لماذا لا نرى الله تعالى؟ ولماذا لم يجعل الله أولئك الملحدين يعترفون بوجوده؟ دعونا نتأمل هذا الدليل ….
لا يكاد يمر يوم من دون أن تصلني رسالة أو أكثر من ملحد أو مشكك يطلب منا الرد على اللانتقادات الموجهة للإعجاز العلمي وللإسلام بشكل عام. فالإسلام دين العنف والله تعالى يأمر بالتطرف!! والنبي صلى الله عليه وسلم نشر الإسلام بالسيف والرعب والإرهاب… وكثير من هذا الكلام الذي يتكرر منذ مئات السنين ولكن بأساليب مختلفة.
وبالفعل قمت بجولة في المواقع الإلحادية التي تفاجئك بعبارات رنانة مثل البحث عن الحقيقة، وحرية الرأي والتطور العلمي والتحرر من الأفكار القديمة والمحبة ونبذ العنف… ولكن الحقيقة أن هذه عبارات حق يراد بها باطل. حيث نجد أن الهدف الكامن وراء هذه المواقع هو تشويه صورة الإسلام وتشكيك المؤمنين بعقيدتهم، وهذا الهدف أخبر به القرآن قبل 14 قرناً في قوله تعالى: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة: 217].
فالقتال اليوم ليس بالسيف إنما بالأفكار والفتنة (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) وهذا ما يشتغل عليه الملحدون اليوم. ولذلك وضعوا قاعدة أساسية في حواراتهم وهي أن الإيمان لا يكون إلا بالأشياء التي نراها وأثبت العلم وجودها.. وبما أننا لا نرى الخالق إذا لا يوجد خالق للكون!!
ولكن القرآن وضع قاعدة أخرى وهي الإيمان بالغيب وهي أول صفة للمؤمن كما قال تعالى في بداية القرآن: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة: 1-2].. فالإيمان بالغيب هو أول خطوة ثم تأتي الخطور الثانية وهي الإيمان اليقيني بعد البحث والتفكر في دلائل وبراهين وجود الله تعالى، وهذا هو الأساس العلمي الذي وضعه القرآن لمعرفة الله تعالى.
مشكلة الملحدين أنهم يناقضون القواعد التي وضعوها في البحث العلمي، ففي العلم هناك أساس لأي بحث علمي وهو الفرضية ثم التجربة ثم البرهان وأخيراً النتيجة. وكل بحث علمي يبدأ بفرضية أو نظرية.
فإذا أردنا أن نطبق هذه القاعدة على مسألة البرهان على وجود الله تعالى فينبغي أن نفرض أولاً أن الله موجود ثم نبحث عن البراهين والنتائج.. ولكن الملحد يطبق هذه القاعدة العلمية (الفرضية ثم البرهان) على كل شيء باستثناء موضوع الإيمان بالله تعالى!!
فهو أولاً يريد أن يرى الله ثم يبحث عن الأدلة، أي أنه يعكس القاعدة وبالتالي فهو لا يصل لنتيجة ولن يصل إلا إذا طبق القاعدة بالشكل الصحيح. والقرآن سلك هذا المنهج من خلال الإيمان بالغيب أولاً ثم البحث عن البراهين ثانياً.
فإذا أردنا أن نقوم ببحث علمي صحيح نثبت من خلاله وجود الخالق عز وجل، ينبغي أولاً أن نفترض أن الله موجود ونبدأ بجمع الأدلة والإثباتات العلمية. وهذا ما أنصح به أي مشكك أو ملحد يبحث عن الحقيقة بصدق، اعتقد أولاً بوجود الخالق وبقوة، ثم ستجد كل شيء من حولك ينطق ويؤكد أن الله موجود!
المنطق الرياضي دائماً يؤكد على أن الفرضية تقود للبرهان، ولا يجوز عكس هذه القاعدة كأن ننكر وجود شيء ثم نطلب البرهان على وجوده، لابد أولاً من الاعتراف بوجود هذا الشيء ثم نبدأ بالبحث عن الأدلة والبراهين. وهذا ما يفعله القرآن: يطلب منا أولاً الإيمان بالغيب أي الإيمان بالله تعالى، وبعد ذلك يعطينا الأدلة والبراهين من خلال آيات الإعجاز العلمي. ومادام الملحد يخالف هذه القاعدة فلن يصل لنتيجة، سيبقى يدور في نفس الدائرة.
وأذكر نقاشاً دار بيني وأحد الملحدين الذين اتخذوا من العلم طريقاً للإلحاد كما يقول، وبعد مناقشة طويلة قال أريد أن أرى الله وبعد ذلك أعترف بوجوده!! وسبحان الله هذا ما أخبر به القرآن قبل أربعة عشر قرناً في قوله تعالى عن اليهود عندما طلبوا من موسى عليه السلام رؤية الله: (فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) [النساء: 153]. فقد أراهم الله شيئاً تافهاً من مخلوقاته وهو الصاعقة، فلم يتحملوا رؤية ذلك، فكيف يتحملون رؤية خالق الكون سبحانه وتعالى.
هذه الشمس هي مخلوق صغير جداً بالنسبة لهذا الكون، والكون كله يعتبر تافهاً أمام عظمة الله تعالى، ويصرح العلماء بأنه لا يمكن الاقتراب من الشمس ولا توجد مادة على وجه الأرض يمكن أن تتحمل حرارة الشمس التي تبلغ ملايين الدرجات … لذلك يقررون حقيقة علمية وهي أن الإنسان عاجز عن رؤية الشمس مباشرة عن قرب لأنه سينصهر ويذوب في أقل من ثانية بمجرد الاقتراب منها بسبب الحرارة العالية والرياح الشمسية القاتلة والأشعة الكونية الخارقة.
وقلتُ لذلك الملحد هل تؤمن بوجود الثقوب السوداء؟ قال بالتأكيد، قلتً له هل يمكن رؤية الثقب الأسود؟ قال: لا، فقلت له إذا لن أعترف بوجود هذه الثقوب الكونية إلا أذا رأيتها أو على الأقل أرى صورة لها مثلها مثل بقية النجوم؟
وقال لي إن العلماء أثبتوا وجودها علمياً ورياضياً وهناك ثلاثة دلائل على الأقل؟ قلت له ما هي؟ فقال: 1- إن الثقب الأسود لا يمكن رؤيته لأنه لا يسمح للضوء بالانفلات منه بسبب الجاذبية الفائقة لهذا الثقب. 2- عندما يمر أي نجم بالقرب من الثقب الأسود ينحرف عن مساره بسبب الجاذبية الهائلة للثقب الأسود. 3- النجوم العملاقة عندما تنفجر تختفي بعد فترة ويفسر العلماء ذلك بتحولها لثقب أسود لا يرى.
وقلتُ له على الفور سبحان الله!! مخلوق صغير جداً لا يُرى ولا يوجد إلا ثلاثة دلائل على وجوده وأجدك شديد الإيمان به… فكيف لا تؤمن بخالق الكون وكل شيء في الكون يشهد على وجوده؟؟ ملايين البراهين من حولك تدل على وجود الخالق: الدقة والإبداع والتنظيم .. عالم النحل المنظم، وعالم النمل العجيب… تصميم الكرة الأرضية .. خلق الجنين من نطفة… الدماغ وكيف يعمل… المجرات وكيف تتشكل وتسير … الطفل كيف يتعلم اللغة وكيف ينطق ويبدع ويفكر… ملايين بل مليارات من الأدلة ألا تكفي لتدلك على وجود الله تعالى!
صورة تخيلية للثقب الأسود الذي لا ينكره اليوم أي إنسان عاقل بعد الأدلة الدامغة على وجوده، وهذا المخلوق هو نجم عملاق انفجر وانضغطت مادته ضمن حيز صغير جداً ولكن له جاذبية هائلة.. حتى الضوء لا يفلت منه ولذلك لا يرى ولكنه موجود!! وأعجب كثيراً من قول الملحد الكبير داوكينز حديثاً: لم يثبت عندي وجود الله لأن الأدلة العلمية غير كافيه على وجوده!!! سبحان الله، ولكن الأدلة القليلة بنظره تكفي للإيمان بالثقب الأسود… ما لكم كيف تحكمون!!
ولكن كعادة الملحدين لا تجد لهم جواباً في الحالات الحرجة فينكصون على أعقابهم ويكررون الكلام السابق نفسه.. ولذلك أنصح كل مؤمن يحب أن يخوض في نقاش الملحدين أن يتعمق في دراسة القرآن أولاً ويتعمق في دراسة العلوم الكونية، ومن ثم يناقش لكي لا ينخدع وينساق وراء هؤلاء بسبب ضعف إيمانه، وندعو بهذا الدعاء: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [ آل عمران: 8].
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل