كيف نقوم الليل؟ مُعظمنا يظن أن قيام الليل يجب أن يقتصر على السجود والركوع والصلاة.. ولكن هذا المفهوم ناقص لأن الله عز وجل عندما أخبرنا عن قيام الليل.. لم يَقل مَن أمضى الليل قائماً أو مصليَّاً اذا ماذا قال……….؟
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا أن نهتديَّ لولا أن هدانا الله.. وصلى الله على نبينا محمد النبي الأميّ وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
كيف نقوم الليل؟ مُعظمنا يظن أن قيام الليل يجب أن يقتصر على السجود والركوع والصلاة.. ولكن هذا المفهوم ناقص لأن الله عز وجل عندما أخبرنا عن قيام الليل.. لم يَقل مَن أمضى الليل قائماً أو مصليَّاً ماذا قال؟ قال سبحانه وتعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر:9] قانت: خاشع.. والقنوت هنا يُمكن أن تدعو الله وأنت خاشع.. يُمكن أن تذكر الله وأنت خاشع.. يُمكن أن تُطعم فقيرٍ وأنت خاشع.. فالقنوت يَصف حالة الإنسان لا يَصف الفعل.. يُمكن أن تُصلي وأنت قانت أو خاشع… إذاً القنوت هنا لم يستخدم القرآن لفظ الصلاة بل استخدم لفظ القنوت أي الخشوع لله عز وجل {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} [الزمر:9] أي خاشعٌ {آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر:9] أجزاء طويلة من الليل (معظم الليل).. ماذا يفعل؟ {سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9] سبحان الله يعني انظروا وصف لنا حالة المؤمن الذي هو يُمضي ليله خاشعاً لله {سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر:9] السجود: نحن نعلم السجود يكون في الصلاة.. القيام هنا يُمكن أن يكون في الصلاة وفي غير الصلاة لأن لدينا آية أخرى أيضاً تَصف حال المؤمن الذي يذكُر الله حتى على جنوبهم {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران:191] إذاً حتى وأنت مُضجع أنت تستطيع أن تقوم الليل..
تستطيع أن تُكتب بين زمرة القوامين.. الخاشعين.. القانتين لله تبارك وتعالى.. إذاً أول شيء أو أهم شيء هو ذكر الله.. أن تذكر الله وأنت تذكر الله يجب أن تخشع لأن القنوت مهم ما الفائدة من ذكر الله إذا لفظت الله أو لا إله إلا الله أو سبحان الله مثل ببغاء لا تعقل؟ يجب أن تستَحّضر عظمة الخالق سبحانه وتعالى يعني عندما تقول: يا ربّ ارزقني.. يا ربّ أكرمني.. يا ربّ اغفر لي… يجب أن تتذوق هذه المعاني لا أن تقول: يا ربّ اغفر لي ثم تعصي الله.. يا ربّ أكرمني وأنت تَمنع الخير عن الفقير أو المساعدة عمَن يحتاج إليها أو تقول: يا ربّ ارزقني وأنت تأكل الحرام… هذا الكلام غير منطقي فيجب أن تتذوق لذَّة الخشوع.
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران:191] فإذاً شَمل لك كل حالات الإنسان.. الإنسان إما أن يكون قائم: واقف يعني أو جالس هكذا أو مُضجع على جنبه (مُتكئ) فهذه الحالات الثلاث أنت تذكر الله وكلها تُسجل لك ضمن قيام الليل يعني الليل طويل يعني الإنسان يَقوم يُصلي مثلاً أربع ركعات أو ثماني ركعات كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل في بعض الروايات أنه كان يُصلي ثماني ركعات من الليل (قيام الليل).. وبعد الثماني ركعات هل تجلس؟ لا تَقرأ القرآن.. تذكر الله.. تتأمل معجزات القرآن اليوم تستطيع أن تقوم الليل على موقع يوتيوب مثلاً أو فيسبوك تستخدم هذه المواقع لتتعلم كيف تتدبر القرآن؟ لتتعلم كيف تُصلي؟ كيف تذكر الله؟ تحفظ القرآن… يعني يُمكنك أن تستخدم الليل لحفظ القرآن والليل من أروع الأوقات لحفظ القرآن لأن الله سبحانه وتعالى ماذا قال في تقريباً بدايات نزول القرآن؟ سورة المُزمل من أوائل السور التي نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:1ـ5] كم واحد منّا الآن مِمَن يستمعون إليّ يَشعر بثقل القرآن؟ أنا الآن قرأت هذه المقدمة من سورة المزمل مَن شعر معي بثقل هذا الكلام؟ أكيد قليل.. لماذا؟ لأننا لم نتذوق لا القرآن ولا إعجاز القرآن ولا عظمة معاني القرآن ولا بلاغة القرآن… لذلك نحن نَسمع وليس لدينا أي رد فعل.
ماذا قال له؟ سبحانه وتعالى ماذا قال لحبيبه؟ {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6] إذا أردت أن تحفظ القرآن عليك بالليل.. إذا أردت أن تتدبر القرآن عليك بالليل.. إذا أردت أن تَخشع.. إذا كان لك حاجة عند الله عليك بالليل… {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل:2] هذا الأمر النبوي ينبغي أن نُطبقه.. هذا الأمر ليس فقط للنبي بل لكل مؤمنٍ أحب هذا النبي واتبعه (صلى الله عليه وسلم).
هناك حقيقةً قليل منا مَن يتأثر بكلام الله (نسبة قليلة) استمعوا معي إلى هذه الآية {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر:23] مثاني: يعني فيه حلال وحرام.. يَذكر لك الخير والشر.. يذكر لك الدنيا والآخرة.. يذكر لك عالم الجن وعالم الملائكة… {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر:23] طيب كم واحد يشعر أن جلده يَقشعر عندما يُتلى عليه كلام الله؟ موجود ولكن نسبة قليلة للأسف.. {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:23] انظروا كلمات رائعة جداً ولله.. يعني الملك سبحانه وتعالى هو الذي يُخاطبنا.. هو الذي يُعلِّمنا.. هو الذي يُريدنا أن نتقرَّب منه.. لا تَظن أن الله بعيد عنك لذلك منذ هذه الليلة لا تحرم نفسك من لذَّة قيام الليل.. بكل بساطة ولو لمدة نصف ساعة اجلس وتعلَّم القرآن هذا قيام الليل.. طيب هناك أخ يحتاج إلى مساعدة.. يحتاج إلى قضاء حاجة..
قد يكون هذا العمل فيه ثواب أكثر بكثير من الصلاة والصيام والزكاة لأن الإنسان إذا قضى حاجة أخيه.. يعني إذا كان العبد بحاجة أخيه الله بحاجتك.. كأن الله هو الذي يحتاجُك.. لذلك الله تعالى لم يَقُل: من ذا الذي يُقرض الفقير قرضاً حسناً.. ماذا قال؟ {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة:245] هل الله بحاجة أن يَقترض مني ومنك؟ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15] هل الله بحاجة لنا؟ لا.. ولكن الله يُريد أن يُرسل لك رسالة: لا تَستخف بإنسان يَطلب منك حاجة تقضيها.. اليوم كم نسبة مَن يَحرص على قضاء حوائج الناس؟ كم نسبة مَن يسير في قضاء حوائج الناس؟ ولله النسبة قليلة جداً.. لذلك نجد البلاء والوباء والغلاء ينزل علينا.. لم يعد هناك حُب للخير.. لم يَعد هناك أن تُؤثر أخاك على نفسك.. أخاك المؤمن حتى أخاك في الإنسانية يجب أن تُعامله معاملة حسنة {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83] للناس أي إنسان.
لذلك أُلخِص هذا اللقاء الإيمانيّ بكلمات قليلة أقول: إنَّ قيام الليل وقرآن الفجر {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78] قيام الليل.. القرآن.. ذكر الله ولو نصف ساعة كل يوم.. لا تنسى قد يأتيك الموت غداً وأنت غافل وأنت تُخطط لمشاريع ستُنفذها هنا وهناك.. تُريد أن تفعل كذا وكذا.. غداً سيكون لديك مواعيد.. لديك أعمال.. لديك مشاكل ستَحُلها… قد يأتيك الموت بغتة.. بغتة يُدمر كل هذه المشاريع والأفكار لا تَنتفع في هذه اللحظة إلا بذكر الله سبحانه وتعالى.. لا ينفعك إلا ما قدمت من عملٍ صالح.. هذا العمل هو الذي سيَذهب معك إلى القبر.. لذلك ولو مدَّة قليلة لا تحرم نفسك منها ولا تنساها.. اقرأ القرآن.. استمع إلى آيات من القرآن.. صلِّي على الأقل ركعتين كما قال النبي في جوف الليل خيرٌ من الدنيا وما فيها.. اعمل.. حاول أن تُخطط لأعمال البرّ لأن أيضاً التفكير بأعمال البرّ هو جزء من قيام الليل يعني أنا غداً سأساعد فلان.. سأقضي حاجة فلان.. سأفعل كذا.. سأتصدَّق بكذا.. هذا التفكير أن تضع برنامج عمل لليوم التالي أيضاً هذا جزء من قيام الليل.. والله يرضى عنك سبحانه وتعالى عندما تَسلك هذا السلوك.
لذلك أرجو منكم أن تهتموا بموضوع قيام الليل ولا تُغفلوا هذه العبادة الرائعة على الأقل كما قُلت لكم إذا لم تستطع أن تجلس ثلاث أربع ساعات أو خمس ساعات ليكن على الأقل ربع ساعة نصف ساعة أو ساعة قدر ما تستطيع وستجد الثواب العظيم لحظة الموت.. لحظة لقاء ملائكة الله سبحانه وتعالى الذين سيأتون ليتوفونك ولحظة البعث ولحظة لقاء الله وهو أجمل لقاء.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُبلغنا لقاءه {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:5ـ6].
وآخر دعوانا الحمد الله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
بقلم عبدالدائم الكحيل
يمكنك مشاهدة هذا الفيديو