» أسرار الإيمان واليقين

مهما غفلت معك الله..ولكن انتبه إلى هذا الأمر الخطير

ما هو هذا الأمر الخطير الذي أحببت أن أحدثك عنه اليوم والذي وللأسف نسبة كبيرة جداً من المسلمين غافلون عنه تماماً (منشغلون بغيره)؟….

بسم الله الحمن الرحيم

مهما غفلت عن الله اعلم أن الله معك ولكن رجاءً انتبه إلى هذا الأمر الخطير جداً.. إذا راعيت أمراً واحداً فقط سيكون الله معك دائماً والله مع عباده لا يتركه {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4].. ما هو هذا الأمر الخطير الذي أحببت أن أحدثك عنه اليوم والذي وللأسف نسبة كبيرة جداً من المسلمين غافلون عنه تماماً (منشغلون بغيره)؟

هذا الأمر هو نسيان الله تبارك وتعالى.. عندما تنسى الله تُفتح أمامك أبواب الشر.. عندما تنسى أن الله يراك سوف ترتكب الفاحشة دون أن تتذكر أو تخاف أو ترتدع.. عندما تدعوك نفسك لمشاهدة مقطع إباحي مثلاً اعلم أنك في هذه الحالة أنت نسيت وجود الله معك والله قريب منك {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] انظر الله أقرب إليك من نفسك.. لكي تتصور معي خطورة هذا الأمر الذي يستخف فيه كثير من الناس يتسخفون بموضوع نسيان الله عز وجل.. عندما تجلس مثلاً في مكان عام ويراك الناس هل يمكن أن ترتكب عيباً أو خطأً أو ترتكب فاحشة مثلاً أو تسرق أو ترتكب أي شيء الناس يشاهدونك ويراقبونك وأنت تفعله؟ طبعاً لا.. اللص يعمل في الظلام في غياب الناس.. مَن يريد أن يشاهد مقطع إباحي تجده يدخل ويختبئ ويختفي ليأمن من الناس ولكن الله معك.. في نفس المكان الله عز وجل موجود معك فأنت في هذه الحالة نسيت أو تناسيت وجود الله لأن الإنسان الذي نسي أن الله موجود وقريب منه فعلاً يمكن أن يفعل أي شيء.. الذي يضبط سلوكك في هذه الدنيا أن تشعر بمراقبة الله لك يعني مثلاً أحدنا قد يختلس نظرة لإمرأة جميلة وعندما ينظر إليه الناس يحاول أن يعدل نفسه ويُلهمهم أنه لا ينظر إليها.. انظر هنا ماذا قال الله سبحانه وتعالى هذه الآية الرائعة:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] والغض كما قلنا أن تنشفف/تجفف منابع الشر من عينيك وغيض الماء يعني جف.. كأن الله يريد أن يقول لك: جفف عينيك من أن تنظر إلى ما حرم الله.. {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] انظر معي هنا ودقق على هذه الخاتمة لهذه الآية ماذا قال الله تعالى ليُشعرك بمراقبته وأنه معك {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30] لم يقل: “بما يعملون”.. لم يقل: “بما يفعلون”.. لم يقل: “بما ينظرون” لا قال: {يَصْنَعُونَ} لماذا؟ لأن عملية اختلاس النظر يحتاج إلى صنعة.. تحتاج إلى مراقبة للناس.. تراقب هل يراك الناس؟ هل يراك أهل هذه الفتاة؟ قد تكون متزوجاً مثلاً وأنت تنظر إليها فهناك تصنع وصنعة تقوم بها وأعمال لتتدارك أن يراك أحد ولكن الله {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30].. في هذه الحالة أنت عندما تنظر إلى ما حرَّم الله أنت تنسى وجود الله.

لذلك أنا لماذا قُلت: إن القضية خطيرة جداً؟ لأن وضع حجاباً بينك وبين الله وتنسى مراقبة الله لك وتنسى أن الله قريبٌ منك سيفتح لك أبواب الشر {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} [الأنعام:44] انظر إلى عواقب النسيان {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} [الأنعام:44] بماذا ذُكروا؟ بنعم الله.. نسيت نعم الله عليك.. نسيت أن هذا البصر أكرمك الله به لتحفظه ولتستخدمه في الخير وليس في الشر وليس في النظر إلى حرمات الناس.. {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:44] يائسون مثل إبليس.. سُمي إبليس لأنه يأس من رحمة الله {مُبْلِسُونَ} يائسون.. انظر إلى هذه النتيجة الخطيرة.. أين كنا وأين أصبحنا؟ فقط نسيان {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا} [الأنعام:44] عندما تنسى أن الله موجود.. الله يُسلمك للدنيا.. تُفتح أمامك أبواب الدنيا.. أبواب الشر.. أبواب الشهوات.. أبواب المال.. أبواب اللهو حتى عندما تفرح وتقول أنا بقوتي وبعلمي وبذكائي وببديهتي وبتدبري وبكذا… استطعت أن أحصل على هذا الرزق وأن أحصل على المال وأن أصبح كذا وكذا… {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} [الأنعام:44] يأتيك الموت مُباغت (فجأة) تخيل أن إنساناً ييأس من رحمة الله متى؟ لحظة الموت حيث لا ينفع الندم.. هناك موقف في جهنم والعياذ بالله.. تخيل أن الله ينسى إنساناً في نار جهنم {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} [الأعراف:51] .

عندما يدخل أصحاب النار في هذه النار ويعذبون وللمبالغة في تعذيبهم الله يجعلهم ينظرون إلى نعيم أهل الجنة وهذا ربما أسوء من عذاب النار.. أن ترى إنسان يُنعم { وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:50] انظر إلى هذا الجواب الصادم القاسي.. أن تطلب قطرة ماء فيُقال لك: { إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:50] محرم أي نوع من أنواع النعيم ولا يُخفف عنهم العذاب والعياذ بالله.

طيب ما هي الجريمة التي ارتكبوها؟ انظر معي {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ* الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأعراف:50-51] ماذا؟ { فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [الأعراف:51] يا لطيف.. يعني تخيل للحظة أنك تمارس هذا اللهو.. هذا العبث وتستخف بكل شيء وتنسى لقاء الله.. لوجئنا بكثير من الناس اليوم وقلنا لهم: رتب أولوياتك/اهتماماتك: سيقول لك: الصحة والمال والتعليم والبيت والزواج والأولاد وكذا… أنا واثق كثير من الناس لن يضع لك لقاء الله بين أولوياته لأنه غافل (ناسي) {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} [العراف:51].. لذلك هنا القرآن يحذرنا في آية عظيمة.. من خطورة أن تنسى الله أن تكونوا كالذين { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19].. ومَن هؤلاء الفاسقون؟ هم جماعة إبليس {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34] أول فاسق في التاريخ هو إبليس فأنت ستكون معه يوم القيامة فقط هو عمل بسيط يعني العمل الذي تقوم به.. نسيان الله يقابله عمل سهل أن تتذكر وجود الله.. هل هذا صعب؟ يعني أنت إذا كنت موظف في شركة وقيل لك: إن مدير هذه الشركة أو صاحب العمل لا أريد إنه بقربك.. قيل لك: هو يراك ان من خلال كاميرا ليس موجوداً معك.. صدقني ستشعر كل سلوكك منضبط لأنك تعلم أنه يراك وهو بشر.

طيب كيف إذا كان الله يسمعك ويراك ويعلم ما في نفسك {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] يعني تخيل أن الله يعلم كل شيء عنك ثم تتجاهل وتتناسى وتغفل فالنتيجة أن أبواب الدنيا ستُفتح أمامك أبواب الدنيا ثم تُؤخذ بغتةً (يأتيك الموت بغتة).

لذلك إذا أردت أن يكون الله معك في كل لحظة يستجيب دعائك.. يحفظك.. يحميك من الشر.. يرشدك للحق.. يهديك للرزق.. يهديك للكلام الصحيح.. يهديك للسلوك الصحيح… إذا أردت كل هذا إجراء بسيط فقط.. أحدث في حياتك تغيراً بسيطاً أن تتذكر إن الله موجود معك يعني أنا الآن أتكلم معكم.. أنا أعلم الله قريب مني ويراني ويسمعني ويعلم ما في قلبي حتى.. إذا ذهبت للنوم أعلم أن الله يراني ويسمعني.. إذا بدأت بالطعام أعلم أن الله يراني ويعلم ما بي.. إذا بعت سلعة أعلم أن الله يراني فأخاف أن أغش.. أخاف أن أكذب.. أخاف أخدع الناس.. أخاف أن أظلم.. انظر قضية خطيرة جداً أن تتذكر وجود الله معك وهذا هو حال الأنبياء.. الأنبياء لم يغفلوا لحظة عن الله سبحانه وتعالى وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام هو سيد الأنبياء وخاتم المرسلين كان أكثر الناس ذكراً لله في كل ثانية يذكر الله.. إذا أراد أن يأكل يذكر الله.. إذا شبع يذكر الله “الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وأكسانا”.. إذا دخل إلى الخلاء أو الحمام “اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث” يتذكر أن الله يراه فيستعيذ به.. يلتجأ إليه من شر الشيطان (الخبث والخبائث) يعني الشياطين وأزواجهم.. إذا أراد أن ينام “اللهم إني توكلت عليك وأسلمت نفسي إليك” (أذكار النوم).. إذا دخل السوق “اللهم إنني أسألك خيرها وخير ما خُلقت لها وأعوذ بك من شرها وشر ما خُلقت منه” في كل لحظة له ذكر عليه الصلاة والسلام.. ماذا يدل هذا؟ يدل على أنه كان يتذكر وجود الله في كل حال.

فإذاً القضية بسيطة فقط غير حياتك وقُل في نفسك: “أنا منذ هذه اللحظة سأتذكر أن الله يراني في كل لحظة” كما قال لسيدنا موسى وهارون عليه السلام: { إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46].

نسأل الله عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


بقلم عبدالدائم الكحيل

 

يمكنكم مشاهدة هذة الحلقة

تحميل كتب الإعجاز العلمي

صفحتنا الجديدة على فيس بوك