سوف نتأمل اليوم المضخة العجيبة: قلب الإنسان… ونجيب عن سؤال مهم: هل القلب هو مجرد مضخة بالفعل.. أم أنه يلعب دوراً مهماً في التفكير والعقل والعادات والسلوك والمشاعر والعواطف.. وماذا حدث لبعض من أجروا زراعة القلب… وكيف تأثروا بالقلب الجديد…
أول مرة دقّ قلبك عندما كان عمرك 21 يوماً وأنت جنين في بطن أمك..
في ذلك الوقت خلق الله لك قلباً نابضاً سوف ينبض فيما بعد في المتوسط 100 ألف مرة في اليوم الواحد. ويدق 40 مليون مرة كل سنة، 3 مليار نبضة في كامل الحياة.
القلب يدق سبعين مرة في الدقيقة ويضخ بهذه النبضات أكثر من 7000 لتر من الدم في اليوم الواحد إلى جميع إنحاء الجسم. ولو مددنا شبكة الأوعية الدموية التي يجري فيها الدم ستبلغ بحدود 100 ألف كيلومتر… وهذه المسافة تعادل محيط الأرض مرتين ونصف.
يزن قلب الإنسان في المتوسط بين 250 و 300 غرام ويضخ نحو 4.5 لترات من الدم عبر الجسم.
ولكن ماذا عن أكبر كائن على وجه الأرض… ما هو حجم قلبه وكم يضخ من الدم؟
دعونا نقارن بين قلب الإنسان وقلب الحوت الأزرق
إن قلب أكبر حيوانات الأرض (الحوت الأزرق) يزن حوالي نصف طن ويضخ نحو 8500 ليتر عبر جسم الحوت الضخم… قلب هذا الكائن بحجم غرفة!
القلب ذاتي الحركة وله مولده الكهربائي المستقل
قلوبنا تولد نبضات كهربائية ذاتية خاصة بها، وبالتالي بإمكان القلب الاستمرار في النبض والحركة ذاتيا بغض النظر عن الجسم، وكل ما يحتاج إليه هو بعض الأكسجين الضروري فقط.
هل تؤثر الابتسامة على أداء القلب؟
أظهرت دراسات جديدة أن التبسم يعمل على استرخاء جدران القلب، وهذا يحسّن الدورة الدموية في الجسم كله، ومن هنا ندرك لماذا كان نبينا عليه الصلاة والسلام كثير التبسم.
طاقة تغطي رحلة بين الأرض والقمر والعودة
ينتج القلب كل يوم ما يكفي من الطاقة للسماح لشاحنة بقطع مسافة 32 كيلومترا.
ومع متوسط عمر 70 عاما، فإن طاقة القلب خلال العمر تكفي لمسير شاحنة مسافة تعادل المسافة بين الأرض والقمر مرتين.
لو قمنا بوصل شبكة الأوعية الدموية في جسم الإنسان.. فإن القلب يغذي آلاف الكيلو مترات من الأوعية الدموية
يحتوي جسم الإنسان البالغ – من رأسه حتى أخمص قدميه – على حوالي 100 ألف كيلومتر من الأوعية الدموية المنتشرة بين أنسجته، وتزويد هذه الأوعية بالدم مهمة شاقة على القلب القيام بها على أكمل وجه.
الآن هل القلب هو مجرد مضخة… أم أكثر من ذلك؟ هذا السر كشف جزءاً منه الدكتور Andrew Armour المتخصص في طب القلب العصبي في جامعة مونتريال يقول:
صورة غلاف كتاب أندرو أرمور
إن للقلب نظاماً خاصاً به في معالجة المعلومات القادمة إليه من مختلف أنحاء الجسم، ولذلك فإن نجاح زرع القلب يعتمد على النظام العصبي للقلب المزروع وقدرته على التأقلم مع المريض.
أثبتت الأبحاث الرائدة في مجال طب القلب العصبي أن القلب هو عضو حسي ومركز متطور لترميز ومعالجة المعلومات، مع نظام عصبي داخلي واسع النطاق متطور بما يكفي ليكون مؤهلاً كـ “دماغ القلب”.
أما البرفسور Gary Schwartz اختصاصي الطب النفسي في جامعة أريزونا، فيعتقد أن للقلب طاقة خاصة بواسطتها يتم تخزين المعلومات ومعالجتها أيضاً.
صورة الدكتور غاري شوارتز
وبالتالي فإن الذاكرة ليست فقط في الدماغ بل قد يكون القلب محركاً لها ومشرفاً عليها. قام الدكتور غاري ببحث ضم أكثر من 300 حالة زراعة قلب، ووجد بأن جميعها قد حدث لها تغيرات نفسية جذرية بعد العملية.
يقول الدكتور Schwartz قمنا بزرع قلب لطفل من طفل آخر أمه طبيبة وقد توفي وقررت أمه التبرع بقلبه، ثم قامت بمراقبة حالة الزرع جيداً. ولكن ماذا حدث للطفل بعد ذلك.. هل بقي كما هو أم حدث شيء غريب معه؟
تقول هذه الأم: “إنني أحس دائماً بأن ولدي ما زال على قيد الحياة، فعندما أقترب من هذا الطفل (الذي يحمل قلب ولدها) أحس بدقات قلبه وعندما عانقني أحسست بأنه طفلي تماماً، إن قلب هذا الطفل يحوي معظم طفلي”!
والذي أكد هذا الإحساس أن هذا الطفل بدأ يظهر عليه خلل في الجهة اليسرى، وبعد ذلك تبين أن الطفل المتوفى صاحب القلب الأصلي كان يعاني من خلل في الجانب الأيسر من الدماغ يعيق حركته، وبعد أن تم زرع هذا القلب تبين بعد فترة أن الدماغ بدأ يصيبه خلل في الجانب الأيسر تماماً كحالة الطفل الميت صاحب القلب الأصلي.
تقول المعالجة النفسية Linda Marks بعد عملها لمدة عشرين عاماً في مركز القلب: من الحالات المثيرة أنه تم زرع قلب لفتاة كانت تعاني من اعتلال في عضلة القلب،
ولكنها أصبحت كل يوم تحس وكأن شيئاً يصطدم بصدرها فتشكو لطبيبها هذه الحالة فيقول لها هذا بسبب تأثير الأدوية، ولكن تبين فيما بعد أن صاحبة القلب الأصلي صدمتها سيارة في صدرها وأن آخر كلمات نطقت بها أنها تحس بألم الصدمة في صدرها.
مئات ومئات الحالات التي حدثت لها تغيرات عميقة، فقد غرقت طفلة عمرها ثلاث سنوات في المسبح المنزلي، وتبرع أهلها بقلبها ليتم زراعته لطفل عمره تسع سنوات، الغريب أن هذا الطفل أصبح خائفاً جداً من الماء، بل ويقول لوالديه لا ترموني في الماء!!
حتى هذه اللحظة لم يستطع الأطباء تفسير هذه الظاهرة، لماذا حدث هذا التحول النفسي الكبير، وما علاقة القلب بنفس الإنسان ومشاعره وتفكيره؟ يقول البرفسور Arthur Caplan رئيس قسم الأخلاق الطبية في جامعة بنسلفانيا: “إن العلماء لم يعطوا اهتماماً لهذه الظاهرة، بل إننا لم ندرس علاقة العاطفة والنفس بأعضاء الجسم، بل نتعامل مع الجسم وكأنه مجرد آلة”.
يقول الدكتور بول برسال Paul Pearsall إن القلب يحس ويشعر ويتذكر ويرسل ذبذبات تمكنه من التفاهم مع القلوب الأخرى، ويساعد على تنظيم مناعة الجسم، ويحتوي على معلومات يرسلها إلى كل أنحاء الجسم مع كل نبضة من نبضاته. ويتساءل بعض الباحثين: هل من الممكن أن تسكن الذاكرة عميقاً في قلوبنا؟
إن القلب بإيقاعه المنتظم يتحكم بإيقاع الجسد كاملاً فهو وسيلة الربط بين كل خلية من خلايا الجسم من خلال عمله كمضخة للدم، حيث تعبر كل خلية دم هذا القلب وتحمل المعلومات منه وتذهب بها إلى بقية خلايا الجسم، إذن القلب لا يغذي الجسد بالدم النقي إنما يغذيه أيضاً بالمعلومات!
ومن الأبحاث الغريبة التي أجريت في معهد “رياضيات القلب” HeartMath أنهم وجدوا أن المجال الكهربائي للقلب قوي جداً ويؤثر على من حولنا من الناس، أي أن الإنسان يمكن أن يتصل مع غيره من خلال قلبه فقط دون أن يتكلم!!!
ماذا عن أبحاث معهد رياضيات القلب
أجرى معهد رياضيات القلب العديد من التجارب أثبت من خلالها أن القلب يبث ترددات كهرطيسية تؤثر على الدماغ وتوجهه في عمله، وأنه من الممكن أن يؤثر القلب على عملية الإدراك والفهم لدى الإنسان. كما وجدوا أن القلب يبث مجالاً كهربائياً هو الأقوى بين أعضاء الجسم..
يتحدث بعض الباحثين اليوم عن دماغ في القلب، يؤكدون أن القلب له نظامه العصبي الخاص به، وهو نظام معقد يبث مع كل دفقة دم عدداً من الرسائل والمعلومات لجميع أنحاء الجسد، وله نظام كهربائي معقد وله طاقة خاصة به، وله مجال كهرطيسي أقوى بمئة مرة من الدماغ!!
وأخيراً
يقول تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46].
بقلم عبدالدائم الكحيل
يمكنكم مشاهدة الحلقلة علي اليوتيوب:
لمشاهدة جميع حلقات برنامج علم وتأمل الموسم الأول من الرابط: