» أسرار الإيمان واليقين

سلسلة الافتراءات (6) الحروف المقطعة في القرآن

هذه المقالة هي رد على من يدعي أن الحروف المقطعة وضعها الراهب بحيرة في القرآن الكريم….

لفتت انتباهي بعض المقالات التي يتحدى أصحابها علماء المسلمين أن يردّوا عليهم! بل ويدعون أن سرّ الحروف المقطعة التي في أوائل بعض سور القرآن الكريم مثل (الم)! هو رموز وطلاسم تشير إلى أن هذه الحروف هي من وضع بَحيرة الراهب، الذي علّم محمداً شريعة التوراة والإنجيل استكمالاً لتعليم الأسقف ورقة بن نوفل بعد موته!!!!

وسبحانك يا رب العالمين ما أكرمك وأرحمك وأعظمك! هم يقولون هذا الكلام الباطل على حبيبك ورسولك وخاتم أنبيائك عليه الصلاة والسلام، وأنت ترزقهم وتتفضل عليهم وتمهلهم!! ولكنني تذكرت قول الله تبارك وتعالى عن هؤلاء الذين يحاولون التشكيك برسالة الإسلام ويريدون أن يطفئوا نور القرآن بكلامهم ومقالاتهم: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 31-33].

لماذا هذا الردّ؟

قد يقول قائل: لماذا تردّ على هذه الافتراءات وتعرّف الناس بها؟ أليس الأجدر إهمالها وتركها لأنها لا تستحق الردّ؟ وأقول بأن المؤمن المحبّ لكتاب ربه يغار على هذا الكتاب الكريم، ولا يسمح لأحد أن ينتقده، بل إن السكوت عن أمر كهذا يعطي إشارة مبطّنة لبعض ضعاف القلوب من المسلمين أن علماءهم لا يستطيعون مجاراة هؤلاء أو الرد عليهم. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يرى منكراً يغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان،

ونحن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقل ما نقدمه لخدمة كتاب الله تبارك وتعالى هو كلمة حق نظهر من خلالها صدق القرآن وأنه كتاب صادر من الله تعالى وأن الإسلام هو دين العلم والمنطق والعدل.

لذلك نجد القرآن الكريم نفسه قد عرض أقوال منتقديه ومعارضيه بالتفصيل، وردّ عليهم بأسلوب منطقي وعلمي ولم يترك المؤمنين حائرين أمام هذه الاعتراضات. وقد خاطب تعالى حبيبه صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) [الفرقان: 33]. فقد رد القرآن جميع ادعاءات المعارضين بشكل علمي. ولو تأملنا آيات القرآن الكريم نجد مئات الآيات قد تحدثت عن أقوال الكافرين والملحدين والمشككين بالقرآن، بل إن القرآن حدثنا عما يدور في قلوبهم وأنفسهم وما تخفي صدورهم!! ولكن لماذا هذا الكمّ الهائل من الآيات التي تنقل لنا ادعاءات المبطلين وتناقش أقوالهم وأفعالهم وتردّ عليها؟

لقد وجدتُ بأن الهدف من وراء هذه الآيات هو تعليم المؤمن كيف يردّ إذا تعرض لموقف كهذا، وكيف يناقش ويتعامل مع منكري القرآن، وكيف يقنعهم بالحجة الدامغة. وكلنا يعلم كيف اعترض كفار مكة على القرآن وقالوا إنه سحر مبين تارة، وتارة أخرى قالوا بأنه كلام بشر. فكيف علّم الله رسوله أن يردّ عليهم؟

يقول تعالى على لسان هؤلاء المشركين: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ) [هود: 13]. هذا ادعاؤهم ولكن كيف أجابهم القرآن؟ يخاطب الله تعالى حبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم بكلمة (قل) أي قل لهم يا محمد: (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ) وماذا أيضاً؟ (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). ولكن الله أعطانا النتيجة مسبقاً فقال: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [هود: 14].

إذن عندما يأتي أحد الملحدين ويدعي بأن القرآن ليس كلام الله وأن الرسول قد افتراه ونسبه إلى الله، نطلب منه أن يأتي بسور تشبه سور القرآن! وعندما لا يستجيبون لهذا التحدي فينبغي علينا أن نعلم بأن الله هو الذي أنزل القرآن بعلمه وقدرته وحكمته.

وقد شهدنا الكثير من المحاولات الهادفة لتقليد النص القرآني والإتيان بمثله، ولكن هل هنالك محاولة واحدة نجحت وصدّقها أحد؟ وقد مضى على نزول القرآن أكثر من 1400 سنة فهل استطاع أحد أن يأتي بسورة واحدة يدعي أنها من عند الله وأقنع بها الناس؟

إذن القرآن يطلب منهم أن يأتوا بسور من مثله، وطلب منهم أن يعملوا ويجتهدوا في سبيل ذلك وهيهات أن تنجح محاولاتهم. والمحاولة التي سنعرضها الآن هي إحدى هذه المحاولات التي تهدف إلى إثبات أن القرآن كلام بشر، وسوف نعرض كل الحجج التي ساقها المؤلف، وسوف نرى بأن التفسير الذي قدّمه صاحب هذا المقال غير صحيح على الإطلاق، بل هذا التفسير يصلح لأي حروف! وستكون لغتنا في الإقناع هي نفس اللغة التي استخدمها صاحبنا أي لغة الأرقام.

وينبغي أن نستيقن دائماً بأن الله تبارك وتعالى لن يجعل حجّة لأحد على المؤمنين: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) [النساء: 141]. ولذلك مهما حاول المشككون ومهما اجتهدوا فلن يستطيعوا الانتقاص من شأن هذا القرآن، ولن يتمكنوا من إضعاف معجزاته وعجائبه. وأسأل الله تعالى أن تكون هذه المقالة سبباً في هداية كل من لديه شك بالقرآن، وكذلك أسأله عزّ وجل أن يجعل فيها الخير والنفع والفائدة للمؤمنين المحبِّين للقرآن، وأن يزدادوا إيماناً ويقيناً بعظمة هذا القرآن وعظمة إعجازه.

ادعاءات لا أساس لها

يقول بعض المفترين على القرآن: إن هذه الحروف أي (الم) وغيرها في حساب الجُمَّل تساوي أعداداً محددة، وكل عدد يرمز لعبارة محددة أيضاً، ويؤكد بأن معنى هذه الحروف هو “المسيح ابن الله” –تعالى الله عن هذا علوّاً كبيراً- وأن الراهب بَحيرة وضع هذه الحروف ليكفِّر عن ذنوبه لأنه علّم محمداً أشياء تخالف الإنجيل، وأنه ترك تفسير هذه الحروف للأجيال القادمة من بعده!!!!

وسبحان الله! لم أكن أعلم من قَبل أن هذا الراهب له كل هذه السيطرة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حتى يضع حروفاً غامضة، ويضمن قبولها من محمد، وكذلك يضمن قبولها من بلغاء العرب وفصحائهم، ويضمن أيضاً عدم اعتراض المشركين عليها، وكذلك يضمن بقاءها 1400 سنة!!

وإذا كان لديه كل هذه السيطرة والقوة في وضع ما يشاء، فلماذا لم يضع عبارات صريحة يؤكد فيها أن المسيح هو ابن الله؟؟ ولا يترك كل هذه الأجيال حائرة أمام هذه الحروف حتى يأتي صاحبنا ويعرفنا عليها! وهل يعقل أن رجلاً مسناً وضعيفاً مثل بَحيرة استطاع أن يحرّف القرآن ويضع فيه ما يشاء في بضع سنوات، ولم يستطع كل الكفار والمشركين والملحدين أن يحرفوا القرآن طيلة أربعة عشر قرناً؟

لذلك فإن القرآن يعرض أقوال الملحدين بأن القرآن هو أساطير وألغاز وخرافات نقلها وأملاها عليه الرهبان والكهان، فيقول على لسانهم: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الفرقان: 5]. ولكن كيف ردّ القرآن افتراءهم هذا؟ يقول تعالى معلماً رسوله الكريم كيف يرد عليهم: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان: 6].

