في كل لحظة تمر على الإنسان يحتاج فيها لعلاج فعال يساعده على التغلب على مشاكله وأمراضه ومصائبه واضطراباته النفسية … إنها سلاح الصبر، أسلوب ينادي به العلماء حديثاً لعلاج المشاكل المستعصية. فقد انتشر مرض الاكتئاب في العصر الحديث حتى أصبح المشكلة الأكثر تدميراً للاقتصاد العالمي.
تخبرنا دراسة أمريكية حديثة أن عدد الذين يعالجون من مرض الاكتئاب بدرجات مختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 27 مليون أمريكي! إنه عدد كبير جداً …
إحصائيات أخرى تؤكد أنه في كل ثلاث دقائق هناك حادثة عنف منزلي تمارس على الزوجة أو الأطفال بسبب نفاذ صبر الزوج وغضبه وانفعاله المفاجئ وعدم السيطرة على نفسه، مما يتسبب سنوياً بملايين الحالات المأساوية التي تنتهي بالطلاق أو القتل أو الإيذاء الجسدي…
إحصائيات رسمية جديدة تخبرنا أن نفاذ الصبر لدى فئة الشباب بخاصة وغضبهم المتكرر يؤدي إلى الموت المفاجئ أو الإصابة بالسكتات الدماغية أو أمراض ضغط الدم وغير ذلك وصولاً إلى السرطان.. أو الانتحار.
ولذلك فإنك عندما تذهب للعلاج النفسي في الغرب تجد أول نصيحة طبية لك هي أن تتحلى بضبط النفس والحلم وكثير من الصبر. ليس من باب العبادة أو الامتثال لأمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، بل لأن دراساتهم العلمية أثبتت الفوائد الطبية العديدة للصبر فينصحون المرضى النفسيين بهذا العلاج المجاني!
هذه بعض الحقائق العلمية حول عدم “ممارسة الصبر” وكيف تكون النتائج مدمرة وقاتلة، ومعظم هذه الإحصائيات وردتنا من دول غير إسلامية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، فماذا عنا نحن المسلمون؟
من أعظم النعم التي منَّ الله تعالى بها على المسلم أنه أعطاه الصبر! فليس هناك عطاء أوسع من الصبر. ولكن الصبر الذي ذكره القرآن الكريم أكثر فائدة من ذلك العلاج الذي يصفه علماء الغرب. فالصبر عند المسلم ليس مجرد علاج، بل هو طاعة للبارئ عز وجل يجد فيه الكثير من الراحة النفسية والسعادة والرضا بما قُسم له من الرزق، ويتذوق من خلاله حلاوة الإيمان، وبالتالي يكون العلاج أكثر فاعلية ينعكس على المؤمن ومن حوله.
من فوائد الصبر أنه لا يقتصر على صاحبه بل يتعدى ذلك إلى الأسرة والمجتمع. فكما أن الغضب والعنف يؤثر على الآخرين ويؤذيهم كذلك الصبر يؤثر على الآخرين وينشر السعادة بينهم.
يؤكد علماء البرمجة اللغوية العصبية أن العلاج الفعال لكثير من الاضطرابات النفسية أن يترافق الصبر مع الشكر! فللشكر قوة خارقة لا يدركها إلا من مارسها طويلاً. فقد تبين أن معظم المبدعين والناجحين والقادة يمارسون هذه “التقنية” أي الصبر والشكر. فأنت عندما تصبر على الآخرين وبنفس الوقت تشكرهم على ما يقدمونه لك ولو كان القليل، فإن هذا أقصر طريق للنجاح أو الشفاء والرضا عن النفس وعن الآخرين.
وسبحان الله! لقد قرن الله بين الصبر والشكر فقال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [إبراهيم: 5].
فمسألة الرضا عن النفس والآخرين مهمة جداً في العلاج النفسي، لأن معظم الأمراض النفسية تنشأ نتيجة سخط الإنسان على واقعه وعدم الرضا بما قسم له.
يقول العلماء إن أقوى أنواع الصبر أن يترافق مع التسامح لمن أساء لك، ليس أن تصبر عليه فقط بل أن تغفر له وتسامحه، وسبحان الله، هذه القاعدة الذهبية في علاج القلق والاكتئاب ذكرها الله في كتابه الكريم، يقول تعالى:(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى: 43].
فالمريض الذي لا يتمكن من ممارسة الصبر فإن ممارسة الصبر بالقوة أحياناً يعطي نتيجة عكسية، لذلك نجد العلماء ينصحون بشيء من الانفعال على سبيل التنفيس والتخلص من الضغط النفسي لأن الصبر في هذه الحالة يؤذي صاحبه فهو ليس بالصبر الذي نعرفه، بل هو كبت للمشاعر الغاضبة.
ويقول العلماء إن الصبر على مشاكل الحياة والمشاكل الاجتماعية والأمراض التي تصيب الإنسان وغيرها، يجب أن يترافق مع الرضا والقبول والاطمئنان والشعور بشيء من السعادة. وللأسف معظم المرضى من غير المسلمين لا يتمكنون من ممارسة هذا النوع من الصبر، ولكننا نحن المسلمون نجد العلاج في كتاب الله تبارك وتعالى، وهو ما يسمى بالصبر الجميل، يقول تعالى: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا) [المزمل: 5].
وأخيراً ينبغي أن نتذكر هذه الآية الكريمة، يقول تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10]. فكلما أحسست بالضيق أو الغضب أو عدم تحمل الآخرين… تذكر هذه الآية بل واحفظها عن ظهر قلب، لأنها تساعدك على الصبر والتحمل وبخاصة عندما تدرك أنك ستدخل الجنة بغير حساب.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل