» الإعجاز في الطب

الشفاء الذاتي

سوف نتأمل اليوم موضوعاً يهم كل واحد منا..

إنه الشفاء الذاتي..

فما هو الشفاء الذاتي؟

وما هي قدرة الجسد على الشفاء الذاتي وما هي أهمية الثقة بالشفاء؟

ماذا عن الشفاء الذاتي عند الأطفال؟

وهل تؤثر المشاعر والأفكار الإيجابية على أجهزتنا المناعية ؟

وهل صحيح أن كل واحد منا يولد وهو مزود بنوع من بقدرة على الشفاء الذاتي؟

الشفاء الذاتي هو عملية طبيعية تجري في جسم الإنسان والكائنات الأخرى تؤدي للتعافي والعودة للحالة الطبيعية.. وذلك من دون التدخل العلاجي أو الدوائي.. وحقيقة هذا النوع هو من أعقد أنواع الشفاء وأفضلها..

إنه أسلوب طبيعي مجاني آمن وبدون آثار جانبية… ولذلك يسعي العلماء اليوم لتطوير طرق يستطيع الإنسان من خلالها أن يشفي نفسه بنفسه؟

بشكل عام تتجدد كامل خلايا الجسم باستمرار، وتتشكل مليارات الخلايا الجديدة بشكل يومي لتحل مكان الخلايا القديمة… ويحدث كل هذا طبعاً من دون شعور منا.

شفاء جرح

الجروح هي من بين الإصابات التي يستطيع الجسم علاجها ذاتيا، وذلك من خلال خلايا أنسجة خاصة تقوم بتثبيت الجرح… إذ تقوم هذه الأنسجة بضم الجرح وتشكيل أنسجة جديدة.. ويحتاج الجرح لمدة أسبوع كامل ليشفى.

كذلك العظام مزودة بقدرة على الشفاء الذاتي..

شفاء الكسور

حيث يقوم العظم بتشكيل أنسجة جديدة مكان الأنسجة التالفة والمتضررة.. وهكذا يتم الشفاء الذاتي للكسور..

طبعاً الهيكل العظمي يجدد نفسه تماماً.. ويستغرق هيكلنا العظمي لكي يتجدد كليا حوالي عشر سنوات… وخلال عملية التجديد يقوم بإصلاح الكثير من الأضرار التي تعرض لها بسبب تعرض أحد عظامه لكسر أو تهشم.

عضلات

العضلات أيضاً تجدد نفسها.. وكذلك أعضاء الجسم الأخرى مثل الكبد والمعدة والأمعاء وغيرها، جميعها تتجدد.. وتحتاج حوالي ثلاث إلى أربع سنوات لتتجدد، أي استبدال خلاياها القديمة بخلايا جديدة.

إن عملية التجديد تحمي أعضاء الجسد وأجهزته من الاهتراء والتلف.

فيروسات

لا يكتفي الجسم بتجديد نفسه لحمايته من التلف، ولكنه أيضا مسلح جيداً ضد الأمراض المعدية التي تسببها الفيروسات والبكتيريا. وذلك من خلال جهاز المناعة الذي يمتلك أعدادا هائلة من الخلايا المتخصصة لمكافحة الجراثيم المعدية.

والسؤال:

ما هي العوامل التي تحفز عملية الشفاء وكيف أشفي نفسي شفاء ذاتياً؟

إذا فهمنا كيف يتم الشفاء الذاتي ستكون المهمة سهلة على أي واحد منا… لأن العلماء وجدوا مجموعة من العوامل تتدخل بشكل مباشر في الشفاء..

وهي مزيج بين العوامل النفسية والسلوك والاعتقاد وبعض العادات الغذائية والسلوكية مثل النوم الصحيح والغذاء الصحي..

مثلاً التوتر هو أكبر عدو لقوى الشفاء الذاتي. والتوتر يجعل الجسم يفرز هرمون الكورتيزول بكثرة والذي يعمل على إضعاف جهاز المناعة ويسهل الطريق أمام الجراثيم المعدية.

هل الشفاء الذاتي موجود في جيناتنا؟

الشريط الوراثي

يقول العلماء: لعشرات السنين اعتقدنا بأن الجينات هي التي تتحكم بعملية الشفاء في جسم الإنسان.. ولكن تبين أن هذه النظرية غير دقيقة كلياً..

يعتقد بعض العلماء إنه لديك قدرة على تغيير الجينات أو تعديلها نحو الأفضل.. ومن هؤلاء الدكتور أندرو ويل.. الذي ألف عددا من الكتب التي يقدم فيها خلاصة تجاربه في هذا المجال…

صورة الدكتور أندرو ويل مؤلف كتاب الشفاء الذاتي

يقول الدكتور أندرو ويل مؤلف كتاب الشفاء الذاتي وهو من بين أكثر الكتب مبيعاً:

معظم الأطباء الذين أعرفهم لدى كل واحد منهم قصة أو أكثر لإنسان شفي من مرض خطير بشكل ذاتي من دون تدخل طبي..

ومن بين الناس الذين عالجهم الدكتور أندرو ويل شخص مصاب بسرطان الرئة.. وقد يئس الطب من علاجه.. ولم تظهر عليه أية علامات للشفاء.. ولكن الطبيب بعد ستة أشهر قام بفحصه ليكتشف أنه قد شفي تماماً..

ويقول الدكتور أندرو: إنها هذه ظاهرة غريبة ولكنها تحدث بشكل متكرر.. هذه الظاهرة لم تتم دراستها ولم تلق الاهتمام الكافي.

ولكن كيف يمكن الاستفادة من علم الجينات في الشفاء الذاتي؟

الجينات

بعد تطور علم الجينات بشكل مذهل يمكننا القول: إن نظرتك للحياة قد تعيد برمجة الجينات لديك… وهذا ما يسعى إليه الكثير من الباحثين اليوم.

لذلك الإيحاء والتفاؤل والنظرة الإيجابية مهمة جداً في الشفاء.. ومن القواعد المهمة اليوم في ممارسة الطب قاعدة تقول: قدرة الطبيب على الإيحاء للمريض بأنه سيشفى له أثر كبير على الشفاء! إذاً أيضاً الإيحاء له دور إيجابي في تسريع الشفاء.

من صور الشفاء الذاتي ما نجده عند السمندل.. وهو مخلوق عجيب يمتلك قدرات هائلة على تجديد أعضائه.. فالسمندل أحد أهم الكائنات التي تتمتع بقدرة هائلة على التحكم في جيناتها.. فالسمندل يستطيع أن ينمي ذراعاً جديدة خلال أسابيع قليلة فقط عند قطع ذراعه تماماً..

السمندل

تقول عالمة الأحياء Jessica Whited من جامعة هارفارد: إن السمندل يتعافي من قطع أحد أطرافه خلال أسابيع ويقوم بعمل يشبه ما يقوم به الجنين عندما ينمو طرف جديد له.. فهو يستخدم الخلايا الجذعية لتصنيع أطراف جديدة في حال تعرضت للأذى أو القطع.

في جامعة شيكاغو ومن خلال دراسة نشرت عام 2021 يسعى الباحثون لمعرفة الآلية الدقيقة التي يستخدمها السمندل لتجديد أطرافه لتطبيقها على البشر بهدف علاج من بترت أطرافه .. ونشاهد في هذا البحث كيف يقوم السمندل ومن خلال خلايا جذعية محددة وآلية دقيقة بعلاج الجزء المقطوع وترميمه وتصنيع جزء مطابق له تماماً… كما يستطيع السمندل تجديد أجزاء من قلبه ودماغه وغير ذلك من أعضاء الجسم.

من الكائنات التي تمتلك قدرة مذهلة على تحرير وتعديل جيناتها.. الأخطبوط..

صورة البحث

الأخطبوط لديه القدرة على الشفاء الذاتي…. فحسب دراسة منشورة على موقع New Scientist  فإن الأخطبوط لديه القدرة على تعديل جيناته والتحكم بجينات الدماغ..

إن هذه الميزة تمنح الأخطبوط قدرة هائلة على الشفاء حين يتعرض لأي جروح أو ضرر في أرجله .. لأنه يعتمد بشكل كامل على أرجله التي يرى ويشعر ويعالج المعلومات بواسطتها.. ولذلك من الضروري أن يمتلك هذه القدرة الشفائية لضمان استمراره..

قاعدة مهمة في الشفاء الذاتي!

بعض الباحثين المهتمين بهذا النوع من أنواع الشفاء يقول: إذا كنت لا تؤمن بأن الشفاء الذاتي يمكن أن يحدث، فسوف تكون فرصتك لتحقيقه ضعيفة.

الآن ماذا عن الشفاء الذاتي عند الأطفال؟  الأطفال لديهم قدرة هائلة على التشافي ذاتياً.. وبخاصة بعد إجراء عمليات جراحية لهم بشكل أسرع من كبار السن..

جروح طفل

ونلاحظ ذلك من خلال الكسور في العظام التي تلتئم بسرعة لدى الأطفال وكذلك الجروح التي تلتئم بسرعة أكبر عند الأطفال..

فالإنسان مزود بقدرات على الشفاء الذاتي تنشأ معه عندما كان جنيناً في بطن أمه..

قدرة الجنين على الشفاء الذاتي تكون عالية جداً لأن جسده يحتوي على كمية هائلة من الخلايا الجنينية أو الخلايا الجذعية.. وهي من أهم الخلايا التي تستخدم اليوم في الطب الحديث كعلاج ثوري للأمراض المستعصية… وكلما تقدم العمر يفقد الجسم تدريجياً بعض قدراته على الشفاء.. لذلك نجد الكسور التي يعاني منها كبار السن من الصعب شفاؤها..

الطبيب الألماني غيرالد هيوتر، المختص بالبيولوجيا العصبية يقول:

كل شفاء هو شفاء ذاتي… وهذا لا يعني أنك لا تزور الطبيب إذا كنت تعاني من مشكلة طبية بالطبع.. إن فن الطب يكمن في تسهيل عملية الشفاء الذاتي على المريض.. إن قوى الشفاء الذاتي تتحفز بتشجيع الطبيب واعتقاد المريض أنه سيتحسن. إن لتوقعاتك دوراً هاماً في التماثل للشفاء..

العلاج الإيحائي والشفاء الذاتي

الإيحاء له دور كبير في الشفاء.. فحسب موقع BBC يقوم الباحثون بعلاج مشاكل ضيق النفس لدى الرياضيين المتسلقين للجبال مثل جبال “الألب” من خلال تزويدهم بأسطوانات أوكسجين فارغة (وهمية) بعد فترة من التدرب عليها.. ولاحظوا شيئاً غريباً…

تسلق جبل

لقد تحسن أداء هؤلاء الرياضيين وتخلص عدد منهم من ضيق الصدر المصاحب للارتفاعات العالية لاعتقادهم أنهم يحملون أسطوانات أكسجين معبأة وأن الأكسجين يسري في أجسادهم..

نعود للسؤال: كيف نساعد أنفسنا على امتلاك قدرة أعلى على الشفاء الذاتي؟

يتفق العلماء على أن المشاعر الإيجابية والسلوك المتفائل من أهم عوامل الشفاء الذاتي.

لقد اهتمت جامعة هارفارد بالتفاؤل كعلاج بديل.. وخرجت بنتائج تكاد لا تصدق!! ومن الأبحاث المهمة دراسة حول الأثر الهائل للتفاؤل على طول العمر..

صورة بحث التفاؤل

ولكن لماذا التفاؤل يطيل العمر.. والأعمار مقدرة كما نعلم ولكن هناك أسباب لطول العمر وقصره.

فالتفاؤل يحسن الصحة والنظام المناعي للإنسان… والذي لديه نظرة إيجابية وسلوك إيجابي يكون أقل عرضة للسكتة الدماغية.

والتفاؤل يخفض إفراز هرمون الإجهاد مما يجعل الدماغ أكثر راحة واستقراراً.

كذلك التفاؤل يخفف مخاطر أمراض القلب.

النظرة الإيجابية والكلمة الطيبة تساعد على علاج السرطان والتماثل للشفاء بسرعة أكبر.

وأخيراً

فإن الدراسات والأبحاث العلمية لا زالت قليلة في هذا المجال.. ولكن يمكننا الاستفادة من تقنية الشفاء الذاتي بشكل كبير إذا دربنا أنفسنا على الهدوء والتفاؤل وأعمال البر ومساعدة الآخرين.. كل هذا من شأنه أن ينشط النظام المناعي الذي يلعب دوراً مهماً في الشفاء.

ونتذكر أن النبي الكريم كان أكثر الناس تفاؤلاً.. ومنحنا التفاؤل في جميع التعاليم التي جاء بها.. وهو القائل: ويعجبني الفأل الصالح..


بقلم  عبدالدائم الكحيل

شاهد فيديو عن الشفاء الذاتي

لمشاهدة جميع حلقات برنامج علم وتأمل الموسم الأول من الرابط

https://bit.ly/3rQOHkw

 

 

تحميل كتب الإعجاز العلمي

صفحتنا الجديدة على فيس بوك