ثم يتابع باحثنا ادعاءاته ويؤكد حسب قناعته بأن بعض هذه الحروف تساوي في حساب الجُمَّل عبارات لها نفس القيمة العددية، وبعض هذه العبارات موجود في الإنجيل وهي باللغة العربية! والسؤال الذي أطرحه: هل كان لدى الراهب بحيرة نسخة مترجمة للعربية من الإنجيل؟؟ فإذا كان الإنجيل لم يترجم للعربية إلا بعد وفاة الراهب بحيرة بمئات السنين، فمن أين جاء بهذه العبارات؟!

إن الله تعالى قد حدثنا عن هؤلاء في كتابه، وأخبرنا بأنه سيأتي زمن يدعي فيه المشككون بأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد علّمه بشر، وأجابهم عن هذه الشبهة بأن البشر الذي ينسبون إليه العلم إنما كتابه وهو الإنجيل باللغة غير العربية أي لغة أعجمية، فكيف علّم الرسول كل هذه البلاغة وهو لا يتقنها؟ ولو كان لدى هذا الراهب بلاغة كالقرآن، إذن لماذا أعطاها للرسول؟ أليس الأجدر به أن ينسبها لنفسه مثل بقية البلغاء من العرب وحكمائهم وشعرائهم؟؟

واستمع معي أخي القارئ إلى هذا النبأ الإلهي أخبرنا بما سيقوله هؤلاء وبالرد عليهم، يقول تعالى مخاطباً حبيبه محمداً عليه صلوات الله وسلامه: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) هذا قولهم، ولكن كيف ردّ علهم سبحانه وتعالى؟ تأمل بقية الآية: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النحل: 103]. وسؤالنا لصديقنا هذا: هل هذه الآية العظيمة التي تنفي تعليم البشر للنبي الكريم، هل هذه الآية وضعها الراهب بحيرة أيضاً؟

والعجيب أن هذا الباحث يقول بأن الله سبحانه هو الذي ألهم الراهب أن يضع هذه الحروف لتكون دليلاً على صدق الإنجيل، وسؤالنا له: إذا كان الله هو الذي ألهم بحيرة الراهب أن يضع هذه الحروف، فلماذا لم يكشفها للمسلمين وأخفاها عنهم طيلة 1400 سنة؟

والأعجب من ذلك أنه يحبِك هذه الأكذوبة فيقول إن الحروف المقطعة جاءت في أوائل 29 سورة. ومنها 26 سورة نزلت بمكة و3 سور في المدينة، ثم توقفت هذه الحروف بسبب موت الراهب بحيرة في بداية الدعوة في المدينة.

ولكن تمهَّل قليلاً يا صديقي، فنحن نعلم يقيناً بأن سورة القلم مثلاً من أوائل السور نزولاً بمكة وفي مقدمتها حرف النون، وهو من الحروف المقطعة: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) [القلم: 1]. فهل وضع الراهب بحيرة هذا الحرف (ن)في مكة أم في المدينة؟! بكلمة أخرى إن هذه الحروف كانت تنزل مع كل سورة ولم يتم إضافتها لاحقاً، والدليل على ذلك أن هذه الحروف لو تمت إضافتها بشكل مفاجئ لأثارت تساؤلات المؤمنين قبل المشركين! إذن المنطق يفرض بأن نزول هذه الأحرف استمر طيلة نزول القرآن في مكة والمدينة.

ثم من أين له أن يعلم تاريخ وفاة الراهب بحيرة؟ ومن أين له أن يعلم زمن نزول آخر سورة تحوي حروفاً مقطعة حتى يقول بأن هذه الحروف توقفت بعد وفاة الراهب؟؟ ثم نحن نعلم يقيناً قصة إسلام سيدنا عمر بن الخطاب في مكة المكرمة، قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بسنوات، وكيف أن هذا الصحابي الجليل أسلم بسبب سماعه آيات من سورة (طه)!!! وسورة طه تحوي حروفاً مقطعة. فكيف تُليت هذه السورة مع ما فيها من حروف مقطعة على عمر بن الخطاب وكان ذلك في مكة، ثم يأتي صاحبنا ويقول إن هذه الحروف وُضعت في المدينة قبيل وفاة الراهب بحيرة ليكفّر عن ذنوبه؟؟؟

ثم يطرح عدداً من الأسئلة حول هذه الحروف فيقول: “ما هي الحكمة في تواجد تلك الحروف في أوائل بعض السور؟ لابد وأن تكون لتلك الحروف معانٍ وإلا فما المبرر لوجودها؟ ولماذا تكررت بعض الحروف بعينها في أكثر من سورة، أليس في تكرارها حكمة ومعنى؟ وإذا كانت ليس لها معنى فلماذا تتكرر؟ ولماذا كان عدد هذه الحروف 14 حرفاً؟

وسوف نجيب عن هذه الأسئلة بمنهج علمي يثبت أن هذه الحروف تخفي وراءها معجزة رقمية عظيمة، وأن الله تعالى قد أخّر ظهور هذه المعجزة لعصرنا هذا لكي يخاطب بها رؤوس الإلحاد والتشكيك، ولتكون دليلاً على إعجاز القرآن في عصر التكنولوجيا الرقمية الذي نعيشه اليوم.

حساب لا أساس له

سوف نبدأ الآن بطرح التفسير المزعوم لهذه الأحرف على بساط البحث، وكيف أن هذا التفسير لا يمتّ بصلة للعلم أو المنطق، وأن التفسير الذي سنقدمه هو تفسير علمي ورياضي ولا يمكن انتقاده أو تخطئته، لأننا سنأتي بحقائق رقمية مستخرجة من القرآن ذاته، وليس بمجموعة مصادفات رقمية مصطنعة لا معنى لها ولا تقوم على أي أساس علمي.

ففي أول مثال يعرضه كاتب المقال يقول بأن (الم) في حساب الجمل وفق قاعدة أبجد هوّز تساوي 71 فالألف تساوي 1 واللام تساوي 30 والميم تساوي 40 فيكون المجموع 71 وهي القيمة العددية لحروف (الم). وبما أن (الم)قد تكررت في القرآن ست مرات في ست سور فإن مجموع هذه الحروف مكرراً ست مرات هو 71×6 ويساوي 426 ثم يقول بأن هذا العدد أي 426 يساوي القيمة العددية لعبارة (يسوع المسيح هو ابن الإله)!!!

وحساب الجُمَّل معروف عند اليهود قديماً وفي كل الحضارات القديمة تقريباً، وكل حضارة تعطي قيماً عددية لكل حرف. وقد استخدم العرب هذا الحساب في بعض أشعارهم. فكانوا يعبّرون عن تاريخ لحدث ما بجملة تساوي قيمتها العددية هذا التاريخ. وقيم الحروف الأبجدية الثمانية والعشرين وفق حساب الجمل هي كما يلي:

 أ=1    ب=2    ج=3    د=4   هـ=5   و=6    ز=7    ح=8    ط=9

 ي=10   ك=20   ل=30   م=40   ن=50   س=60   ع=70   ف=80

 ص=90      ق=100     ر=200     ش=300    ت=400      ث=500

 خ=600        ذ=700         ض=800        ظ=900         غ=1000

 

ونلاحظ أن الأحرف قد رُتبت بطريقة لا تقوم على أساس علمي، فمثلاً لماذا حرف الألف أخذ الرقم واحد وحرف الباء أخذ الرقم اثنان؟ ما هو المانع أن نجعل حرف الباء يأخذ الرقم 3 مثلاً؟؟ إذن هذا الترقيم لا يقوم على أساس علمي ولا شرعي وبالتالي لا يمكن الأخذ به.

مناقشة الفكرة

وبالرغم من ذلك لنناقش فكرة الكاتب واكتشافه بشكل علمي، ونضع نتائجه في ميزان البحث العلمي، ونثبت بالبرهان القاطع أن ما جاء به هذا الباحث هو مجرد لعبة رياضية بدائية جداً، لا يمكن تصديقها حتى من قبل الذين لا يفقهون لغة الرياضيات. ونعود للحروف الثلاثة (الم) وتفسيره لها.

إذن (الم) مكررة ست مرات ومجموع القيمة العددية لها وفق حساب الجمل يساوي 426 ، والقيمة العددية لعبارة (يسوع المسيح هو ابن الإله) تساوي 426 ، إذن هذا هو السرّ الخطير الذي لن يستطيع أحد أن يأتي بمثله! وعلى ما يبدو أن صاحبنا هذا لم يسمع بعلم اسمه الإعجاز الرقمي، فنحن نستطيع أن نركب له آلاف العبارات التي تساوي قيمتها العددية 426 أو أي عدد يريد، فأين التحدي وأين التفسير العلمي الذي يدّعيه؟

ثم يأتي بعبارة ثانية وهي (يسوع هو صُلب وقام) وهذه أيضاً تساوي نفس العدد السابق أي 426 في حساب الجمل. ولا أدري من أين جاء بهذه العبارات؟ ولماذا يظن أن هذه العبارات فقط تساوي 426 في حساب الجمل، ونسي بأن أي شخص لديه خبرة متواضعة بهذا الحساب يستطيع أن يركب جملاً كثيرة تأتي قيمتها مساوية للرقم 426.

ويسوق العبارات الركيكة والمليئة بالأخطاء اللغوية والبلاغية والنحوية والتي لا يقبلها طالب اللغة العربية في السنة الأولى، فكيف قبلها الراهب بحيرة الذي “علّم” محمداً كيف يؤلف كتاباً أعجز بلغاء العرب وفصحاءهم! ويقول إن هذه العبارات هي تفسير للحروف المقطعة!!!

وهو يتحدى علماء المسلمين أن يفسروا هذه الحروف بطريقة أخرى غير الطريقة التي فسر بها هذه الحروف!!! وقبل أن نقدم التفسير العلمي لهذه الحروف نقدم له بعض العبارات من حساب الجمل (ونؤكد بأن هذا الحساب غير صحيح)، والتي تأتي قيمتها العددية مساوية للقيمة العددية للحروف المقطعة.

فإذا ما اتبعنا نفس منهجه ولجانا لهذا الحساب، فإننا نقدم له عبارات كثيرة أقوى من عبارته وأكثر تعقيداً وإحكاماً. ففي الإنجيل الصحيح ورد على لسان سيدنا المسيح عليه السلام البشرى بنبيّ يأتي من بعده اسمه أحمد، يقول تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصف: 6].

فاسم نبينا عليه الصلاة والسلام في الإنجيل الحقيقي هو أحمد، وهو رسول الله. فلماذا لا يكون معنى حروف (الم) هو تأكيد لنبوة أحمد وأنه رسول الله؟؟ وقد يُفاجأ صاحبنا إذا قلنا له إن عبارة: (أحمد هو رسول الله) هذه العبارة تساوي في حساب الجمل 426 نفس قيمة حروف (الم) المكررة ست مرات؟

بل إن هذه العبارة تحتوي توافقات أكثر من العبارة التي جاء بها، فإذا قمنا بعدّ حروف الألف واللام والميم في عبارة (أحمد هو رسول الله) نجد 6 حروف، بعدد السور التي بدأت بـ (الم)!! وإذا قمنا بعدّ حروف عبارة (أحمد هو رسول الله) نجدها 14 حرفاً بعدد الحروف المقطعة الأربعة عشر! وبالرغم من أن هذه التوافقات في هذه العبارة أقوى من التوافق الوحيد الذي جاء به، إلا أننا لا ندعي أن هذه التوافقات فيها إعجاز.

وسؤالنا له: لماذا تعتبر أن تفسير (الم) هو (يسوع المسيح هو ابن الإله)، ولا تريدنا أن نعتبر أن تفسير هذه الحروف هو (أحمد هو رسول الله)، مع العلم أن كلتا العبارتين في حساب الجمّل تساوي 426؟؟

ثم يتابع صديقنا أحلامه الرقمية ويقول: إن (الر) تساوي في حساب الجمل 231 وهي نفس القيمة العددية لعبارة (والآب والابن هما إله واحد) التي تساوي 231 أيضاً. وأقول له: لماذا لا تكون حروف (الر) دليلاً على وحدانية الله الأحد الصمد؟ لماذا لا يكون معناها هو (الله الصمد) خصوصاً إذا علمنا أن حروف هذه الآية تساوي في حساب الجمّل 231 أي نفس القيمة العددية لـ (الر)؟؟

ولو اتسع البحث لقدمنا له مئات الأمثلة المحبوكة حبكاً جيداً أكثر بكثير من العبارات التي ساقها والتي يتضح أنه لم يتم بذل جهد كبير في اختيارها، ولكن هذا الكلام غير العلمي لا فائدة من الإكثار منه. وهنا نخلص إلى أن هذا التفسير الذي يدّعونه لا أساس له من الصحة أبداً، وهو تفسير غير علمي أو منطقي. وهذه الطرق لا يمكن وضعها في ميزان البحث العلمي الحديث، لأن قيم الحروف وفق حساب الجمّل هو من صنع البشر واصطلاحاتهم ويختلف من شعب لآخر، لذلك على كل من يعتقد بهذا التفسير غير العلمي لهذه الحروف أن يثبت لنا صدق ادعائه، ولا يكفي أن يسوق لنا بعض العبارات لمجرد أنها تساوت قيمتها العددية مع القيمة العددية لهذه الحروف، ونقول لهؤلاء كما قال الله تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: 111].

وهيهات أن يأتوا بهذا الدليل، لسبب بسيط وهو أن هذا التفسير غير صحيح على الإطلاق، وسوف نرى التفسير المنطقي والعلمي والذي لن يتمكن أحد من معارضته لأننا سنستخدم لغة البحث العلمي الحديث، والأرقام التي سنشاهدها والتناسقات المذهلة التي سنلمسها جئنا بها من القرآن ذاته وليس من حسابات اصطلح عليها البشر وهي تختلف من حضارة لأخرى. وأن هذه التناسقات السباعية لهي دليل علمي على أن الله تعالى هو من وضع هذه الحروف وهو من أحكم توزعها وتكرارها في آيات كتابه، لتكون برهاناً مادياً في هذا العصر على حفظ القرآن وأنه كتاب معجز، وما النظام الرقمي المحكم الذي سنعيش معه الآن إلا أحد معجزات القرآن الذي لا تنقضي عجائبه ولا نهاية لمعجزاته.

هل حساب الجُمل صحيح؟

من خلال تجربتي وخبرتي بالإعجاز الرقمي لا أظن بأن حساب الجُمّل صحيح، ولا أعتقد أبداً بأن الله تعالى عندما نزّل أعظم كتاب على وجه الأرض وهو القرآن، لا أظن أن هذا الإله العظيم قد رتّب حروف وكلمات كتابه على حساب الجمّل، بل إن قدرة الله أكبر وأعظم بكثير. ونحن نعلم بأن حساب الجمل هو من أبسط أنواع الحساب البدائية جداً، لذلك لا يمكن أن تكون المعجزة الرقمية التي تتحدى أكبر علماء الرياضيات في عصرنا هذا قائمة على مثل هذا الحساب.

إن حساب الجمل لم يقدم إلى الآن أية نتائج إعجازية، وكل ما نراه من أبحاث في هذا المجال ما هو إلا مجموعة مصادفات يمكن أن تحدث مع أي حساب آخر. ومع أننا نرى بعض النتائج والتوافقات التي يقدمها بعض الباحثين الإسلاميين وفق هذا الحساب، إلا أنني لم أجد فيها ما يمكن تسميته “معجزة”! لذلك فالأسلم أن نبتعد عن إقحام مثل هذه الحسابات في كتاب الله تعالى.

وسوف نرى من خلال معجزة هذه الحروف وبنائها الرقمي المحكم مدى التعقيد والإبداع الإلهي والذي لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله. سوف نرى نسيجاً رائعاً من التناسقات العددية القائمة على الرقم سبعة ومضاعفاته وفق منهج علمي ورياضي محكم.

إشارات لوجود علاقة بين الرقم سبعة وهذه الحروف

إن أول شيء لاحظه المفسرون رحمهم الله تعالى في هذه الحروف أن عددها هو أربعة عشر حرفاً، وعدد الافتتاحيات المشكلة منها هو أيضاً أربعة عشر افتتاحية، طبعاً عدا المكرر منها. والشيء الذي لفت انتباهي هو هذا الرقم أي 14، وتوقعت أن يكون فيه مفتاح الحل للغز هذه الحروف بسبب تكراره مرتين أي مرة مع الحروف المقطعة ومرة مع الافتتاحيات في أوائل السور.

إن العدد 14 يمكن تحليله رياضياً إلى رقمين 7 و 2 ، بكلمة أخرى إن العدد 14 هو حاصل ضرب سبعة في اثنان، ويمكن كتابة المعادلة الآتية: 14 = 7 × 2  ولكن ماذا يعني ذلك؟

قبل البدء باستعراض بعض دلالات الرقم سبعة نود أن نشير إلى أن تسمية الحروف التي في أوائل السور بالحروف المقطعة هي تسمية غير دقيقة من الناحية العلمية. فنحن نرى مثلاً حروف ألف لام ميم تكتب موصولة هكذا(الم) وليست مقطعة!

وقد يسمي بعضهم هذه الحروف بالحروف النورانية وهذه التسمية أيضاً غير علمية لأنه لا توجد بالمقابل حروف مظلمة! ولذلك وبعد بحث طويل تبين لي بأن أفضل تسمية لهذه الحروف هي “الحروف المميزة”. وذلك لأن الله عز وجل قد ميّزها عن غيرها من الحروف ووضعها في مقدمة ربع سور القرآن تقريباً.

لذلك سوف نعتمد هذا الاسم العلمي لهذه الحروف، وسوف نسمي الافتتاحيات التي بدأت بها بعض السور مثل (الم) و(المص) و(الر) … بالافتتاحيات المميزة، ونسمي هذه السور ذات الفواتح بالسور المميزة أيضاً. ولكن لماذا الرقم سبعة؟

الرقم المميز

لا يخفى على أحد ما للرقم سبعة من أسرار وعجائب، فهذا العدد هو أول عدد ذُكر في القرآن، وهو العدد الأكثر تكراراً في كتاب الله تعالى بعد الرقم واحد، وهو العدد الذي اختاره الله تعالى لكل ذرة من ذرات الكون، فكما نعلم عدد طبقات الذرة هو سبعة. وعدد السماوات سبع وكذلك الأراضين، وكذلك عدد أيام الأسبوع، ومثله كثير.

وحتى الرسول الكريم عليه وآله الصلاة والتسليم، كان يكثر من ذكر هذا الرقم بالذات. فالطواف حول الكعبة هو سبعة أشواط والسعي بين الصفا والمروة مثله، والجمرات التي يُرمى بها إبليس هي سبعة، والسجود يكون على سبعة أعضاء، وووو… ولو ذهبنا نبحث عن دلالات هذا العدد لاحتجنا إلى مجلدات ضخمة.

إذن اختار الله تعالى عدد الحروف المميزة في القرآن لتساوي ضعف الرقم سبعة أي 7×2، ولكن ماذا يعني الرقم 2 أيضاً؟ إن هذا الرقم ببساطة يدل على التكرار والتثنية والمضاعفة، وكأن الله تعالى يريد أن ينبِّهنا إلى معجزة في هذه الحروف تقوم على الرقم سبعة ومكرراته، فجعل عددها سبعة في اثنان.

أي أننا إذا تأملنا بناء هذه الأحرف والطريقة التي انتظمت بها عبر آيات القرآن وأعداد هذه الحروف المميزة في كل كلمة من كلمات القرآن، لا بدّ أن نحصل على تناسقات مع الرقم سبعة ومضاعفاته، أي رياضياً لا بدّ أن نحصل على أعداد تقبل القسمة على الرقم سبعة من دون باق، وهذا ما سوف نراه فعلاً.

لقد بدأتُ منذ سنوات بتأمل هذه الحروف ودراستها من حيث التكرار والتوزع في آيات وسور القرآن فرأيتُ نظاماً بديعاً ومُحكماً، حتى إنني ألّفتُ كتاباً كاملاً بعنوان “أسرار معجزة الم” تناولتُ فيه هذه الحروف الثلاثة بالتفصيل. وقد ثبُت يقيناً وجود معجزة رقمية في هذه الحروف تقوم على الرقم سبعة ومضاعفاته. ولنبدأ بأول حروف مميزة في القرآن وهي (الم).

أول افتتاحية مميزة في القرآن

إن أول افتتاحية مميزة في القرآن هي (الم)، وهي أول آية من سورة البقرة، ويأتي بعدها مباشرة تأكيد من ربّ العزة سبحانه وتعالى أن هذا الكتاب أي القرآن لا ريب فيه أي لا شكّ فيه وأنه هدى للمتقين. يقول عزّ وجلّ: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة: 2].

ولو ذهبنا إلى آخر سورة بدأت بالحروف الثلاثة (الم) لوجدنا سورة السجدة التي استُفتحت بهذه الحروف وجاء بعدها مباشرة في الآية الثانية تأكيد من الله تعالى أن القرآن لا ريب فيه أيضاً وأنه تنزيل من رب العالمين. يقول تعالى: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [السجدة: 2]. أي أن التأكيد هنا يتكرر بأن القرآن لا شكّ فيه.

لقد فكرتُ طويلاً في سرّ هذا التكرار لتأكيد الله تعالى بأن القرآن لا ريب فيه، ولماذا اختار الحق سبحانه هذه الحروف الثلاثة بالذات؟ وبعد بحث طويل خطرت ببالي فكرة وهي أن الله تعالى لم يضع هذه الحروف عبثاً، أو أنها أسماء لله أو أسماء للسور فهذا كله لم يثبت وسبب ذلك ببساطة هو أنه إذا فكر أحد بتغيير هذه الحروف لن يؤثر ذلك على هذا التفسير، أي أن الحروف الجديدة تصلح أسماء للسور أو أسماء لله تعالى.

والمنطق يفرض بأن الله تعالى قد وضع هذه الحروف ليؤكد لنا وجود بناء خاص بها، أي أننا لو استبدلنا هذه الحروف بأخرى سوف يختل هذا البناء! أي أن هذه الحروف فيها معجزة ولا يمكن تحريفها أبداً أو تغييرها أو تبديلها. والسؤال: كيف يمكن التعبير عن هذا البناء المحكم؟ وهل يمكن أن نجد في هذا البناء تناسقاً مع الرقم سبعة؟

لقد اتبعتُ منهجاً علمياً في دراسة هذه الحروف وتوزعها في كلمات الآية، أي بدأتُ بالإجابة عن تساؤل: بما أن الله تعالى قد اختار هذه الحروف الثلاثة ليضعها في مقدمة السورة ووضع بعدها مباشرة الآية التي تؤكد أن القرآن هو كتاب لا ريب فيه، فهل يمكن أن يكون لهذه الحروف بالذات ترتيب معجز يدل فعلاً على أن القرآن لا ريب فيه؟

توزع مذهل للحروف

قمتُ بكتابة هذه الآية كما كُتبت في القرآن وأخرجتُ من كل كلمة ما تحويه من هذه الحروف الثلاثة أي الألف واللام والميم. فكلمة (ذلكَ) تحوي من (الم) حرف اللام أي تحوي حرفاً واحداً من هذه الحروف الثلاثة، وبالتالي تأخذ الرقم 1 . وكلمة (الكتاب) نجدها مكتوبة في كتاب الله تعالى من دون ألف هكذا (الكتب) وتحوي الألف واللام ولذلك تأخذ الرقم 2، أما كلمة (لا) فتحوي ألفاً ولاماً أي 2 وكلمة (ريب) لا تحوي أي حرف من حروف (الم) لذلك تأخذ الرقم صفر. ومثلها كلمة (فيه) التي لا تحوي شيئاً من حروف ألف لام ميم وتأخذ الرقم صفر، وكذلك كلمة (هدى) ليس فيها شيء من (الم) وتأخذ الصفر، أما كلمة (للمتقين) فتحوي لاميْن وميماً أي المجموع ثلاثة وتأخذ الرقم 3.

والآن نكتب الآية الكريمة وتحت كل كلمة عدد ما تحويه من الحروف الثلاثة (الم):

ذَلِكَ   الْكِتَبُ   لا   رَيْبَ   فِيهِ   هُدًى   لِلْمُتَّقِينَ

1      2      2    0     0     0      3

فإذا ما قرأنا العدد كما هو دون جمعه نجده 3000221 أي ثلاثة ملايين ومئتان وواحد وعشرون، هذا العدد له علاقة مباشرة بالرقم سبعة فهو من مضاعفات الرقم سبعة، أي إذا قسمناه على سبعة كان الناتج عدداً صحيحاً لا فواصل فيه، ويمكن أن نتأكد من هذه النتيجة رياضياً بقسمة هذا العدد على سبعة لنحصل على عدد صحيح لا يحوي كسوراً أو فواصل عشريةً:

3000221 ÷ 7 = 428603

إذن العدد الذي يمثل توزع حروف (الم) في كلمات أول آية بعد (الم) هو عدد من مضاعفات الرقم سبعة. ولكن ماذا عن آخر (الم) وهل من الممكن أن تتكرر هنا العلاقة الرياضية ذاتها؟

لنكتب الآية التي تلي (الم) من سورة السجدة وتحت كل كلمة عدد حروف الألف واللام والميم فيها تماماً كما فعلنا مع الآية السابقة، مع ملاحظة أن كلمة (الكتاب) هنا أيضاً كُتبت من دون ألف (الكتب)، وكذلك كلمة (العالمين) كتبت من دون ألف هكذا (العلمين) وهذا لحكمة سوف نكتشف جزءاً منها. الآن نكتب الآية لنرى كيف تتوزع حروف (الم) في كلماتها:

تَنْزِيلُ    الْكِتَبِ    لَا    رَيْبَ    فِيهِ    مِنْ    رَبِّ   الْعَلَمِينَ

1          2      2      0      0     1      0      4

 

و هنا نجد العدد 40100221 والذي يمثل توزع حروف الألف واللام والميم من مضاعفات السبعة:

40100221 ÷ 7 = 5728603

وهنا نقول إن هذا التوزع السباعي الدقيق لم يأت عن طرق المصادفة لأن المصادفة لا تتكرر بهذا الشكل. والذي يؤكد ذلك هو أن التوزع لا يقتصر على الحروف بل الكلمات لها نظام أيضاً. لنقرأ الفقرة التالية.

توزع مذهل للكلمات

في هاتين الآيتين كلمات تحوي حروفاً من (الم) كما رأينا وكلمات أخرى لا تحوي أي حرف من (الم)، والسؤال: إذا كان توزع حروف (الم) عبر كلمات الآية جاء متناسباً مع الرقم سبعة، فماذا عن الكلمات التي تحوي (الم)؟ وهل تتكرر العلاقة السباعية أيضاً؟

ونقول: كما توزعت حروف (الم) بنظام سباعي كذلك تتوزع كلمات (الم) بنفس النظام. ونكتب الآن كلتا الآيتين السابقتين، ولكن هذه المرة نبحث عن الكلمات التي تحوي حروفاً من (الم) فنعطيها الرقم واحد، أما تلك الكلمات التي لا تحوي أي حرف من حروف الألف واللام والميم فتأخذ الرقم صفر. وهنا نتبع قاعدة رياضية معروفة هي نوع من أنواع النظام الثنائي، والذي يقتصر على الرقمين واحد وصفر.

لنطبق هذه القاعدة على الآية الأولى، فنكتب الآية الكريمة وتحت كل كلمة رقماً يشير إلى وجود أو عدم وجود حروف (الم) في الكلمة:

ذَلِكَ   الْكِتَبُ   لا   رَيْبَ   فِيهِ   هُدًى   لِلْمُتَّقِينَ

1       1     1   0     0       0     1

وهنا نجد العدد الذي يمثل توزع الكلمات التي تحوي حروفاً من (الم) هذا العدد هو 1000111 وهو من مضاعفات الرقم سبعة:

1000111 ÷ 7 = 142873

والعجيب أن النظام ذاته ينطبق على الآية الأخيرة! لنكتب كلمات الآية وتحت كل كلمة رقم يمثل وجود أو عدم وجود (الم) في هذه الكلمة كما فعلنا مع الآية السابقة:

تَنْزِيلُ    الْكِتَبِ    لَا    رَيْبَ    فِيهِ    مِنْ    رَبِّ   الْعَلَمِينَ

1         1       1    0       0     1       0     1

والعدد الذي يمثل توزع الكلمات ذات حروف (الم) هو 10100111 من مضاعفات الرقم سبعة أيضاً:

10100111 ÷ 7 = 1442873

فتأمل أخي القارئ كيف أن حروف (الم) تتوزع بنظام سباعي، وبالمثل الكلمات التي تحوي حروفاً من (الم) تتوزع بنظام سباعي أيضاً. فهل جاء هذا التوزع بالمصادفة؟ وهل يمكن للمصادفة أن تتكرر في القرآن كله في آياته وسوره وكلماته وحروفه؟؟

تناسق معجز!

إن الإعجاز والنظام والتناسق لا يقتصر على الآيات، بل يشمل أيضاً ارتباط هذه الآيات بعضها ببعض، وهذا لكمال وتمام الإعجاز في كتاب الله تعالى. فلو أحصينا عدد حروف الآية الأولى: (ذَلِكَ الْكِتَبُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)نجد 26 حرفاً. ولو عددنا حروف الآية الثانية: (تَنْزِيلُ الْكِتَبِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَلَمِينَ) نجد 29 حرفاً. والعجيب أن هذين الرقمين يتناسبان مع الرقم سبعة، فلو قمنا بوضع هذين الرقمين حسب تسلسلهما وجدنا عدداً هو:

الآية الأولى      الآية الأخيرة

26                  29

والعدد الذي يمثل حروف الآيتين هو 2926 من مضاعفات السبعة:

2926 = 7 × 418

إن هذه النتيجة تؤكد ارتباط حروف الآيات بنظام سباعي، ولكن هذا ليس كل شيء، وهذه النتيجة ليست مصادفة، والسبب هو وجود علاقة مذهلة بين عدد الكلمات التي تحوي حروفاً من (الم) وبين عدد هذه الحروف في الآية.

التوازن العددي بين الكلمات والحروف

لو عددنا الكلمات التي تحوي (الم) في الآية الأولى أي في قوله تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَبُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) وجدنا 4 كلمات تحوي حروفاً من (الم)، ولو عددنا حروف الألف واللام والميم في الآية لوجدنا 8 أحرف أي الضعف، والمذهل وجود تناسق عددي يربط بين الكلمات والحروف:

عدد الكلمات التي تحوي (الم)     عدد حروف (الم) في الآية

4                                           8

والعدد الناتج من صف الرقمين 4 و 8  أي العدد الذي يمثل الكلمات والحروف هو 84 من مضاعفات السبعة:

84 ÷ 7 = 12 (لاحظ أن العدد 12 هو مجموع الكلمات والحروف 4+8)

الآن نذهب للآية الأخيرة (تَنْزِيلُ الْكِتَبِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَلَمِينَ) ونطبق الخطوات ذاتها ونحصي الكلمات التي احتوت على أحد حروف (الم) لنجد عددها 5 ولكن عدد حروف الألف واللام والميم في هذه الآية يساوي 10 أي الضعف أيضاً!! تماماً كما في الآية الأولى. ويبقى هنا التناسق السباعي ليربط بين الكلمات والحروف:

عدد الكلمات التي تحوي (الم)     عدد حروف (الم) في الآية

5                                    10

وهنا من جديد نجد العدد الذي يمثل الكلمات والحروف هو 105 من مضاعفات السبعة أيضاً:

105 ÷ 7 = 15 (ولاحظ هنا أيضاً العدد 15 هو مجموع الكلمات والحروف 5+10)

حتى ناتجي القسمة أي العدد 12 والعدد 15 نجد بينهما تناسق سباعي محكم، فعند صف هذين العددين 12-15 نجد عدداً جديداً هو 1512 وهذا من مضاعفات السبعة أيضاً:

1512 ÷ 7 = 216

ولكن العجيب أن العدد النهائي الناتج لدينا وهو 216 يتناسب بشكل مذهل مع عدد السور التي تبدأ بـ (الم) وهو 6 فالعدد 216 يساوي ستة في ستة في ستة:

216 = 6 × 6 × 6

وهنا ندرك أن كل عدد في القرآن قد وضعه الله تعالى بدقة فائقة وبتناسب مبهر ليدلنا على إعجاز القرآن، ليس بلغته وبلاغته وعلومه فحسب، بل بأرقامه وأعداده أيضاً.

رسم معجز

إن المعجزة القرآنية الرقمية تشمل أيضاً طريقة رسم كلماته وحروفه. وتأمل أخي القارئ كيف أن الله بعلمه وحكمته قد ألهم المسلمين أن يكتبوا كلمة (كتاب) في الآيتين السابقتين من دون ألف هكذا (كتب)، مع العلم أنه في بعض المواضع لم تحذف هذه الألف! وتأمل معي لو أن أحداً فكر بإضافة حرف الألف لهذه الكلمة فهل سيبقى من هذا التناسق شيء؟ أليس هذا دليلاً على حفظ الله لكتابه؟ يقول تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحِجر: 9].

تكرار مذهل للحروف

ولو سرنا عبر آيات وكلمات وسور القرآن لرأينا نظاماً بديعاً يشهد على عظمة منزل القرآن سبحانه وتعالى. ويكفي أن نعلم بأن حروف الألف واللام والميم تتكرر في أول آية من القرآن بنظام عجيب وفريد. فلو قمنا بعد حروف الألف واللام والميم في (بسم الله الرحمن الرحيم)، لوجدنا حرف الألف يتكرر ثلاث مرات في هذه الآية، أما حرف اللام فقد تكرر أربع مرات كما نرى، وحرف الميم تكرر ثلاث مرات. لنكتب هذه التكرارات من جديد ونرى التناسق المذهل مع الرقم سبعة:

الألف    اللام      الميم

3        4        3

والعدد الناتج لدينا هنا والذي يمثل تكرار حروف (الم) في هذه الآية الكريمة هو 343 ثلاث مئة وثلاثة وأربعون، العجيب أن هذا العدد الذي يمثل تكرار حروف (الم) يقبل القسمة على سبعة ثلاث مرات متتالية:

343 ÷ 7 = 49

49 ÷ 7 = 7

7 ÷ 7 = 1

والناتج النهائي من سلسلة عمليات القسمة على سبعة هو 1 ورقم هذه الآية هو 1 وهي في السورة رقم 1 ، أليست هذه النتيجة دليلاً على وحدانية الله تعالى؟؟؟ ولكن السؤال: لماذا تكررت (الم) ست مرات في القرآن؟ ولماذا اختار الله سوراً محددة ليبدأها بهذه الحروف؟

تسلسل الحروف المميزة في القرآن الكريم

لنكتب السور التي تبدأ بحروف مميزة حسب تسلسلها في كتاب الله تعالى مع الحروف التي تبدأ بها كل سورة ونميز منها حروف (الم):

1- سورة البقرة (الم)

2- سورة آل عمران (الم)

3- سورة الأعراف (المص)

4- سورة يونس (الر)

5- سورة هود (الر)

6- سورة يوسف (الر)

7- سورة الرعد (المر)

8- سورة إبراهيم (الر)

9- سورة الحِجر (الر)

10- سورة مريم (كهيعص)

11- سورة طه (طه)

12- سورة الشعراء (طسم)

13- سورة النمل (طس)

14- سورة القصص (طسم)

15- سورة العنكبوت (الم)

16- سورة الروم (الم)

17- سورة لقمان (الم)

18- سورة السجدة (الم)

19- سورة يس (يس)

20- سورة ص (ص)

21- سورة غافر (حم)

22- سورة فُصّلت (حم)

23- سورة الشورى (حم عسق)

24- سورة الزخرف (حم)

25- سورة الدخان (حم)

26- سورة الجاثية (حم)

27- سورة الأحقاف (حم)

28- سورة ق (ق)

29- سورة القلم (ن)

ترتيب مذهل للسور المميزة ذوات الحروف (الم)

كما قلنا في القرآن الكريم ست سور جميعها تبدأ بالحروف (الم)، فهل من بناء سباعي محكم؟ لقد اختار الله تبارك وتعالى بعلمه وقدرته ترتيباً معجزاً لسور القرآن وخصوصاً السور التي تبدأ بحروف مميزة. وبما أننا نعيش الآن في رحاب (الم) لذلك سوف نتساءل:

ما هي الحكمة من تكرار (الم) ست مرات في ست سور؟ ولماذا جاء عدد آيات هذه السور وفق ما نراه أي سور طويلة مثل البقرة، وسور قصيرة مثل السجدة؟ ولماذا جاء ترتيب هذه السور الستة بهذا الشكل؟ أي أربع سور نزلت بمكة وهي العنكبوت والروم ولقمان والسجدة، وسورتان نزلتا بالمدينة البقرة وآل عمران. ولماذا وُضعت سورتا البقرة وآل عمران في مقدمة المصحف مع العلم أنهما نزلتا بعد السور الأربعة المكية بسنوات؟

إن صاحبنا بتفسيره البدائي جداً لم يقدم أية إجابة عن هذه التساؤلات، وهيهات أن يجد إجابة عن ذلك. فحساب الجُمَّل الذي بنى عليه عقيدته وقناعته لن يسعفه في مثل هذه الحال، وذلك لأن هذا الحساب يصلح للحروف فقط. ونحن هنا أمام سور تتكرر وتتوضع في أماكن محددة من القرآن وبعدد آيات محدد لكل منها، ولذلك سوف نقدم الإجابات العلمية والرياضية والتي لا تقبل الجدل من خلال هذه الحقائق الرقمية والتناسقات السباعية المحكمة.

الحقيقة الأولى

لماذا تأخذ آية (الم) الرقم واحد في كل السور الستة التي تكررت فيها؟ والسبب هو وجود تناسق سباعي لتكرار هذا الرقم. فلو قمنا بصف أرقام الآيات التي وردت فيها (الم) نجد العدد 111111 وهذا العدد من مضاعفات السبعة:

111111 = 7 × 15873

الحقيقة الثانية

لقد وضع الله تعالى السور الستة في ترتيب محدّد بين السور التي تبدأ بحروف مقطعة، فعدد السور ذوات الفواتح هو 29 سورة، ولو رقمنا هذه السور بأرقام متسلسلة فإننا سنجد أن السور التي تبدأ بـ (الم) ترتيبها كما يلي:

البقرة   آل عمران   العنكبوت    الروم   لقمان    السجدة

1          2           15         16    17      18

لماذا هذه الأرقام بالذات؟ الجواب لأنها تحقق تناسقاً مذهلاً مع الرقم سبعة، فإذا قرأنا العدد الناتج وهو 1817161521 نجده من مضاعفات الرقم سبعة ثلاث مرات متتالية!!! لنتأكد من ذلك رقمياً:

1817161521 = 7 × 7 × 7 × 5297847

حتى العدد الناتج بعد ثلاث عمليات قسمة على سبعة وهو 5297847 عدد يتألف من سبع مراتب! ومجموع أرقامه عدد من مضاعفات السبعة:

7 + 4 + 8 + 7 + 9 + 2 + 5 = 42

42 ÷ 7 = 6

ولاحظ أخي القارئ أن العدد النهائي الناتج من سلسلة العمليات هذه هو 6 لماذا؟ وعدد سور (الم) هو ست سور، فتأمل هذا التناسق المبهر!

الحقيقة الثالثة

لو دققنا النظر في هذه السور نجد منها سورتين مدنيتين أي نزلتا على الرسول الكريم في المدينة المنورة بعد الهجرة وهما البقرة وآل عمران، وأرقامهما كما رأينا هو 1 و 2 بين السور ذات الفواتح، والعجيب أننا إذا وضعنا أرقام هاتين السورتين حسب تسلسلهما في القرآن نجد العدد 21 من مضاعفات السبعة! 21 = 7 × 3

ولكن ماذا عن بقية السور؟ نجد أن السور الأربعة الباقية نزلت بمكة وجاء ترتيب تسلسلها بين السور المميزة ذات الفواتح هو: 15   16  17  18  والعجيب أيضاً أن العدد الناتج يقبل القسمة على سبعة:

18171615 = 7 × 2595945

إذن جاء ترتيب السور المدنية بتناسق مع الرقم سبعة، وكذلك جاء ترتيب السور المكية بتناسق مع الرقم سبعة. ليس هذا فحسب بل هنالك تناسب سباعي لعدد السور المدنية وعدد السور المكية. فلو تتبعنا ترتيب المصحف نجد أن سور (الم) وضعت في مجموعتين المجموعة الأولى سورتان متتاليتان هما البقرة وآل عمران، والمجموعة الثانية أربع سور متتالية هي العنكبوت والروم ولقمان والسجدة.

ولذلك يمكن أن نكتب هذين العددين كما يلي:

عدد سور المجموعة الأولى       عدد سور المجموعة الثانية

2                                         4

والعدد الجديد الناتج من صف هذين الرقمين هو 42 من مضاعفات السبعة:

42 ÷ 7 = 6

لاحظ أن الناتج النهائي هو 6 بعدد السور الستة!!!

الحقيقة الرابعة

والآن نأتي إلى عدد آيات كل سورة، وهل من نظام محكم لأعداد هذه الآيات؟ لنكتب السور الستة التي تبدأ بـ (الم) وتحت كل سورة عدد آياتها:

البقرة   آل عمران   العنكبوت    الروم   لقمان    السجدة

286      200       69        60      34      30

العجيب جداً أن العدد الناتج هنا والذي يمثل أعداد آيات كل سورة هو عدد يتألف من 14 مرتبة بعدد الحروف المميزة! وهذا العدد هو 30346069200286 من مضاعفات السبعة:

30346069200286 = 7 × 4335152742898

ولو قمنا بجمع أعداد الآيات هذه لوجدنا عدداً من مضاعفات السبعة:

286 + 200 + 69 + 60 + 34 + 30 = 679 = 7 × 97

ولو قمنا بجمع الأرقام فقط نجد عدداً هو سبعة في سبعة:

6 + 8 + 2 + 0 + 0 + 2 + 9 + 6  + 0 + 6 + 4 + 3 + 0 + 3 =

= 49 = 7 × 7

وتأمل عزيزي القارئ كيف انتهت عمليات القسمة المعقدة على سبعة بالنتيجة النهائية 7×7 أليس هذا التناسق يقدم لنا تفسيراً منطقياً لسر وجود هذه الحروف وأن البشر عاجزون عن تركيب جمل تأتي حروفها وأعدادها وتسلسلها وفق هذا التناسق المذهل!!؟

وماذا بعد…

لقد رأينا في المعادلات السابقة أكثر من عشرين عملية قسمة على سبعة ترتيب سور (الم) وأول مرة وآخر مرة وردت فيها هذه الحروف، وأننا لو تابعنا الدراسة والبحث وفق هذا المنهج لرأينا آلاف التناسقات العددية مع الرقم سبعة ومضاعفاته بشكل يثبت معجزة هذه الحروف.

وسؤالي لصديقي الذي أعلن اعتناقه للمسيحية عن قناعة: هل كان الراهب بحيرة عالماً بالسلاسل والأنظمة الرقمية وعمليات العدّ والإحصاء؟ وهل كان لديه حاسبات إلكترونية لمعالجة مثل هذه الأعداد الضخمة؟ أم أن الله تعالى هو من وضع هذه الحروف ونظمها بنظام رقمي بديع؟

إن هذه النتائج تؤكد أنه لو نقص حرف أو زاد في كتاب الله تعالى، ولو أن سورة واحدة تغير ترتيبها أو عدد آياتها، فهل يبقى من هذا البناء شيء؟ إذن أليست هذه الحروف دليلاً مادياً في عصر المادة الذي نعيشه اليوم على أن الله تعالى قد حفظ كتابه القرآن من التحريف؟؟

وأي التفسيرين أحق أن يُتّبع ذلك التفسير الذي لا يقوم على أي أساس علمي، وهو يصلح لتفسير أية حروف، أم هذا التفسير القائم على أسس رياضية متينة وسلاسل رقمية ثابتة وتناسقات سباعية تشهد على أن الذي وضع هذه الحروف هو رب السماوات السبع سبحانه وتعالى؟

والآن نأتي للإجابة عن التساؤلات المتعلقة بهذه الحروف على ضوء ما رأيناه من حقائق رقمية:

ما هو الهدف من وجود هذه الحروف في أوائل السور؟

يمكن القول بأن الحكمة من وجود هذه الحروف هو وجود معجزة فيها، ومهمة هذه المعجزة أن تقدم الدليل المادي على أن القرآن كتاب من عند الله، وليس كما يدعي المبطلون أنه قول بشر. لأن البشر عاجزون عن تأليف كتاب وتنظيم كل حرف من حروفه بنظام رقمي لأن ذلك سيخل بالجانب البلاغي للكتاب، أما كتاب الله فهو محكم لغوياً ورقمياً.

كذلك هنالك مهمة أخرى لهذه الحروف وهي إثبات استحالة الإتيان بمثل القرآن، فمهما بلغ البشر من العلم لن يستطيعوا تأليف جمل يتحكّمون فيها بتوزع وتكرار حروف معينة داخل الكلمات وبحيث تتشكل دائماً سلاسل رقمية تقبل القسمة على سبعة، وبالتالي هذه الحروف فيها ردّ على كل من يدعي أنه استطاع أن يأتي بسورة مثل القرآن.

هنالك هدف ثالث وهو إثبات أن القرآن لم يُحرّف، لأنه لو تغيرت كلمات القرآن أو بعض حروفه أو ترتيب سوره لاختل التناسق السباعي لهذه الحروف، ولم نعد نرى هذه المعادلات المحكمة.

لماذا تكررت بعض الحروف ومنها لم يتكرر؟

والجواب أن الله قد كرّر بعض الحروف من أجل مزيد من التناسقات والعجائب ولمزيد من المعجزات، وكما رأينا كيف تكررت (الم) 6 مرات، وكيف جاء التناسق السباعي للسور الستة وترتيبها وعدد آيات كل منها، وكل ذلك في إطار معجزة رقمية لتثبت للناس جميعاً عَظَمَة هذا القرآن في عصر التكنولوجيا الرقمية الذي نعيشه اليوم، وفي عصر الهجوم المعلن على القرآن.

ولذلك نقول إن شاء الله ستكون هذه الحروف سبباً في إيمان غير المسلمين والذين لديهم شيء من الإنصاف والعدل، ولن تكون هذه الحروف أبداً وسيلة للتشكيك بالقرآن وارتداد المسلمين عن دينهم، بل هذه الحروف هي وسيلة لتثبيت المؤمنين على الحق، وإدراكهم عظمة القرآن بل واعتزازهم بهذا الدين الحنيف.

وهل هذا كل شيء؟

هذا مثال واحد فقط اخترته من بين آلاف الأمثلة، فقد وزع الله تعالى بحكمته هذه الحروف المميزة على كلمات القرآن بنظام مذهل ومعجز، وجميع الحروف المميزة لها نظام سباعي ولا يقتصر النظام على (الم)، ولو كان البحث يتسع لسردنا مئات الحقائق الرقمية المتعلقة بهذه الحروف مثل (يس) و(ن) وغيرها من الحروف.

ولمزيد من الاطلاع على أسرار هذه الحروف ندعوك أخي القارئ لقراءة كتاب “أسرار معجزة الم” والذي تجده متوفراً على هذا الموقع. هذا الكتاب يضم العديد من الأمثلة المذهلة حول ترتيب وتكرار وتوزيع الحروف المميزة في القرآن الكريم. ولمزيد من التوسع في إعجاز الرقم سبعة والتناسقات السباعية في حروف وكلمات وآيات القرآن العظيم ندعوك أخي القارئ لقراءة موسوعة الإعجاز الرقمي، والتي تضم مئات الحقائق الرقمية الثابتة في كتاب الله تعالى.

وأخيراً

نتوجه بسؤال لكل من يظن بأن القرآن هو كلام الرهبان والقسيسين أو كلام بشر ونسي أو تناسى المعجزات العلمية الغزيرة للقرآن:

كيف استطاع هؤلاء الرهبان في ذلك الزمن التنبؤ بأن الكون يتوسع: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات: 47]. وكيف استطاعوا في ذلك الزمن أن يتحدثوا عن الثقوب السوداء التي لا تُرى وتكنس السماء كنساً: (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) [التكوير: 15-16]. وكيف علموا بوجود ظلمات وأمواج داخلية في البحر اللجي العميق: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) [النور: 40]. كيف علموا بوجود أوتاد للجبال؟ (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) [النبأ: 7].

بل كيف استطاعوا أن يتحدثوا عن البنية النسيجية المحبوكة للكون: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات: 7]. وهذه البنية لم تكتشف إلا حديثاً جداً. وكيف علموا بأن الكون كله بناء محكم: (وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) [البقرة: 22]. ولو ذهبنا نعدد معجزات القرآن العلمية فقط لاحتجنا لمئات الصفحات! فقد تحدث القرآن عن النجوم والكواكب والمشارق والمغارب والقمر المنير والشمس المضيئة ومنازل القمر وأصل الكون والنجوم النيوترونية.

كما تحدث القرآن عن السحاب والمطر وتشكل الغيوم والرعد والبرق وآلية تشكل البرَد، وتناول كذلك علم البيئة والتوازن البيئي والنباتي على الأرض، وتحدث عن مراحل تشكل النبات واهتزاز الأرض بعد اختلاط ترابها بالماء. تحدث كتاب الله تعالى عن البرزخ بين البحرين وعن البراكين في أعماق المحيطات، وتحدث عن علم الذرة وعلم الهندسة الوراثية وعلم الأجنة. وتناول القرآن الكثير من الحقائق العلمية في علوم الطب والفضاء والجبال والبحار وعلم الغذاء والهندسة الزراعية والتوازن العددي والتناسق البياني والبلاغي.

كما تحدث عن الكثير من الحقائق الغيبية والتشريعية، وتحدث عن علم الاقتصاد وعلم النفس والتربية، ونبأنا القرآن عن السابقين وعن المستقبل، وتحدث عن يوم القيامة بالتفصيل وكأننا نراه أمامنا. وتحدث عن أصحاب الجنة وأصحاب النار. وتحدث عن صفات الله تعالى وقدرته وعلمه ورحمته وحكمته. وجاء القرآن بحقائق لا يمكن إحصاؤها في كل المجالات وفي كل ما يتعلق بالدنيا والآخرة.

كل هذه الحقائق حدثنا عنها القرآن قبل أن يكتشفها العلم بقرون طويلة، فمَن الذي وضع هذه الحقائق العلمية المذهلة؟ أهو بحيرة؟ أم هو ربّ بحيرة ورب البشر جميعاً؟ وتأمل معي البيان الإلهي وكيف حدثنا عن عقيدة هؤلاء وكيف ردّ عليهم القرآن: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [يونس: 36-38].

وهنا نتذكر حديث القرآن عن هؤلاء وأقوالهم بأن القرآن هو كلام كاهن، يقول تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الحاقة: 38-43]. ولذلك على كل من يدعي بأن هذا القرآن هو من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم أو أقوال الشعراء أو هو من تأليف الكهنة والقسيسين، فعليه أن يأتي بالدليل والبرهان العلمي على ذلك، بكلمة أخرى عليه أن يأتي بمثل هذا القرآن.

ونتوقف قليلاً عند قوله تعالى عن القرآن: (وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ) ونوجه لهم سؤالاً: هل هذه العبارة من تأليف الكاهن ورقة بن نوفل؟ أم الكاهن بحيرة؟ وهل يُعقل أن يقوم الكاهن بوضع القرآن ثم يقول هذا الكاهن لمحمد صلى الله عليه وسلم: أخبر قومك بأن هذا القرآن ليس بكلام كاهن؟!

إذن لماذا يتخفى هذا الكاهن وراء الأقنعة؟ وماذا استفاد من ذلك؟ ونحن نعلم أن عظماء التاريخ وأرباب الشعر والبلاغة والعلم قد خلدوا ذكرهم وافتخروا بما قدموا لأممهم، فلماذا يقدم الراهب بحيرة كل هذه البلاغة التي خضعت لها رقاب العرب، ولم يستطيعوا معارضتها على الرغم من كفرهم ومحاربتهم لمحمد وقومه، لماذا يقدم هذا الكاهن كل هذه العلوم وكل هذه البلاغة لمحمد صلى الله عليه وسلم ثم يقول: إن هذا القرآن ليس بقول كاهن؟

والآن لنتوقف مع آية ردّ الله بها على هؤلاء المشككين بصدق القرآن وعلى كل من يدعي بأن القرآن ليس كتاب الله: (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) [الطور: 33-34]. إذن المنطق العلمي يقضي بأن أي كلام بشري يمكن تقليده والإتيان بمثله أو ما يشابهه. ولا نعرف أحداً على مر العصور ادعى بأن كلامه لا يمكن الإتيان بمثله.

ولو صدف أن جاء أديب أو شاعر وتحدّى الناس أن يأتوا بمثل كلامه، فإن هذا التحدي لن يصمد إلا عدة أيام حتى يأتيه من يقلده بل ويأتي بأفضل من كلامه، وهو في هذه الحالة لن يستطيع أن يثبت للناس أن كلامه يختلف أو أفضل من كلام غيره. ولكن الله تعالى تحدّى الإنس والجن أن يأتوا بمثل سورة من القرآن ووضع البراهين المادية المقنعة على ذلك. وقد يكون هذا العلم الجديد أي الإعجاز الرقمي في القرآن هو أفضل وسيلة في عصر التكنولوجيا الرقمية لإثبات استحالة الإتيان بمثل القرآن أو حتى بمثل سورة منه.

ومع ذلك فقد ظهرت حديثاً محاولات لتقليد القرآن والإتيان بمثله!! ومنهم من يزعم أنه استطاع تجاوز التحدي الإلهي وأتى بسورة تشبه سور القرآن!! وفي هذا البحث إثبات لاستحالة الإتيان بمثل آية من القرآن، وأن هذه المحاولات لم تأت إلا بكلام عادي لا يمكن مقارنته بكلام القرآن الكريم.

ندعو البارئ عز وجلّ أن يكون هذا البحث وسيلة لكل من يشك بالقرآن يرى من خلالها صدق كتاب الله تعالى وصدق رسالة الإسلام، وأن يجعلنا من الذين يرون آيات الله ومعجزاته فيعرفونها ويزدادون بها إيماناً، يقول تعالى:

وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون

ــــــــــــ

بقلم عبد الدائم الكحيل

تحميل كتب الإعجاز العلمي

صفحتنا الجديدة على فيس بوك