فشلت جميع المنظمات في إيجاد علاج للانتحار.. وفشل علماء الدنيا في منح الأمل لليائسين.. فما هو الحل؟ دعونا نطلع على المرض والعلاج…. |
تقرير الأمم المتحدة يعتبر صادماً لكل من يطلع عليه، حيث يؤكد الخبراء أن 800000 شخص ينتحرون كل عام على مستوى العالم.. ومعظمهم في الدول المتقدمة والغنية. والسؤال: ما الذي يدفع الناس وبخاصة الشباب من الذكور لاتخاذ قرار التخلص من هذه الحياة؟
نؤكد أن المشكلة ليست مادية أو مرضية أو وراثية.. بل هي مشكلة عقيدة! فالإنسان عندما يفقد الأمل من الله تعالى، وليس لديه اعتقاد بالآخرة.. تتكالب عليه الهموم واليأس والإحباط.. والنتيجة أننا نجد على مستوى العالم محاولة انتحار كل 40 ثانية حسب إحصائيات الأمم المتحدة.
ولذلك هناك آية عظيمة في القرآن الكريم تؤكد أن اليأس يساوي الكفر!! يقول تعالى: (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87]. وربما ندرك لماذا اعتبر القرآن أن اليأس من الله تعالى هو كفر بالله!
يقول الباحثون حسب هذا التقرير الصادر مؤخراً (حسب موقع CNN بتاريخ 5/12/2014) عن الأمم المتحدة: هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها المنظمة الدولية تقريرا كهذا، إذ قامت بتحليل بيانات أشخاص أقدموا على الانتحار من 172 دولة لمدة عشر سنوات.
حول هذه الظاهرة، قالت المنظمة العالمية إن الانتحار هو مشكلة صحية ونفسية لا علاج لها، وأكدت عجز الهيئات الصحية العالمية عن مناقشتها وإيجاد حل لها، مؤكدة ضرورة خفض الانتحار حول العالم بنسبة 10 في المائة بحلول عام 2020.
من أبرز ما ورد في التقرير ارتفاع نسبة الانتحار بين الذكور مقارنة بالإناث، كما أنها ترتفع في الدول الغنية أكثر من الدول الفقيرة. وذكر التقرير أن استخدام المبيدات الحشرية هو الوسيلة الأبرز للانتحار خصوصا في المناطق النائية، لذا تعهدت الحكومات بتطبيق خطط وطنية صارمة لمواجهة هذه الظاهرة، ووقف محاولات الانتحار.
لقد فشل باحثو العالم في إيجاد حل لهذه المشكلة.. ولذلك يأملون أن يخفضوا نسبة الانتحار 10 % فقط!! وحتى هذه النسبة تكاد لا تتحقق لأنهم لم يدركوا جذور المشكلة.
إن الحل الحقيقي هو الاعتقاد بوجود خالق كريم رحيم رازق قادر على كل شيء.. والاعتقاد بوجود اليوم الآخر وأن كل إنسان سيحاسب على أعماله ولو كانت مثقال ذرة!! وأن الإنسان عندما يصبر على هموم الدنيا فإن الجنة بانتظاره..
دعونا الآن نتأمل هذا النص القرآني الرائع والذي يصور لكل إنسان صابر ماذا ينتظره من النعيم والثواب والحياة الخالية من الهموم في الجنة.. قال تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد: 22-24].
فتصور عزيزي القارئ هذه النتيجة، بعد الموت سوف أن الملائكة تدخل عليك من كل باب، وتناديك بكلمة (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ).. ولن يكون هناك مشاكل ولا جوع ولا خوف من المستقبل ولا أمراض ولا تخشى على نفسك أو أهلك من شيء.. لن تخاف من أي شيء لأنك في حماية الملك سبحانه.. لن يكون لديك مشكلة اقتصادية أو حاجة للمال .. لن تحزن على أي شيء.. لأن كل شيء سيكون في خدمتك في الجنة إن شاء الله… ما هو الثمن؟ إنه الإيمان بالله والصبر بالدرجة الأولى!
