كيف نكسب محبة الله لنا؟ وكيف نتعرف إلى الله أكثر؟ وكيف نكون مِمَن رضي الله عنهم؟
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين وصلى الله على حبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الحقيقة هذه أسئلة ثلاثة جاءتني وأحببت أن أختصر الإجابة في هذه الدقائق القليلة.. فاستمعوا معي جيداً رجاءً.
أسهل شيء ورجاءً انتبه وأنا سأسوق لك مع كل كلمة دليلاً من القرآن.. لن أتحدث بكلمة واحدة من تلقاء نفسي.. أسهل شيء.. أسهل عمل يمكن أن تقوم به هو أن تكسب محبة الله تبارك وتعالى.. خُذ هذا المثال: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134].. أنت إذا تحدَّثت بكلمة طيبة مع إنسان مع زوجتك مع جارك هذا نوع من الإحسان.. أنت إذا صبرت على أذى زوجتك أو أذى جارك أو أذى شخص تعمل معه وصافحت عنه وسامحته وتبسمت في وجهه هذا نوع من الإحسان يُدخلك داخل دائرة محبة الله سبحانه وتعالى.. العملية بسيطة فقط أن تُغيّر نظرتك للأمور.. نحنا كلنا نعفو وكلنا نسامح وكلنا نتحدَّث بكلام طيب ولكن لا يخطر ببال معظمنا أن مثل هذه الأعمال البسيطة والسهلة قد ترفعك عند الله درجات عالية جداً.
النبي عليه الصلاة والسلام يؤكد أن الكلمة الطيبة التي ترضي الله تعالى ترفع الإنسان عند الله درجات عالية في الجنة بل قد يدخل الإنسان الجنة بكلمة طيبة وكلمة خبيثة يلقيها يؤذي بها الناس قد تهوي به في جهنم سبعين خليفاً والعياذ بالله كما في الحديث النبوي الشريف.
طيب يعني انا أستغرب مٍمَن يلحثون وراء رضى البشر ومحبة البشر لهم وإرضاء البشر ويغفلون تماماً عن رب البشر سبحانه وتعالى الذي بيده روحك.. بيده نفسك.. بيده حياتك.. بيده رزقك ومستقبلك ومصيرك.. هو الذي خلقك قادر أن يُعذبك وقادر أن يغفر لك {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} [العنكبوت:21]… إذاً الإحسان أحد أبسط وأسهل الأساليب التي تقترب بها كثيراً من الله لأن الله يحب المحسنين.
الأسلوب الثاني: الصبر وأقول لك من جديد بالفعل كلنا يصبر وكلنا يضغط على نفسه ليصبر على مصائب الدنيا.. تصبر على المرض على الوباء على أذى الآخرين… طيب الله تعالى يقول: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146] طيب إذاً القضية فقط غيَّر نظرتك اتجاه الصبر يعني بدلاً من أن تقول: أنا صبرت على أذى فلان مُضطراً.. مرغماً.. لا قُل كما قال سيدنا يعقوب.. ماذا قال؟ هل الله عز وجل كان يحب سيدنا يعقوب؟ نعم كان نبياً وابنه نبي وأبوه نبي وجده نبي عليهم السلام جميعاً.. طيب سيدنا يعقوب ماذا قال؟ لم يقل سأصبر فقط بل قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] عندما آذوه أولاده.. اتهموه بالضلال.. تخيَّل ابنك يقول عنك: إنك ضال.. ماذا قال إخوة يوسف (أبناء سيدنا يعقوب)؟ {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [يوسف:8].. تآمروا على قتل أخيهم.. الطفل المدلل المحبب إلى قلب أبيه يعقوب.. سيدنا يوسف تآمروا على قتله وألقوه في الجُب وكذبوا على أبيهم.. كل هذه المشاكل كيف عالجها سيدنا يعقوب؟ لم يقل فقط {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 18] ويذهب لا لا قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] سأستعين بالله على هذا الأذى.. سأستعين بالله سبحانه وتعالى وأصبر ابتغاء وجه الله عز وجل لأن سيدنا يعقوب يعلم أن الله يحب الصابرين.
لذلك سيدنا يعقوب ذكر الصبر وذكر معه اسم الله {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] هذا هو لسان حل المؤمن.. يعني أنت الآن وأنا وكل إنسان يتعرَّض لمصائب لابد.. مرض.. أذى.. نقص.. فقر.. غلاء.. ضيق رزق.. ضيق عيش… كل هذه المصائب وبلاء وابتلاءات.. بدلاً من أن تذهب وتشكو للناس ربَّ الناس.. تشكو الله لعباده.. تقول: أنا رزقي ضيق.. أنت لم تدرك الحكمة من تضيق الله عليك {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد: 26] عندما يُقدر عليك رزقك يجب أن تحمد الله.. يجب أن تعلم أن هناك خيرٌ سيأتي.. سيدنا يعقوب لم يفقد الأمل.. ابنه غاب كما في بعض التفاسير أربعين سنة وثقته بالله تزداد بعد أن يأس الجميع من إيجاده قال: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].. انظروا الله يكره اليأس.. القرآن يعتبر أن اليائس كافر {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87] فلذلك كل هذه الابتلاءات التي مرَّ بها سيدنا يعقوب بقيَّ صابراً محتسباً بعيداً عن غضب الله.. لم ييأس.
ما هذه القوة التي تمتع بها أنبياء الله؟ لذلك هؤلاء الأنبياء كانت دعوتهم مستجابة وليس كما نرى اليوم.. ندعو فلا يستجاب لأن قلوبنا تعلَّقت بالدنيا وتركت ربَّ الدنيا سبحانه وتعالى.
الإحسان والصبر.. {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4] التقوى هي وسيلة لمحبة الله.. انظر سأقول لك باختصار القرآن فيه مجموعة كبيرة من التعاليم.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] إذا خفت من عذاب الله وعملت حساباً لليوم الآخر والوقوف بين يدي الله هذا هو التقوى وعملت أعمال صالحة تتقي بها نار جهنم.. ماذا قال سيدنا يوسف في آخر قصة يوسف؟ عندما كان هو على العرش وإخوته كانوا في منتهى الذُّل والضعف {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف: 91] كيف وصل سيدنا يوسف من الجُب إلى عرش المُلك؟ ماذا قال لهم؟ قال: الله لا يتصرف عشوائياً.. الله لم يؤثرني عليكم لشيء عشوائي.. لا {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90].
فالتقوى والصبر تدخلك في عالم المحسنين والله يقول: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] إذاً أنت دخلت في محبة الله.. طيب هذه التعاليم الكثيرة في القرآن إذا قراءتها أنت تتعرَّف على القرآن.. كيف أعرف الله؟ بتعاليم القرآن ولكن أحدنا يشغل نفسه هنا وهنا وكلام فارغ لا يستفيد منه شيئاً.. للأسف معظمنا يضيع وقته في كلام لن ينفعك أمام الله.. لن تستفيد منه شيء لحظة الموت عندما يأتي مَلَك الموت.. لن تستفيد من هذا السلوك الدنيوي شيئاً.. هذه التعاليم إذا طبقتها أنت تعلم مَن هو الله.. تعلم عدل الله وحكمته وحبه لك.. يعني الله عندما حرَّم عليك الخمر.. حرَّم عليك الزنا.. حرَّم عليك الميسر (القمار).. حرَّم شهادة الزور.. حرَّم النميمة والتجسس والغيبة وحرَّم هذا السلوك الخاطئ لماذا؟ ليضمن لك الحياة السعيدة لأنه يحبك.. أنت إذا رأيت سلوكاً خاطئاً من ابنك تنصحه وتقول له: لا تفعل كذا… حرصاً وحباً له.. أما الغريب ربما لا يعني كثيراً إن أخطأ أو حصل معه أي شيء.. فالله يحبنا ولكن يريد منا أن نبادله هذا الحب ولله المثل الأعلى طبعاً.. محبة الله لنا هي الرحمة والمغفرة والكرم.. محبتنا لله هي طاعة الله.. أن تطيع الله بكل ما أمره.
إذاً أنا أستطيع أن أتعرف إلى الله من خلال تطبيق ما أمرني الله.. عندما أدرك هذه المعلومات فإننا نقول: الحمد لله.. يعني ولله أنا شخصياً أُحس أنني شديد التقصير مع الله.. هذا إحساسي لأنني أدركت أن هذا الإله العظيم يعطي عباده أكثر بكثير مما يسألونه وأكثر… ولكن النعم كثير من الناس لا يشعرون بها للأسف الكل ينظر للنعم على أنها شيء مادي.. النعم على راسها نعمة الإيمان بالله سبحانه وتعالى فأنت عندما تطبق تعاليم القرآن تعلم من هو الله وعندما تطبق تعاليم القرآن تكسب محبة الله سبحانه وتعالى وعندما تسأل الله وتناجي هذا الإله العظيم.. طبعاً مناجاة الله عن جهل ربما تريدك المهالك.. يعني هناك جهلاء تأمر بقطع الرحمة.. يا رب افعل كذا بفلان.. يا رب… الله لا يرضى بذلك.. الله أمرك بالعفو والتسامح قال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22].. يأتي إنسان يدعو على فلان كذا وحقد وغل.. أنت إذاً لم تطبق منهج الله.. أمرك بالصبر لم تصبر أنت لم تطبق منهج الله وبالتالي خرجت خارج محبة الله.. أي شيء أمرك الله به اعتبر أنه يقربك إلى الله حتى على مستوى الطعام.. سأختم بهذا المثال: الطعام.. أنا الآن تناولت الطعام قبل قليل فنظرت فقلت: الله عز وجل يقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31] فأنا خفت أن أُسرف.. أنا إذا شربت أكثر وأكلت أكثر فإنني سأخرج خارج دائرة محبة الله {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31] وبالتالي توقفت عن الطعام أي أخذت حاجتي وتوقفت.. أنا عندما تذكرت الآية وطبقتها أخذت أجراً على ذلك مع العلم أنني آكل وأنت تأكل والآخر يأكل ولكن هو تغيير نظرة فقط.. غيَّر نظرتك للأمور يعني المرض شيء سيئ الكل يعتبره سيئاً.. إذا نظرت للمرض على أنه بلاء من الله ليرفعك درجات عالية عندها ستحب المرض وتقول: الحمد لله وأنت راضٍ مع العلم أن نفس الألم ونفس المرض.. ولكن عندما تتذمر وتشكو فقدت أجرك وعشت حياة تعيسة والألم نفسه لم يتغير بينما عندما تفاءلت وصدَّقت كلام النبي الذي قال.. ملخص حديث النبي: أن الله إذا حبَّ عبداً ابتلاه وأن الله يكتب للعبد منزلةً عالية عنده لا يبلغها بعمل فيبتليه بما يكره.. يصيبه بالبلاء حتى يُبلغه تلك المنزلة.. طيب هذا المرض هو وسيلة لأن أبلغ منزلة عالية عند الله.. لماذا أنا حزين؟ لا أنا أفرح وأقول: الحمد لله وكشف الضُر هو لله {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ…} [يونس:107] المرض هو ضُر.. نوع من أنواع الضُر.. {فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس:107].
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يدخلنا في رحمته.. أن يدخلنا في عباده الصالحين.. أن يلهمنا أعمالاً تكسبنا محبة الله عز وجل وأن نلقاه جميعاً إن شاء الله وهو راضٍ عنا.
أختم بهذه الآية الكريمة التي أنا يعني دائماً أكررها {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:5-6].
والحمد لله رب العالمين.
بقلم عبدالدائم الكحيل
يمكنكم مشاهدة هذا الفيديو :