» أسرار الإيمان واليقين

كيف تضمن استجابة الدعاء؟

كيف تضمن أن يستجيب الله دعاءك؟ كثير منا يدعو الله فلا يُستجاب له.. لا يعلم ما هو السبب…..

بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتديَّ لولا أن هدانا الله.. وصلى الله على نبينا محمد النبي الأميّ وعلى آله وأصحابه.. وسلم تسليماً كثيراً….

كيف تضمن أن يستجيب الله دعاءك؟ كثير منا يدعو الله فلا يُستجاب له.. لا يعلم ما هو السبب.. القضية قد أن تكون قضية توقيت لأن النبي عليه الصلاة والسلام علَّمنا طرق الاستجابة (طرق استجابة الدعاء) لأنه كان مُستجاب الدعوة عليه الصلاة والسلام.

طيب ماذا أخبرنا النبي عن أفضل وقت لاستجابة الدعاء؟ دعوني أولاً أتأمل معكم هذا الحديث العظيم ثم نُدقق في كلماته عسى أن نكون مُستجابين الدعوة.. النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إنَّ في اليل لساعةٌ لا يوافِقُها عبدٌ مسلمٌ، يسأل الله تعالى فيها خيراً من أمرِ الدُّنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وذلك كلَّ ليلةٍ) “الجامع الصحيح” سبحان الله ما هذا الكرم؟ كل ليلة هناك ساعة يُستجاب فيها الدعاء.. هذه الساعة مجهولة.. طب لماذا لم يُحدد لنا النبي عليه الصلاة والسلام؟ في الساعة الفلانية.. الدقيقة الفلانية.. الثانية الفلانية..؟ لا لأن النبي يُريدنا أن نجتهد أكثر في الدعاء لا نكسل.. يُريدنا أن ندعو طول الليل.. يعني حتى قُبيل النوم تدعو.. تنام وأنت لسانك يدعو.. وتستيقظ ولسانك يدعو أيضاً.

إذاً أنا أستطيع من خلال هذا الحديث (أنا شخصياً) أن أتعلم أنَّ الدعاء يمكن أن يُستجاب.. له شروط: أولاً: يجب أن يكون هذا الدعاء ليس شرَّاً لأحد يعني لا أتمنى الشرّ لأحد.. هذا الدعاء لا يُستجاب.. أن لا أظلم أحداً.. أن لا أحسد أحداً على ما آتاه الله من فضله.. ألا أدعو في قطعة رحم أو في خراب بيت إنسان أو أدعو على إنسان بالهلاك وهو بريء.. إذاً الدعاء يجب أول شيء أن يُبتغى به وجه الله.. تدعو بكثرة الرزق لتُعين أهلك ونفسك وأولادك.. تدعو الله ليغفر ذنوبك.. تدعو الله أن يُكرمك.. أن يُعافيك.. قد تتعرض لبلاء لمرض فتدعو الله عز وجل بالعافية وهذا أمر مشروع ومطلوب.

طيب لماذا الليل؟ يعني لماذا كل ليلة؟ لماذا ليس في النهار؟ يعني لماذا استجابة الدعاء تكون في الليل؟ أول شيء الليل كما نرى يعني السكون {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ:10] لباساً يحتمي تحته الإنسان مثل اللباس.. {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6] تعلمون أنَّ نبيكم عليه الصلاة والسلام أول أمر إلهي نزل له ما هو؟ كما نعلم سورة المزمل والمدثر {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل 1ـ2] طيب لماذا ذكر الليل مع بداية يعني بعد {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] بعد القراءة أي العلم ذَكَر قيام الليل؟ نحن الآن للأسف تحوَّل الليل إلى ساعات اللهو والعبث والسخرية وتضييع الوقت.. أول أمر نزل للنبي عليه الصلاة والسلام {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل 1ـ2] ثم قال له: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6] لأن هذه الحياة قصيرة.. تصوَّر أن لديك امتحان بعد أيام يُحدد مصيرك! لا تستطيع النوم.. كذلك نحن في حالة اختبار في هذه الدُّنيا.. في حالة امتحان.. نحن الآن في حالة ابتلاء {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2] فهذا الابتلاء الذي نعيشه نحن أو الاختبار يعني سينتهي ذات يوم بالموت.. فيجب ألا يعني يهدأ لك بال.. يجب أن تستغل فترة الليل بالذكر.. بالدعاء.

طيب كيف تضمن استجابة الدعاء؟ كل ليلة إذا كنت مِمَن يسهرون أو مِمَن ينامون حاول أن تستيقظ قبل الفجر.. حاول أن تستيقظ من الليل.. وإذا كنت تسهر من بعد العشاء ابدأ بالدعاء.. ولابد أن تُصادف يعني هي ساعة طبعاً الساعة ليست ستين دقيقة لأن هذا التوقيت حديث كما نعلم.. الساعة قد تكون ثلاث ساعات بزمننا أو بتوقيتنا هي ساعة وقد تكون ربع ساعة نحن لا نعلم ما هي الساعة التي يقصدها النبي عليه الصلاة والسلام ولكن هناك مدة زمنية كل ليلة يُستجاب فيها الدعاء.. فكل ليلة تذَّكر هذا الحديث وقل: ولله أنا اليوم سأدعو الله أن يقضي لي هذه الحاجة.. أنا لدي ابن مريض.. لدي أخ رزقه ضيق.. لدي إنسان عزيز على قلبي وقع في مشكلة سأدعو له الله أن يُنقِذه من هذه المشكلة.. أن يُشفيني.. أن يُعافيني.. أن يرزق فلان.. أن يصرف عني كيد فلان… كل ليلة طيب ما هي النتيجة؟ النتيجة أنَّك تدريجياً أصبحت إنساناً صالحاً يعني أصبحت مثل النبي عليه الصلاة والسلام.. والنبي جاء قدوة لنا (أسوة حسنة) لنقتدي به.. فالنبي كان يقوم معظم الليل على فكرة {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل 2ـ5] بالفعل في الليل تحدث تجليّات ويحدث يعني نوع من الطمأنينة والتفتح الذهني غير موجود في النهار.

يمكن أن أدُلك أنا طبعاً حسب تجربتي على طريقة ثانية لكي لا تُتعب نفسك كثيراً أن تتطلب.. تتطلب.. تتطلب… لا.. هناك حديث جميل جداً النبي عليه الصلاة والسلام يقول عن الله عز وجل حديث قُدسي: (يقول الله تبارك وتعالى: “مَن شغله القرآن وذِكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أُعطي السائلين”) ما معنى هذا الكلام؟ يعني يا رب أنا مُنشغل بتدبر كتابك.. أنا انشغلت عن مرضي وحاجتي وقلة حيلتي.. انشغلت عن همومي ومشاكلي وأحزاني.. انشغلت بكلامك العظيم لأنَّك أنت الذي أمرتني أن أتدبر هذا القرآن فقلت: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء:82] أنت الذي أمرتني أن أحذر الآخرة.. أن أقوم آناء وأجزاء طويلة من الليل وأنا أُفكر بالموت وما بعد الموت.. أنت الذي قُلت في كتابك يا رب: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر:9] يعني أطراف وأجزاء كثيرة من الليل تقريباً معظم الليل يعني {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر:9] ماذا يفعل؟ {سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر:9] طيب مُخه أين؟ يقول: {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] سبحان الله يعني معادلة رائعة جداً أنَّك تحذر الآخرة.

طب هذا كل ليلة.. طب لماذا لا نقوم بذلك؟ يعني لماذا نلهو ونعبث؟ الإسلام لا يمنعك من مُتع الحياة التي أحلها الله.. لا يمنعك أن تستمتع بهذه الحياة وبنفس الوقت تتذكر الخالق عز وجل.. الله لم يخلقنا ليُعذبنا في هذه الدُّنيا أو كتب علينا الشقاء.. لا.. هو يريد لنا الخير.. الحياة المطمئنة ولكن فقط يُريدك أن تتذكره يعني هل هذه القضية صعبة؟ لذلك “مَن شغله القرآن وذِكري” فأنت عندما تقول: يا رب أنت الذي قُلت {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} [الزمر:9] خاشع يعني {آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9] أولو العقول.. فالقضية.. قضية علم.. لذلك أنت كل ليلة إذا شغلك القرآن وذِكر الله فسيُعطيك الله أفضل مما لو جلست طول الليل وأنت تقول: يا رب ارزقني.. يا رب أعطني.. يا رب اشفني.. يا رب.. يا رب… لأن هذا الدعاء يعلَّمه الله.. الله يعلَّم حالك {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} [الإسراء:54] يعني أنت تدعو رباً قريباً منك يعلم حالك ليس غريباً عنك.. لا يحتاج أن تُعرفه بحاجتك.. {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} [الإسراء:54] طيب الله أعلم بحاجتي.. إذاً أنا أشغل وقتي بقراءة القرآن.. بذِكر الله.. بتدبر القرآن.. بالتفكر في خلق الله.. بالتفكر بآيات القرآن.. بهذا التناسق المُبهر في كتاب الله.. بهذه المعاني العظيمة.. المعاني البلاغية والبيانية والمعاني العلمية والتناسق العددي بالقرآن… كل شيء كله إعجاز.. أنا أتأمل وأتدبر وأزداد يقيناً بهذا الإله العظيم.. وبالتالي الحديث الشريف يُعلمنا كيف نتقرب من الله سبحانه وتعالى؟

ذلك من خلال إحياء الليل وتدبر القرآن في الليل والدعاء.. لأن الله يُحبك أن تدعوه.. ولكن أحياناً الإنسان ينشغل عن حاجته بحب مَن يدعوه.. يعني أحياناً أنت ولله المثل الأعلى طبعاً هو تشبيه بسيط يعني أنت عندما ترى شخص تُحبه كثيراً.. تنسى ماذا تريد منه.. لاحظتم هذا المعنى عندما قال: (مَن شغله القرآن وذِكره عن مسألتي) من محبتك بالله وانشغالك بكلام الله.. أنت نسيت ماذا تُريد؟ نسيت مرضك.. نسيت ألمك.. نسيت مشاكلك.. نسيت همومك.. وهذا هو المطلوب يعني إذا جلست أنا كل يوم أفكر بمشاكلي وهمومي.. كل يوم ماذا سأستفيد؟ المشكلة لن تحل إلا بأمر الله {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:107] إذاً يعني القضية هي معادلة بسيطة كل ليلة حاول أن تدعو الله وأن تذكر الله وأن تتدبر القرآن وتتعمق بهذا الكتاب العظيم.. ولابد أن تُصادف ساعة إجابة ستجد أن حياتك تغيرت وهذا الكلام عن تجربة شخصية يعني ستتغير حياتك بالكامل.. ستجد أن الله معك.. ستجد أن الله يفتح لك أبواب لم تكن تعلمها.. يفتح لك أبواب لم تكن تتوقعها أو تخطر في بالك.

لذلك يعني لا أُريد أن أُطيل عليكم أرجو من كل أخ أن يجتهد في الدعاء أثناء الليل وبخاصة وقت السحر لأن سيدنا يعقوب عليه السلام عندما طلب أولاده أن يَستغفر لهم الله: {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يوسف:98] يُقال يعني في التفسير أنَّه أجل الدعاء إلى وقت السحر وهو قبل الصبح بساعتين.. ثلاث ساعات… هذا الوقت (وقت السحر) يعني وقت تُستجاب فيه الدعوى إن شاء الله فاركع ركعتين في عمق الليل.. في وقت السحر وبقلب مُخلص قُل: يا رب يعني أنا لي حاجة عندك فأرجو أن يعني تشفيني.. أن تُعينني.. أن تصرف عني الهم والغم والحزن.. اطلب ما تشاء وحاول أن تشغل نفسك بالقرآن العظيم.. إذا لم تقرأ على الأقل استمع لأن الثواب واحد يعني وربما ثواب الإستماع أكثر من ثواب القراءة على فكرة.. نبينا عليه الصلاة والسلام لم يُنزل عليه القرآن مكتوباً أو مقروءاً بل نُزل عليه مسموعاً من سيدنا جبريل.. فالاستماع للقرآن ضروري جداً وأنت نائم استمع للقرآن يعني اليوم الموبايل موجود مع معظم الناس.. ضع فيه سورة البقرة مثلاً بصوت جميل أنت ترتاح له (صوت أحد المقرئين) وشغله أثناء الليل وأنت نائم أبعده مترين عن دماغك فقط تحاشياً لضرره ولا يضر ولا ينفع إلا الله طبعاً.. واترك دماغك يتفاعل مع كلام الله عز وجل لأن الإنسان أثناء النوم يبقى دماغه في حالة عمل كما تعلمون يعني وكما كشف العلماء مؤخراً فتضع هذا القرآن وتستفيد من معانيه الرائعة وأنت تنام ادعو الله وعندما تستيقظ أيضاً ادعو الله سبحانه وتعالى.

نسأل الله عز وجل أن يستجيب دعائُنا ودعاءكم كما قال سيدنا إبراهيم عليه السلام: {عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} [مريم:48].

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


بقلم عبدالدائم الكحيل

يمكنك مشاهدة هذا الفيديو

تحميل كتب الإعجاز العلمي

صفحتنا الجديدة على فيس بوك