أن يقوم بمثل هذه التجارب المعقدة، لذلك يلجأ إلى الكمبيوتر العملاق المسمى “سوبر كمبيوتر” حيث يضع برامج خاصة لمحاكاة ما يحدث على عمق عدة مئات من الكيلو مترات تحت سطح الأرض حيث تبلغ درجة الحرارة أكثر من 1500 درجة مئوية، وكل تجربة يستغرق هذا الكمبيوتر وعلى الرغم من سرعته الفائقة يستغرق عدة أيام لإنجازها، إن هذه الظروف قد تغير حركة الألواح لتعكس اتجاهها.
إذن الحقيقة التي يقررها العلماء اليوم هي أن الجبال تمر وتتحرك وأحياناً تعكس اتجاه حركتها وسبب هذه الحركة أنها تُدفع بواسطة التأثيرات الحرارية الباطنية للأرض، تماماً كما تدفع الرياح الغيوم! ولكن حركة الجبال لا يمكن إدراكها مباشرة ولكن تأثيراتها تظهر خلال ملايين السنين.
صورة تمثل حركة الجبال مع القشرة التي تتوضع عليها، وهذه الحقيقة العلمية لم تُكتشف إلا في منتصف القرن العشرين، ومنذ أقل من سنة فقط تبين للعلماء أن حركة الجبال معقدة جداً، وهي حقيقة يقينية أن الجبال تتحرك وتمر مروراً بسبب قوة الدفع التي تولدها التيارات الحرارية تحت جذور الجبال، تماماً مثل مرور الغيوم في السماء عندما تحركها قوة الدفع للرياح!! ولذلك يقول تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88]. المصدر www.whoi.edu
اكتشاف جديد
قام علماء من ألمانيا منذ أيام باكتشاف جديد في مجال حركة الجبال!!! فقد تبين لهم أن قارة أوربا وقارة أمريكا الشمالية تبتعدان عن بعضهما بمعدل 18 ميليمتر كل عام، وقد وجدوا أيضاً أن هذه المسافة دقيقة جداً، لأنهم يستخدمون المراصد الفلكية لرصد حركة النجوم، وهناك مراصد تتوضع في أوربا وأخرى تتوضع في أمريكا، وعندما تتلقى هذه المراصد الإشارات الراديوية من النجوم النيوترونية مثلاً (وهي التي سماها القرآن بالطارق)، وهذه الإشارات دقيقة جداً وهي أفضل من أي ساعة أرضية، أي أنها منتظمة، ولذلك يجب أن تتلقى المراصد الفلكية على الأرض هذه الإشارات في نفس الوقت مع فارق ضئيل جداً يتناسب مع بعد كل من المرصدين.
وعندما قاس العلماء هذه الفوارق بدقة متناهية وجدوا أن هناك حركة للوح الذي يحمل قارة أوربا وحركة أخرى للوح الذي حمل قارة أمريكا وأن هذين اللوحين يتحركان بسرعة تصل إلى 18 مليمتر في السنة، أي أن الجبال التي تحملها هذه الألواح تتحرك أيضاً.
يؤكد العلماء اليوم أن الجبال تتحرك حركة خفية بكافة الاتجاهات تقريباً، وتبلغ سرعة الجبل أقل من مليمتر في الشهر، لذلك هي سرعة لا يمكن إدراكها بل إننا نراها جامدة تماماً، ولكنها في الحقيقة تتحرك، وتمر أمامنا (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ). وهناك حركة ثانية للجبل بسبب القوى الحرارية التي تسبب قوة رفع الجبل، وكذلك فإن الجبل يتآكل من أطرافه باستمرار، وكأن الأرض تتآكل من أطرافها: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا). المصدر www.physicalgeography.net
صورة لقارة أستراليا توضح كيف تتحرك هذه القارة باتجاه الشمل الشرقي، بمعدل 73 مليمتر في السنة، ويتحرك قاع البحار من حولها 50 مليمتر في السنة باتجاه الشرق. المصدر www.ga.gov.au
إن الجبال الموجودة على الكواكب مثل المريخ تتحرك أيضاً! فقد وجد العلماء أدلة مقنعة على حركة أن القشرة التي تغلف سطح المرج (أي الطبقة الخارجية) تتحرك، فهذا الكوكب يشبه الأرض فهو يتألف من طبقات أيضاً، القشرة من الخارج ثم الوشاح ثم النواة. وطبعاً منطقة الوشاح تحت القشرة لزجة وحارة جداً، وتتحرك القشرة فوقها وتطفو، وهذا يثبت أن الجبال على سطح المريخ تتحرك أيضاً.
إعجاز مذهل!!
إن الذي يتأمل هذه الاكتشافات العلمية، وجميعها تؤكد على حركة الجبال فهي تتحرك ولا نشعر بها أبداً، ومن هنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) النمل: 88]. هذه الآية العظيمة هي دليل عظيم على صدق القرآن وأنه كتاب الحقائق، فلا يمكن لأحد زمن نزول القرآن أن يتنبأ بحركة الجبال ويصفها بأنها تشبه مرور الغيوم، وهذا التشبيه صحيح علمياً.
فالغيوم تُدفع بالتيارات الهوائية الناتجة عن فروق درجات الحرارة، وكذلك الجبال تُدفع بالتيارات الحرارية الناتجة عن فروق درجات الحرارة على عمق مئات الكيلو مترات. كذلك فإن حركة الغيوم تكون عادة انسيابية وبطيئة وكذلك حركة الجبال انسيابية وبطيئة ولا نكادج نحس بها.
الغيمة قد تغير اتجاه حركتها حسب قوى الرياح التي تدفعها، وكذلك الجبل يمكن أن يغير ويعكس اتجاه حركته أيضاً، حسب الظروف البيئية المحيطة به. أيضاً إذا دققنا النظر في أي غيمة نرى بأنها تتحرك في كافة الاتجاهات: إلى أعلى وأسفل وإلى الشرق أو الغرب، وكذلك الجبل يتحرك في جميع الاتجاهات.
شكل يمثل حركة الجبال على القشرة الأرضية بفعل التيارات الحرارية التي تحدث تحت هذه القشرة، وتدفع الجبال تماماً كما تدفع الرياح الغيوم، وصدق الله عندما قال: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88]. المصدر Amateur Astronomy & Earth Sciences, December 1995
ومن عظمة هذه الآية أنه لا يوجد تناقض في فهمها على مر العصور، فمنذ مئات السنين فهم المفسرون هذه الآية على أنها تتحدث عن حركة الجبال يوم القيامة، وهذا الفهم صحيح لأن الجبال بالفعل ستتحرك وتسير ثم ينسفها ربنا ويسويها بالأرض.
وحديثاً فهم علماؤنا هذه الآية على أنها تتحدث عن دوران الأرض حول نفسها، وهذا فهم صحيح لأن الأرض بالفعل تتحرك مع كل ما تحمله من جبال وبحار ومخلوقات. ونحن اليوم نفهم من هذه الآية إشارة واضحة إلى حركة الألواح الأرضية وإلى حركة الجبال على هذه الألواح، وقد يتطور العلم فنجد أننا أمام فهم جديد، وتبقى الآية صحيحة وتتفق مع العلم الحديث مهما تطور هذا العلم، وهذا لا يكون إلا لكلام الله تعالى.
الهدف من هذه الحقيقة الكونية
والآن نتساءل: لماذا ذكر الله تعالى هذه الحقيقة الكونية الخفية في كتابه؟ ولماذا أمرنا أن نتدبرها؟ هل لمجرد حب المعرفة أو الفضول أو معرفة أسرار الكون، أم أن هناك أهدافاً أخرى؟ الحقيقة عندما نتأمل هذه الآية نلاحظ أن الله اختتمها بقوله: (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)، فما علاقة حركة الجبال التي لا نراها بعلم الله بأفعالنا؟
بعد تأمل طويل لهذه الآية وجدت وكأن هذه الآية تحمل رسالة لنا نحن البشر، وبخاصة المؤمنين: اعلموا كما أن الله تعالى يعلم حركة هذه الجبال وأنتم لا ترونها، وأن الله قد أخبركم عن هذه الحركة الخفية ولم تتأكدوا منها إلا بأدق الأجهزة، كذلك فإن الله تعالى يعلم كل فعل تقومون به، أو كلمة تنطونها، أو فكرة قد تخطر ببالكم، فينبغي عليكم أن تحسوا بمراقبة الله لحركاتكم وسكناتكم، لأنه يراها وسيحاسبكم عليها.
وهذه الرسالة ينبغي أن نتأملها جيداً، فالله الذي يرى الجبال وهي تتحرك، كذلك يرى كل عمل نقوم به وهو أخبر بنا من أنفسنا، فهل نشعر بمدى علم الله تعالى وهل نعظّم هذا الإله الذي أتقن كل شيء؟
وأمام هذه الحقيقة لا نملك إلا أن نسبح الله تعالى، وأن نقف خاشعين أمام عظمة هذا القرآن، وأمام عظمة إعجازه وآياته، كيف لا والله يقول: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: 21].
إنها آيات عظيمة تشهد على قدرة الخالق وعظمة كلامه، فأين أنتم أيها المشككون بهذا القرآن، وأين هي كتبكم وعلومكم، نحن لا ننكر أن لكم فضلاً في اكتشاف هذه الحقائق، ولكن ينبغي عليكم ألا تنكروا فضل القرآن في الحديث عن هذه الحقائق وأن هذا الكتاب جدير بالتدبر والتأمل، يقول تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف: 111].
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
المراجع
1- Tilling, 1985, Volcanoes.
2- Russell Pysklywec, Impact of rainfall reaches to roots of mountains, University of Toronto, 20-Apr-2006.
3- German Scientists: Earth is Smaller than People Think, www.dw-world.de, 06.07.2007.
4- Tectonic Plates, National Science Digital Library.
5- Allison Macfarlane, Rasoul B. Sorkhabi, Jay Quade, Himalaya and Tibet: Mountain Roots to Mountain Tops, Geological Society of America, 1999.
6- Plate tectonics, www.moorlandschool.co.uk
7- FUNDAMENTALS OF PHYSICAL GEOGRAPHY, Dr. Michael Pidwirny, University of British Columbia Okanagan, 10/03/2006.
8- Underneath the mountains, www.geology.wisc.edu
9- Dr. Michael Pidwirny, Introduction to the Lithosphere, University of British Columbia Okanagan.
10 – Australia on the move, www.ga.gov.au, 22 June 2004.
11- Ice Continent on the Move, www.nasa.gov, March 22, 2002.
12- Katherine Gypson, Cynthia Kirk and Karen Leggett, Mars Once Had Moving Plates Like Earth Has Now, www.voanews.com, 7 November 2005.
13- Moving Earth and Heaven, www.whoi.edu, February 23, 2004.
14- Kenneth C. Macdonald and Paul J. Fox, The Mid-Ocean Ridge, Scientific American.