» أسرار الإيمان واليقين

رسالة شكر إلى عالم غير مسلم

هذه رسالة أوجهها للعلماء الذين ساهموا في إضاءة الطريق للبشرية وكشف أسرار الكون، وكانوا سبباً في فهمنا لآيات الإعجاز العلمي في كتاب الله تعالى….

لقد ذكّرني أحد الإخوة القراء بمسألة مهمة وهي أن نشكر العلماء الذين ساهموا في فهمنا لهذا الكون من حولنا، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله! ومهما تكن عقيدة ذلك العالم فلا ينبغي أن ننكر فضله في تلك الاكتشافات العلمية التي غيرت وجه العالم وقدمت لنا خدمات جليلة.

أيها العالم: في البداية أودّ أن أشكركَ على كل ما قدَّمتَه من اكتشافات علمية أنارَت لنا طريق العلم، وكانت سبباً في فهمنا للقرآن الكريم! فما أكثر الآيات التي حيَّرَتني وعجزتُ عن فهمها وإدراك معانيها، حتى جاءت اكتشافاتك العلمية لتشرح وتوضح معنى هذه الآية وتزيدني خشوعاً لله عز وجل.

لقد قرَّر القرآن حقيقة علمية تقول بأن العلماء أكثر خشوعاً وخوفاً لله تعالى، وإليك هذه الآية: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28]. هذه الآية تمدحُ كل عالم على وجه الأرض بغض النظر عن عقيدته أو دينه… والذي ثبُت يقيناً أن العلماء الذين اكتشفوا أسرار الكون يدركون عظمة القوة الكامنة وراء هذا الكون!

بل ويقفون خاشعين أمام هذه القوة على الرغم من أنهم غير مسلمين، ولكن العلم يقودهم إلى ذلك، وهو ما تقرّره الآية الكريمة. وأقول لكل عالم ساهم في اكتشاف علمي: شكراً لك لأنك ساعدتني على فهم كتاب ربي!!

وقد تستغرب عزيزي العالم من هذا الكلام، وما علاقة فهم القرآن باكتشافاتك العلمية الرائعة! وأقول: إن القرآن يحوي آيات تتحدث عن الكون والأرض والبحار وعلم النفس… هذه الآيات لم تكن مفهومة سابقاً، ولكن بعد هذه الاكتشافات العلمية الحديثة أصبحَت الآيات واضحة جليَّة، وأصبحتُ أكثر إيماناً بالله تعالى بعد الاطلاع على هذه المكتشفات.

فطالما وقفتُ حائراً أمام آية تقول: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات: 7]. وتأملت هذه الآية طويلاً ولم أرَ أيَّ نسيج في السماء، حتى جاءت اكتشافات من علماء في ألمانيا وأمريكا وبريطانيا وباستخدام السوبر كمبيوتر الذي رسم صورة مصغرة للكون، وظهرت المجرات على شكل نسيج محكم، فخشع قلبي أمام هذا المشهد المهيب، وأصبحتُ أكثر إيماناً بهذا الخالق العظيم.

ومع أن القرآن أشار إلى حقيقة النسيج الكوني من خلال كلمة (الْحُبُكِ)، إلا أنني لم أفهم ما تعنيه هذه الكلمة إلا بعد أن اكتشف العلماء هذا النسيج … فكانت اكتشافات هؤلاء العلماء وسيلة لفهم القرآن الكريم بالنسبة لي!

 


صورة للنسيج الكوني … تحدث العلماء عن هذا النسيج طويلاً، ووجدوا بأن هذا النسيج هو نسيج مُحكم لأننا إذا تأملنا صورة النسيج الكوني نلاحظ أن لدينا كل خيط تتوضع عليه آلاف المجرات ولا ننسَ أن كل مجرة فيها مائة ألف مليون نجم وهي تبدو في هذه الصورة كنقطة صغيرة لا تكاد ترى فالنقاط الصغيرة في هذه الصورة النقاط المضيئة هي مجرات، ونلاحظ أن هذه المجرات تصطف على خيوطٍ دقيقة جداً وكل خيط يبلغ طوله ملايين بل مئات الملايين من السنوات الضوئية والسنة الضوئية!! إن الذي يتأمل هذه الصورة وما فيها من نسيج محكم يلاحظ على الفور أن المجرات لا تتوضع عشوائياً إنما تصطف على خيوط طويلة ودقيقة ويبلغ طول الخيط الواحد مئات الملايين من السنوات الضوئية، عندما رأى العلماء هذه الصورة أدركوا على الفور وجود نسيج محكم في السماء فأطلقوا مصطلح (النسيج الكوني). بدأ العلماء بعد ذلك بدراسة تفاصيل هذا النسيج وبدؤوا يصدرون أبحاثاً ومقالاتٍ حول هذا النسيج ومن أهمها مقالة بعنوان(كيف حُبِكَت الخيوط في النسيج الكوني) وقد لفت انتباهي في هذا البحث أن هؤلاء العلماء يستخدمون الكلمة القرآنية ذاتها يستخدمون كلمة Weave باللغة الإنكليزية وهي تماماً تعني حبك، وأدركت مباشرة أن هذه الآية تصوّر لنا تماماً هذا النسيج في قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ). المصدر NASA

وعندما اكتشف أحد علمائكم سر الأهرامات وأثبت بالمجهر الإلكتروني أن الحجارة التي بُنيت منها الأهرامات قد صُبَّت من الطين باستخدام الحرارة، أصابتني الدهشة والحيرة وأنا أقرأ قول فرعون يأمر مساعده ومهندس البناء لديه بأن يبني له صرحاً باستخدام تقنية الطين والحرارة، فقال: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) [القصص: 38]. لقد ثبَّتت هذه الآية إيماني بالله تعالى، وأن كل كلمة في هذا الكتاب هي الحق!

لقد وقفت حائراً أمام قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) [فصلت: 11]، وسألتُ نفسي: كيف يمكن أن يوجد الدخان في الكون وتحديداً في بداية تشكله؟ ولم أجد جواباً واضحاً حتى اكتشف أحد علمائكم ما أُطلق عليه اسم “الدخان الكوني” وتبين بما لا يقبل الشك أن هذا الدخان يعود لبلايين السنين في بداية خلق الكون… لقد جعلني هذا الاكتشاف أخشع للخالق عز وجل! فشكراً لك أيها العالم لأنك ساعدتني على مزيد من الخشوع والإيمان!!

 

جزيئة دخان كوني كما تبدو من خلال المجهر الإلكتروني، ونلاحظ أنها تتألف من عدد كبير من الجزيئات الصغيرة، وهذه الجزيئة تشبه إلى حد كبير جزيئات دخان السيجارة. وقد التقطت على سطح أحد النيازك الساقطة على الأرض. وهي أول صورة لجزيئات الغبار الكوني وتبين أن قطرها بحدود 3 مايكرو متر (وقد تصل إلى 50 مايكرو متر)، وأنها تتركب بشكل أساسي من الكربون والسيلكون وهما المركبان الأساسيان للدخان الذي نعرفه. المصدرNASA

 

صورة للدخان الكوني … من الحقائق الهامة في علم الفلك اليوم أن الدخان الكوني ينتشر بكميات هائلة في الكون، وهو يحجب الضوء الصادر عن معظم النجوم. هذا الدخان يغطي سطح الكواكب، ويمكن لسحب الدخان العملاقة أن تشكل النجوم والمجرات، إذاً الدخان هو أساس مهم في بناء الكون. ويؤكد العلماء أن هذا الدخان موجود منذ بدايات خلق الكون. المصدر NASA

وعندما اكتشفتم الأمواج العميقة وصرّحتم بأن المحيطات فيها أمواج سطحية وأمواج عميقة (بحدود 1000 متر تحت سطح الماء) وهذه الأمواج توجد في منطقة شديدة الظلام!! فقد زاد يقيني بالقرآن الذي أخبر عن هذه الحقيقة العلمية قبل أربعة عشر قرناً بقوله تعالى: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) [النور: 40].

 فالقرآن تحدث عن (ظُلُمَات) في أعماق البحر، وتحدث عن “أمواج” عميقة، ولكن لم أُدرك هذه الحقائق إلا من خلال اكتشافاتكم لها بعد اختراع الغواصة، فكانت هذه الاكتشافات وسيلة لزيادة يقيني بكتاب الله تعالى، فشكراً لكم أيها العلماء.

 

الأمواج العميقة… لقد استخدم العلماء في هذا الاكتشاف الأقمار الاصطناعية والغواصات والمختبرات العائمة، وقد أظهرت الصور وجود أمواج عميقة ولكن المفاجأة أنهم لم يتوقعوا أن تكون عميقة لهذا الحد، أليس هذا ما حدثنا عنه القرآن بقوله تعالى: (بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ)، بحر لجي: أي بحر عميق. مصدر الصورة: وكالة ناسا NASA

وحمدتُ الله تعالى حمداً كثيراً عندما قام باحثون غربيون بدراسة أثبتوا فيها أن نسبة الانتحار هي الأقل بل تقترب من الصفر لدى المسلمين، وقالوا إن الفضل يعود لتعاليم الإسلام القوية التي تحرم بشدة الانتحار… ورجعت لآية مليئة بالرحمة قال الله فيها: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29]. فقد أصبحت أشعر شعوراً جديداً أثناء تلاوة هذه الآية وأحسّ بأهميتها… مع العلم أنني قبل هذه الدراسة لم أتوقع أن لهذه الآية سيكون هذا الأثر الكبير في حياة المسلمين.

ولا أنسى ذلك العالم المسلم في وكالة ناسا والذي أثبت وجود أنهار تغوص في رمال الربع الخالي، وأثبت أن هذه المنطقة كانت ذات يوم مغطاة بالمروج والأنهار… وكذلك لا أنسى اكتشافات العلماء حول دورة المناخ وأن هذه الصحارى سوف تعود من جديد (خلال آلاف السنين) لتصبح ذات مراعي ومروج وأنهار… وتذكرتُ حديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)… إن المؤمن لا يملك أمام هذه الحقائق إلا أن يقول: سبحان الله!

ولذلك فإنني أكرر وأقول لولا أن الله سخَّرك لتبحث وتدرس وتكتشف، لما فهمنا الآيات فهماً صحيحاً، وهذا اعتراف بالجميل وردّ الفضل لأهله. ولكن اسمح لي أن أقول لك بأن القرآن يحوي المزيد من الحقائق العلمية التي لم يتم اكتشافها بعد، وهي تنتظر من يبحثها ويكتشفها.

وقبل الختام

ولكن قبل أن أختم رسالتي ربما يخطر ببالكَ سؤال: هل لديكم أيها المسلمون اكتشافات علمية من القرآن الكريم وبخاصة أننا نعيش في عصر التكنولوجيا الرقمية؟ ونقول نعم، لدينا حقائق رقمية رائعة وضعها الله في كتابه القرآن لتكون برهاناً على أنه الحق.

لقد وردت آية في القرآن تقرر بوجود تماثل في خلق آدم وعيسى فكلاهما خُلق بمعجزة، يقول تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران: 59]، والعجيب أن اسم (عيسى) تكرر في القرآن 25 مرة، واسم (آدم) تكرر في القرآن 25 مرة فالتماثل ليس فقط في طريقة الخلق بل في تكرار الاسم أيضاً!

لقد تحدث القرآن عن الدنيا والآخرة في آيات كثيرة وقرر أن هذا القرآن يضمن لك الحياة المطمئنة في الدنيا والآخرة يقول تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء: 134]. والعجيب أن كلمة (الدنيا) تكررت في القرآن 115 مرة، وكلمة (الآخرة) تكررت في القرآن 115 مرة، ليدلنا على أن الإسلام هو الدين الذي يحقق لك النجاح والسعادة في الدنيا والآخرة.

ولو تأملنا كلمات القرآن كلها نجد أن الكلمة الأكثر تكراراً بين جميع كلمات القرآن هي كلمة (الله)، فقد تكررت 2699 مرة ولم تتكرر أي كلمة أخرى مثلها، وهذه الظاهرة لا نجدها في أي كتاب على وجه الأرض، فلا يوجد كتاب تكون الكلمة الأكثر تكراراً فيه هي اسم مؤلف الكتاب… فكّر معي وتأمل جيداً!! الرقم الأكثر تكراراً في القرآن من بين جميع الأرقام المذكورة هو الرقم واحد، وبمعادلة بسيطة يمكن أن نقول:

ماذا يعني أن نجد في كتاب مؤلفه هو (الله) وهو يقول عن نفسه أنه واحد… ماذا يعني أن نجد الكلمة الأكثر تكراراً هي (الله)، والرقم الأكثر تكراراً هو (واحد)… إنه يعني شيئاً واحداً وهو أن قائل هذا القرآن هو: الله الواحد!

وهكذا تتجلى لغة الأرقام في هذا القرآن بشكل رائع يشهد على دقة كلماته وحروفه، وليكون هذا النظام الرقمي برهاناً في عصرنا هذا على صدق كلام الله تعالى.

وبعد…

والآن لن أدعوك لاعتناق الإسلام… ولكن أدعوك فقط أن تتأمل هذه الحقائق وتعيد النظر في هذه الآيات العلمية، وأن تقرأ بقلبك قبل عقلك هذه الآية العظيمة وتفكر فيها طويلاً… الله تعالى يقول: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: 21].

ــــــــــــ

بقلم عبد الدائم الكحيل

تحميل كتب الإعجاز العلمي

صفحتنا الجديدة على فيس بوك