دعوني أتابع معكم تأمل هذه الصورة والتفكر فيها لأن التفكر هو جزء من ديننا.. انتبهوا الإسلام ليس فيه كحانوت مثل بقية الأديان يعني إيمان أعمى لا يوجد لدينا.. نحن لدينا عقل ولدينا تفكير وأمرنا الله أن نبنيَّ إيماننا على منطق علمي وعلى العقل……..
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله الذي هدانا الله لهذا وما كنا أن لنهتدي لولا أن هدانا الله.. وصلى الله على نبينا محمد النبي الأمي وعلى آله وأصحابه.. وسلم تسليماً كثيراً.
هذه الحقيقة صورة مبهرة هي أول صورة يلتقطها مرصد جيمس ويب الفضائي الذي تمَّ اطلاقه مؤخراً.. طبعاً هذا المرصد يُعتبر من أقوى المراصد الفلكية التي تمَّ إطلاقها حتى الآن وتمَّ بالتعاون بين وكالة ناسا الأميركية NASA ووكالة الفضاء الأوربية وتمَّ إنفاق الملايين وآلاف من المهندسين والمصممين والعلماء عملوا على هذا المرصد ليُعطينا صورة كونية وكأنك تقف أمام الكون.
دعوني أتأمل معكم الصورة التي أطلقتها وكالة ناسا بتاريخ 12/7/2022 أي حديثٍ جداً ونتأمل كيف ظهر فيها ما يُشبه الجبال الكونية.. المنحدرات الكونية.. الوديان الكونية؟ ولكن مادة هذه الوديان والجبال ليست الصخور وليست الرمل بل مادتها النجوم.. مشهد بالفعل يعني يخشع له القلوب.. انظروا معي إلى هذه الصورة وسبحوا الخالق تبارك وتعالى.. نرى أمامنا هذه الصورة التي تمَّ اطلاقها مؤخراً انظروا كيف تظهر النجوم المتلألئة هنا في الأعلى؟ ويظهر ما يُشبه الجبال وهنا مُنحدر سبحان الله.. طبعاً هذا السديم يدعى: سديم كارينا Carina Nebula وطبعاً هذه تقول وكالة ناسا: من أروع المناظر الطبيعية التي تُشبه الجبال والوديان المليئة بالنجوم والمتلألئة وهي في الواقع حافة صغيرة جداً لمنطقة تتشكل فيها النجوم فهي شابَّة يعني هذه المنطقة شابَّة وتم التقاط هذه الصورة بواسطة الأشعة تحت الحمراء وتكشف لأول مرة مناطق غير مرئية يعني لم نتمكن من رؤيتها من قبل هذه المناطق تنشأ فيها النجوم أو تولد فيها النجوم يعني هناك مناطق هي مصانع للنجوم (تتشكل فيها النجوم من الغبار الكوني).. سبحان الله هذا الإبداع الإلهي هل يستطيع ملحد أن يقول: جاء مصادفة؟ هذه الألوان الزاهية التي نراها أمامنا.. هذه الدِّقة في توزع النجوم يعني هذا الغبار الكوني وهذه الأجسام الكونية هل يستطيع إنسان أن يقول: جاءت هكذا عبثاً؟ نتيجة فوضى.
دعوني أتابع معكم تأمل هذه الصورة والتفكر فيها لأن التفكر هو جزء من ديننا.. انتبهوا الإسلام ليس فيه كحانوت مثل بقية الأديان يعني إيمان أعمى لا يوجد لدينا.. نحن لدينا عقل ولدينا تفكير وأمرنا الله أن نبنيَّ إيماننا على منطق علمي وعلى العقل لذلك الله سبحانه وتعالى يقول: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] فالتفكر هو من أعظم العبادات بالنسبة للمؤمن على عكس بقية الأديان التي تأمره أن يُؤمن إيمان أعمى هكذا افعل أو لا تفعل فقط.. لا لا لدينا في الإسلام: التفكر واستخدام المنطق العلمي.
انظروا إلى هذه الصورة معي وسبحان الله يعني كيف أنَّ هذا الغبار الكوني هو مصنع للنجوم (يحتضن يعني مثل حضانات نجمية ناشئة)؟ رحم يتمّ تصنيع النجوم فيه بشكل رائع جداً وبصورة شديدة التنظيم.. إذاً هنا النجوم التي نراها هي نجوم شابة وطبعاً هذه السحب المُغبرة هي بالحقيقة دخان كوني.. فيها دقة رائعة.. فيها دقة شديدة وهذا الكلام لوكالة ناسا طبعاً يعني هُم من يقول هذا الكلام.. طبعاً وكالة ناسا تقول: يعني هذه الصورة أظهرت للمرة الأولى أن عملية تصنيع النجوم ليست عشوائية.. يعني هناك مناطق نراها مضطربة لا يحدث فيها تشكل للنجوم أو ولادة للنجوم وهناك مناطق شديدة التنظيم والدقة يتم فيها تخليق
النجوم.. يقول العلماء: إنَّ هذا يعطيك فكرة عن مدى الدقة تماماً مثل تصنيع أو خلق الجنين.. عملية خلق الجنين عملية دقيقة جداً تحتاج إلى آلاف الظروف البيئية المحيطة لكي تتم عملية تخليق جنين ناجحة.. كذلك في النجوم لاحظوا نفس الشيء أنَّ هناك عوامل ليست مصادفة وليست عشوائية وهذا الكلام باعتراف العلماء اليوم وهذه ستكون ضربة قاسمة بالنسبة للملحدين الذين يقولون: إنَّ الكون عبارة عن مجموعة من الذرات والغبار وهكذا تتشكل عشوائياً وتتطور عشوائياً.. لا لا الذي ينظر في هذه الصورة الكونية يرى شيء مختلف تماماً يعني على سبيل المثال يقولون: إنَّ هذه السُّحب العملاقة من الغاز والغبار أيضاً تتطور بشكل شديد التنظيم وهناك رياح عنيفة ذات طاقة عالية موجودة داخل هذا السديم.. وحتى الآن العلماء لا يعرفون الكثير عن هذه النجوم والطريقة الدقيقة لتخلُقها أو لتطورها أو لولادتها.. نجد أنه ليست كل المناطق توَّلد نجوماً هناك مناطق محددة ولها نظام محدد وهذا ما يحاول العلماء اكتشافه الآن.
طبعاً نحن هذه الصورة التي نراها أمامنا تبعد بحدود سبعة آلاف وستمئة سنة ضوئية يعني نحن نرى شكل هذا السديم ليس الآن.. انتبهوا نرى شكل هذه النجوم وولادة هذه النجوم قبل سبعة آلاف وستمئة سنة لأن الضوء استغرق حتى يصل إلينا سبعة آلاف وستمئة سنة.. إذاً هذه النجوم الآن نحن لا نعلم على وجه الدقة أين هي؟ وهذا السديم بالضبط نحن لا نعلم أين هو بالضبط؟ نحن نرى شكله أو موقعه قبل آلاف السنين.. طيب هنا يجب أنا أن أتوقف هناك إشارة قرآنية رائعة جداً الله تبارك وتعالى لم يقل في كتابه: {فلا أُقسم بالنجوم} قال سبحانه وتعالى في سورة الواقعة: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75] المواقع الحقيقية الله أقسم بها التي نحن لا نعلمها {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة:77-76] طيب انتبهوا في ذلك الزمن قبل ألف وأربعمئة سنة لم يكن أحد يتخيل أن يرى مثل هذه الصورة.. الناس كانوا يظنون أن النجوم ثابتة أو بعض الناس يظنون أنَّها تدور حول الأرض والأرض ثابتة.. ولكن لم يكن لدى أحد تصوّر عن سرعة الضوء أو أنَّ هذه النجوم التي تبعد آلاف السنوات الضوئية عنا أن ضوئها يستغرق آلاف السنوات حتى يصل لنراها وأننا نرى شكلها في الماضي وليس الآن نرى شكلها قبل آلاف السنين فالموقع الحقيقي لا أحد يعلمه على وجه الدقة العلماء يتنبؤون طبعاً ولكن على وجه الدقة لا أحد يعلمه.. لذلك القرآن قال: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75] يعني لا داعي لكي أُقسم لأنَّ الحقيقة واضحة أمامنا اليوم.. يعني اليوم أصبحت هذه الأرقام والحسابات وهذه الصور نحن نراها بأعيننا فلا داعي للقسم (ليس هناك داعي للقسم) {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة:75-77] فالذي حدَّثنا عن مواقع للنجوم هو الذي أنزل هذا القرآن.. لأنَّه لا يُمكن لأحد أن يتنبأ بوجود مواقع للنجوم (مواقع حقيقية) وأنَّ كل ما نراه هو وهم.. تمَّ في الماضي لأنَّ أقرب نجم إلينا يبعد من أكثر أربعة سنوات ضوئية.. يعني نحن نراه قبل أكثر من أربعة سنوات.. حتى الشمس نراها قبل ثماني دقائق لأنَّ هناك ثماني دقائق ضوئية بُعد الشمس عنا 150 مليون كيلومتر فنراها قبل ثماني دقائق (لا نستطيع أن نراها بنفس اللحظة) وبالتالي تصوَّروا لو أن هناك مجرة تبعد عنا مثلاً ألف مليون سنة ضوئية فنحن نرى شكلها قبل ألف مليون سنة ربما زالت.. ربما تغيَّر شكلها.. ربما أصبحت في مكان آخر…
إذاً المواقع الحقيقية للنجوم لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.. يقول العلماء: إنَّ النجوم تتكاثر وتُولد بمرور الوقت وطريقة تشكل النجوم طريقة معقدة جداً لأنَّ هناك تيارات شديدة من الغاز والدخان والغبار الكوني تندفع بشدة فأثناء تشكَّل النجوم غالباً ما يفشل تشكل النجوم.. يعني القضية لو كانت عشوائية أو حسب المُصادفة كان من المفروض أن تتشكل أعداد أكبر بكثير من النجوم أو أنَّ لا يتشكل شيء ستنهار على نفسها.. ولكن نرى ضمن هذا السديم أنَّ هناك مناطق شديدة التنظيم والدقة تُساعد النجم على أن يُولد ويتشكل وتنجح هذه العملية “عملية تصنيع النجوم” وهناك مناطق تُحاول النجوم أن تتشكل وتفشل مثل تماماً الجنين الذي يُجهض نتيجة لأسباب متعددة.. كذلك النجوم تُجهض.. سبحان الله.
يعني أنا هنا أود أن أتوَّقف معكم لأقول إنَّ الله سبحانه وتعالى بصمة الإله واحدة.. يعني الأشياء التي نراها هنا على الأرض: ولادة البشر مثلاً.. ولادة الحيوانات.. الكائنات الحية… نجد أن هناك ظروف دقيقة تَحكم عملية نجاح تخليق أي جنين.. كذلك في الكون يجب أن تتحقق ظروف شديدة الدقة لتخليق أو لتصنيع نجم بشكل ناجح.. وبالتالي كأن أو هو كذلك طبعاً أنا أُخاطب الآن المشككين والملحدين يعني هذا يشهد على أن الصانع هو واحد (بصمته واحدة سبحانه وتعالى) نفس القوانين ونفس الأنظمة في الكون نجدها على الأرض أمامنا فهذا يقودني أنا كإنسان استخدم عقلي طبعاً أن أقول: “الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل” وعندما أرى مثل هذه الوديان الكونية التي تمتد لمليارات الكيلومترات طبعاً يعني أرضنا لو وضعناها ضمن هذا السديم لن نراها طبعاً (لا تُرى) ستتحول إلى ذرة صغيرة.. مليارات الكيلومترات من الوديان والمنحدرات الشديدة والجبال وكذا… هذا يشهد على دقة واتقان الصناعة (صناعة مُتقنة).. لذلك الله سبحانه وتعالى ماذا قال عندما تحدث عن الجبال على الأرض؟ {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل:88] بالفعل هذا الإله العظيم الذي حدَّثنا عن دقائق الأمور ودقائق الكون وحركة الجبال وهذا النظام الكوني.. لابد أنَّه يعلم ما نفعل وخبيرٌ بأدق الأمور التي نفعلها.
لذلك مثل هذه الصور الكونية تدعوني أنا كإنسان كما قُلت لك: إنسان أستخدم عقلي.. إنسان أُفكر بمنهج علمي.. أن أقول: فعلاً هناك إله عظيم.. خالق.. مُقدِّر.. صانع.. مُتقن (صنع الله الذي أتقن كل شيء) وأنَّ هذا الإله يستحق العبادة.. وأنَّ ما جاء في القرآن هو الحق لأن كل آيات القرآن إذا قرأناها نجد أنها تتفق بنسبة مئة بالمئة مع الحقائق العلمية وليس مع النظريات والفرضيات.. لا مع الحقائق العلمية.. لذلك الله سبحانه وتعالى عندما أمرنا أن نتفكَّر في الكون ونبينا كان يتفكَّر في السماء عليه الصلاة والسلام {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191].
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المتفكرين.. الطائعين له وأن يرضى عنا وعنكم جميعاً وأن يكون هذا التفكَّر هو وسيلة للوصول إلى الله ومرضاته سبحانه وتعالى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
بقلم عبدالدائم الكحيل
يمكنكم مشاهدة هذا الفيديو: