» أسرار الإيمان واليقين

سلسلة الافتراءات (5): القرآن والشعر الجاهلي

 

هذا رد منطقي وعلمي على من يدعي أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أخذ بعض آيات القرآن من شعراء الجاهلية ….

وأخيراً وجد المشككون دليلاً قوياً على أن القرآن ليس كلام الله، بل كلام محمد (صلى الله عليه وسلم)، لأن بعض الآيات “مسروقة” من الشعر الجاهلي، إذاً التفسير المقبول أن النبي اقتبس القرآن من كتب الأقدمين وأشعارهم وأساطيرهم، أي أن القرآن ليس من عند الله…

ونقول سبحان الله! هل كان محمد صلى الله عليه وسلم باحثاً في الميثولوجيا أو مؤلفاً أو شاعراً… وهل كان لديه فريق عمل يجمع له أبيات الشعر فيختار منها قرآناً لم يسبقه إليه أحد، ثم ينسى نفسه وشهرته وينسب هذا الكتاب العظيم لله؟ المنطق التاريخي يخبرنا بأنه على مر التاريخ لم يوجد مؤلف واحد جاء بعمل عظيم ونسبه لغيره! فلماذا خالف الرسول هذه القاعدة؟ الجواب: لأن هذا الكتاب بالفعل ليس من عنده بل هو كتاب الله عز وجل.

افتراء على القرآن

عندما نطالع بعض المواقع المعادية للإسلام على شبكة الإنترنت نجد آلاف الصفحات ومعظمها مكرر ويحاولون الإتيان ببعض أبيات من الشعر ويقولون إن هذه الأبيات ألفت في زمن الجاهلية وهناك تشابه بينها وبين آيات من القرآن مما يدل على أن الرسول أخذ هذه الآية من ذلك الشعر…

ومن أمثلة ذلك قولهم إن الشاعر أمية بن أبي الصلت له أشعار كثيرة سابقة للقرآن وبنفس الألفاظ، فمثلاً يقول أمية بن أبي الصلت:

بناها وابتنى سبعاً شداداً   –   بلا عمدٍ يرين ولا رجالِ

هناك تشابه بين هذا الشعر وبين آيات من القرآن: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا) [النازعات: 27]، وقال تعالى: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) [النبأ: 12].. وقال: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) [الرعد: 2].. والسؤال: ألا ترون معي أن الآيات هي النسخة الأصلية وأن مؤلف هذا الشعر هو من اقتبس من القرآن؟

والسبب أن أبيات الشعر مبعثرة ومتفرقة كلمة من هنا وعبارة من هناك، فما علاقة الرجال بالسماء، هل يعقل أن ترفع الرجال السماء وذلك في قوله (بلا عمدٍ يرين ولا رجالِ)؟ أيضاً إذا دققنا النظر في القصيدة كاملة نلاحظ كأن المؤلف تقصد الاقتباس من عبارات شهيرة في القرآن دون وجود أي رابط بين أبيات الشعر أو أي هدف منه على عكس الآيات القرآنية التي تأتي في سياق التفكر في مخلوقات الله تعالى.

أما امرؤ القيس فله قصيدة منسوبة إليه يقول فيها:

دنت الساعةُ وانشقَّ القمر – عن غزالٍ صاد قلبي ونفر

أحور قد حرتُ في أوصافه – ناعس الطرف بعينيه حَوَر

مرَّ يوم العيــد في زيـنته – فرماني فتعاطى فعقر

بسهامٍ من لِحاظٍ فاتــكِ – فتَرَكْني كهشيمِ المُحتظِر

وإذا ما غــاب عني ساعةً – كانت الساعةُ أدهى وأمرّ

وهذه الأبيات مقتبسة بشكل واضح من سورة القمر، في قوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر: 1] كذلك في قوله تعالى: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ) [القمر: 29]، ومن الآية الكريمة: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) [القمر: 31]، وأيضاً اقتبس الشاعر من الآية الكريمة (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) [القمر: 46]..

إن الذي يتأمل سورة القمر وما فيها من قصص وعبارات محكمة ومرتبة ترتيباً مناسباً لأحداث السورة، يرى على الفور أن الشاعر اقتبس هذه الأبيات من القرآن ونسبها لامرئ القيس مدعياً أن القرآن هو من أخذ منه وليس العكس…

الرد على الافتراءات بلغة المنطق

1- نحن نعلم أن تاريخ القرآن يعود للقرن السابع الميلادي، ولكن هل يمكن لأي ملحد أن يأتي بتوثيق علمي لهذه الأبيات من الشعر؟ هذه الأبيات مبثوثة في بطون الكتب مثل كتاب الأغاني، وجميع هذه الكتب ألّفت بعد نزول القرآن بمئات السنين!! فكيف علموا أن هذا الشاعر أو ذاك هو قائل هذه الأبيات؟ وأين التوثيق العلمي؟

2- نتحدى الملحدين أن يأتونا بتوثيق علمي لأي بيت من أبيات الشعر التي يدعون أنها سبقت القرآن! ولن يجدوا مهما حاولوا لأن الكتب التي أخذوا منها هذه الأبيات تم تأليفها بعد نزول القرآن بمئات السنين.. وتبقى على ذمة مؤلفها. ولو تأملنا ديوان الشاعر أمية نجده قد تم جمعه من عدد كبير من الكتب مثل كتاب الأغاني، والبحر المحيط، والبداية والنهاية، والتاريخ الكبير… وغيرها من الكتب التي ألفها أصحابها بعد وفاة النبي بقرون!

3- قد يقول قائل ما هي مصلحة من ألف هذه الأبيات؟ ونقول إن الهجوم على القرآن بدأ منذ نزلت أول آية من القرآن! وبالتالي كان هناك المنافقون والمشككون والذين تخصصوا في فن الكذب على النبي الكريم فألفت آلاف الأحاديث الموضوعة والتي تهدف لتشويه صورة الإسلام، وهذه هي الحرب بين الحق والباطل.

4- كذلك هناك شعراء كانوا ينتحلون بعض أبيات الشعر وينسبونها لغيرهم بهدف كسب بعض الشهرة والمال وجمع الناس حولهم… لأن هذه الأبيات تبدو ضعيفة قياساً لشعر ذلك الشاعر الجاهلي الذي يتميز شعره بالرصانة والبلاغة والصعوبة في الفهم.

5- ما هي حاجة الرسول لأن يقتبس من أبيات من الشعر لن تخدم دعوته في شيء؟

6- إذا كان النبي الكريم على هذا المستوى العالي من الذكاء والقدرات البلاغية لدرجة أنه ألف قرآناً كان السبب في حفظ اللغة العربية الفصحى من الضياع (كما حدث مع بقية اللغات القديمة)، ماذا سيستفيد من أخذ ألفاظ من الشعر الجاهلي.

7- لا أحد ينكر أن الشعر الجاهلي كان مليئاً بأبيات الغزل والحب والمجون.. والتغني بالخمر والحنين إلى الأطلال والديار، ومليئاً بأبيات الفخر والمديح والتعصب للقبيلة… لماذا لم يأخذ من هذا الشعر وهو الأشهر والأقوى والأكثر تأثيراً في العرب؟

8- من المعروف عن الكاتب الذي يقتبس من الشعر أن يكون لديه خيرة في الشعر؟ ولم نعلم أن النبي الكريم ألف بيتاً واحداً من الشعر؟ ونتحدى أي ملحد أن يأتينا ببيت واحد من شعر محمد صلى الله عليه وسلم؟

وأخيراً لماذا خالف النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم كل الشعراء وحرم الخمر؟ وحرم الزنا؟ وحرم النظر إلى النساء بشهوة؟ وحرم أكل الربا؟ وحرم التكبر والتفاخر والتعصب والتكبر؟ لماذا وصف الشعراء بأنهم مضللون: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ) [الشعراء: 224-226].

المنطق العلمي يفرض علينا أن نقرّ بأن هذا القرآن كلام الله تعالى، وأن كل ما يقال من هجوم على القرآن هو بمثابة من يحاول أن يطفئ نور الله بفمه، ولكن الله سوف يتم نوره وينشر دينه على الرغم من كل ذلك، قال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف: 8-9].

ــــــــــــ

بقلم عبد الدائم الكحيل

الهوامش

– ديوان أمية بن أبي الصلت – دار صادر – الطبعة الأولى 1998

تحميل كتب الإعجاز العلمي

صفحتنا الجديدة على فيس بوك