وتصور معي أن إنساناً ينتظره كل هذا النعيم، هل يمكن أن يكون حزيناً في الدنيا؟ وهل سيفكر في إنهاء حياته، أم أنه سيعمل بجد ونشاط ويسارع في فعل الخيرات ويستغل كل لحظة من حياته في خدمة الآخرين وخدمة أهله وخدمة كتاب ربه، ليلقى الله وهو راضٍ عنه..
قال تعالى: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [العنكبوت: 5-6]. فأجمل لقاء على الإطلاق هو لقاء الله تعالى..
إن أحدنا إذا كان لديه لقاء مع ملك أو رئيس بهدف الحصول على شيء من متاع الدنيا الفانية، فإنه يتهيأ له ويتجهز وينتظره بفارغ الصبر.. فكيف إذا كان اللقاء مع خالق الكون سبحانه وتعالى؟ وكيف إذا كانت نتيجة هذا اللقاء هو جنة عرضها السموات والأرض؟!
إذاً الحل العملي للقضاء على ظاهرة الانتحار نهائياً هو:
أن نساعدهم على اعتناق الإسلام (لأن معظم الذين يقدمون على الانتحار هم من غير المسلمين والأغلبية من الملحدين)، ونساعدهم على التعرف على رحمة الله تعالى.. وكيف أن حياتهم ستتغير وأن الفرح والسرور سيملأ هذه الحياة التي كانت الأحزان تسيطر عليها.. سوف يصبح لهذه الحياة قيمة وأهمية وهدف…
وفي هذه الحالة فإن مثل هذا الشخص اليائس سوف يتحول لمؤمن حقيقي بالله، ويستجيب لهذا النداء فوراً: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29]… ولن يفكر بالتخلص من هذه الدنيا لأنها ستصبح بوابة لدخول الجنة والتمتع بنعيمها…
إن كل آية من آيات القرآن الكريم تمنح الإنسان الأمل والتفاؤل والفرح والسعادة.. مثلاً قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58]. وهذا الفرح والسرور جسده لنا النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم في أصعب مواقف حياته وهو في الغار والمشركين على بعد خطوات منه.. والكل يتربص به ليقتلوه.. ولم يكن معه إلا سيدنا أبو بكر رضي الله عنه.. فماذا قال في هذا الموقف، وكيف عالج هذه الحالة النفسية الصعبة التي كان يمر بها سيدنا أبو بكر الصديق؟
إنها كلمات قليلة ولكن تدل على إيمان عميق.. قال له: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40]… انظروا معي إلى هذا الإيمان المطلق، وهذا الإحساس بوجود الله في كل لحظة… فسيدنا أبو بكر لم يكن خائفاً، بل كان حزيناً أن يصيب رسول الله مكروه أو شر فماذا يصنع بعده!
هذا هو الإيمان الذي ينبغي علينا إيصاله لغير المسلمين لأنهم بحاجة ماسة له، وهذه مسؤولية كل مسلم يستطيع أن يبلغ هذا الدين لغير المسلمين وينشر علوم القرآن لمن يحتاجها.. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين قال في حقهم: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].
والآن دعونا نتأمل هذه الآيات الكريمات التي تبعث الأمل في النفوس وتقضي على أي يأس أو اكتئاب أو حزن أو ضعف: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 154-157].
هذه الآيات ذكرتنا أولاً بأن الموت يجب أن يكون في سبيل الله فقط وليس لأي سبب آخر (يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). ثم ذكرتنا أن الصعوبات الاقتصادية والنفسية والتي يمر بها الإنسان إنما هي بلا ء من الله، وأن الله هو القادر على كشف هذا الضر عن عباده (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ).
ثم يذكرنا بأهمية الصبر وأنه هو العلاج الأمثل (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، ثم أعطانا أساليب عملية لعلاج ظاهرة الانتحار عند الضيق والهم والاكتئاب أن يقول المؤمن (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).. ولكن ما هي نتيجة هذا السلوك الإيجابي: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) أي أن الله سيرحم من يصبر ويسلم أمره إلى الله، بل سيكون من المهتدين (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
إذاً هذا النص هو بحق علاج ناجع لأي إنسان يتعرض لضائقة اجتماعية أو اقتصادية، وبالتالي نجد أن المسلم لا ينتحر أبداً ومهما كانت ظروفه.. وهذه روعة الإسلام أنه يمنحك القوة في أصعب الظروف.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل