الله عز وجل هو الذي تكفل برزق مخلوقاته، انظر معي إلى هذه الآية الكريمة، أرجو أن تتأمل وتتدبر لأن الله أنزل هذا القرآن لتتدبره………..
الله عز وجل هو الذي تكفل برزق مخلوقاته، انظر معي إلى هذه الآية الكريمة، أرجو أن تتأمل وتتدبر لأن الله أنزل هذا القرآن لتتدبره، أي لتفهم تماماً المعاني التي أرادك الله أن تفهمها { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ }لماذا لمجرد أن نستمع أو نتبرك به…لا { لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [ص:29].
إذاً التدبر هو فرض وأمر إلهي مفروض عليك أن تتدبر وتفهم، سنحاول أن نتدبر هذه الآية لندرك أن الله لن ينسانا أبداً، الله مادام خلقك لن ينساك هذه قاعدة يجب أن تضعها في دماغك.. في رأسك.. في عقلك: { وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [العنكبوت:60].
انظر إلى مليارات الكائنات بل تريليونات الكائنات من النمل، من الحشرات، من الدَّواب، من الطيور، من الكائنات الحية، من الأسماك، هناك كائنات في أعماق البحار لم تكتشف حتى الآن، في ظلمات البحر على عمق آلاف الأمتار يرزقها الله.. أينسى مخلوقاً يقول يا رب؟ إيَّاك أن تظن أن الله يمكن أن ينساك.. إيَّاك أن تسلِّم نفسك للهموم.. إيَّاك أن تسلِّم نفسك لمن حولك.. إيَّاك أن تسلِّم نفسك للشيطان الذي يسعى أن يتحكم ويسيطر عليك ويخوِّفك، الله عز وجل لم يقل في هذه الآية قد يرزقها الله { وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا } [العنكبوت:60] لا أحد يحمل رزقه، أنت لولا أن الله أعطاك نعمة السَّمع والبصر والفؤاد ونعمة الحركة ونعمة العقل ونعمة التفكير والتدبير كيف سترزق نفسك؟ عندما كنت جنيناً في بطن أمك هل نسيك الله سبحانه وتعالى في ظلمات الرحم؟ لم ينسك. أينساك الآن وأنت ترفع يديك وتقول يا رب ارزقني؟
الله عز وجل عندما ألزم نفسه برزق عباده قال: { اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } [العنكبوت:60] لم يضع هنا لك احتمالات في الآية.
الآية الثانية التي أود أن تتدبَّرها معي: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ } [هود:6] هنا احتمالات: هل قال الله سيرزقها الله؟ لا.. هل قال يجب أن تعمل ليرزقها الله؟ لا.. هل قال احتمال أن يرزقها الله؟ لا.. { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } [هود:6] يعني ألزم الله نفسه برزق مخلوقاته لأنه لا يمكن لإله أن يخلق مخلوقاً ولا يرزقه.
اعقلوا.. أنت إذا كان لديك موبايل تعتني بشحنه، إذا كان لديك سيارة تضع فيها البنزين، إذا كان لديك قطة تطعمها.. فكيف بخالق الكون سبحانه وتعالى؟ خلق كل الكائنات، خلق الكون، خلق الوجود، خلق تريليونات الكائنات، لو أن الله ترك القضية على هؤلاء الدَّواب وهؤلاء الكائنات لانقرضوا وماتوا منذ زمن.. لأن الكائن لا يستطيع تدبير أمر نفسه.. الله سبحانه وتعالى هو الذي يدبر الأمر { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } [هود:6] ركز معي على كلمة { عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } [هود:6] وكأن الله سبحانه وتعالى ألزم نفسه به، والله عز وجل تعالى عن عباده، الله ليس بحاجة أن يلزم نفسه مع أحد هو العلي، هو الغني عن عباده { إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ هود:6] مكتوب، طيب إذا كان الرزق مكتوب لماذا أتعب؟ لماذا أفكر؟ لماذا أشغل بالي بموضوع الرزق؟ هو مكتوب ولكن الرزق يُكتب وتُكتب معه الأسباب.. يعني اليوم عندما نسمع حديثاً لحبيبنا عليه الصلاة والسلام أن الله عز وجل يرسل ملكاً إلى كل مخلوق، إلى كل إنسان وهو جنين في بطن أمه عمره اثنا وأربعين يوم أي ستة أسابيع فقط ليكتب رزقه، كيف يكتب الرزق؟ الرزق لا يكتب أنه في يوم كذا سيرزقه مبلغ كذا… ل..الرزق كتاب معقد وكبير جداً.. يكتب أسباب الرزق ومن أسباب الرزق الدعاء.. لماذا؟ سأقول لك لماذا.. النبي عليه الصلاة والسلام في عدَّة حوادث كان يرى أناس مهمومين عليهم ديون.. عليهم أموال للآخرين.. رزقه ضيق لم يقل له اذهب ودبر وكذا.. قال له: ادعو بهذا الدعاء، إذا دعوت بهذا الدعاء أذهب الله همك وقضى عنك دينك سبحان الله..
طيب ما علاقة الدُّعاء بالرزق؟ إذاً الدعاء هو أحد الأسباب القوية للرزق.. السَّعي سبب ولكن ليس هو كل شيء.. العمل سبب ولكن أيضاً ليس كل شيء.. أن تسعى وتتصل بفلان وتبحث عن عمل وتدرس وتتعلم كلها أسباب ولكنها ليست هي كل شيء، أنا يمكن أن أقول لك أن الدعاء هو أقوى سبب للرزق: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر:6].
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [ الطلاق2-3] طيب ما علاقة التقوى بالرزق؟ بالله عليكم يعني أنت إذا كنت مؤمن بالله يجب أن تؤمن بهذه الآية: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }[الطلاق2-3] يعني معادلة، ما علاقة إنسان إذا خاف من الله يرزقه الله؟ لأن أسباب الرِّزق بيد الرَّزاق سبحانه وتعالى، { وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [ الذاريات:22 ] كل آيات الرزق إما أن ترتبط بمشيئة الله.. أو ترتبط بقدرة الله أو ترتبط بالتقوى أو العمل الصالح.. هذه هي الحقيقة التي يجب أن تعلمها لتطمئن، لأن هناك أناس لديهم المليارات ويحملون هم الرزق..
أنا أعرف أناس مكتفي ولديه كل شيء وعلى الرغم من ذلك يحمل هم الرزق ولا يستطيع النوم وهو يفكر: كيف سآتي بالمال؟ كيف؟ كيف؟ إذاً القضية.. الهم ليس له علاقة بالحالة المادية للإنسان.. كل إنسان يمكن أن يحمل الهم.. متى يذهب هذا الهم؟ عندما تعتقد جازماً أن الله سبحانه وتعالى هو الرَّزاق ذو القوة المتين… وعندما أمر الله حبيبه عليه الصلاة والسلام فقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [ طه:132] ماذا قال بعد ذلك؟ { لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا } [طه:132] سبحان الله ما علاقه هذا بهذا؟ يعني بمنطقنا نحن البشر.. {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } [طه:132].
مثلاً يمكن أن يقول: سيكافئك الله في الآخرة، أما { لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا } [طه:132] ما علاقة الرزق أن آمر أهلي بالصلاة؟ ما علاقة الرِّزق بالصبر؟ { لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } [ طه:132] .
إذاً هنا الله يريد أن يرسل رسالة لكل مهموم، يقول له: إذا ضاق رزقك افزع إلى الصلاة والصبر { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } [البقرة:45] إذاً الصَّبر يمكن أن يكون سبباً من أسباب الرزق.. والصلاة يمكن أن تكون سبباً من أسباب الرزق.. واليقين بما عند الله هو سبب من أسباب الرزق.. وبالتالي الله عز وجل لم يخلقنا هنا لكي نلهف وراء الدنيا لا.. خلقنا لنعبده وهو سيسبِّب لنا الأسباب.. { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [الذاريات:56ـ58] .
كلما ضاقت بك الأمور.. كلما حملت هم الرزق.. تذكَّر هذه الآية: { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [الذاريات:58] وكرِّرها حتى يذهب عنك هذا الهم لأن الشيطان هو الذي يسعى لتحميلك هذه الهموم، الشيطان هو الذي يسعى لتخويفك وجعلك مهموماً.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبعد عنا شر الشيطان.. وأن يرزقنا رزق الآخرة فهو القائل: { وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [طه:131] .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
بقلم عبدالدايم الكحيل
شاهد فيديو عن الرزق