هل المؤمن خُلق ليُبتلى؟ خُلق ليعيش فقيراً ويعاني من المصائب والشدائد والمشاكل؟ بينما الذين لا يؤمنون بالله نجدهم يتنعمون ويخترعون ويمارسون الرفاهية ويعيشون حياة آمنة مطمئنة.. طيب هل هذا حال المؤمن؟………..
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد النبي الأمي وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
وردني سؤال عن البلاء.. هل المؤمن خُلق ليُبتلى؟ خُلق ليعيش فقيراً ويعاني من المصائب والشدائد والمشاكل؟ بينما الذين لا يؤمنون بالله نجدهم يتنعمون ويخترعون ويمارسون الرفاهية ويستغلون العلم ويعيشون حياة آمنة مطمئنة.. طيب هل هذا حال المؤمن؟ هل هذا الأمر صحيح؟ هل هذا الأمر صحي بالنسبة للمؤمن؟
طبعاً هناك بعض الذين نجدهم على اليوتيوب وغيره يقولون: أنت لم تُخلق من أجل البلاء.. يجب أن تغير الواقع بنفسك.. يجب أن تثق بقدراتك.. يجب أن تقوم أنت بالتغيير.. أنت مَن سيُحدث تغيير.. لا تستسلم حتى إن هؤلاء يكذبون الأحاديث الصحيحة التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام ويقولون: لا يمكن أن يكون حال المؤمن سيء أو في حالة صبر وحالة مشاكل وفقر وكذا وحال الكافر أفضل منه في الدنيا.
طبعاً هؤلاء الذين تسمعونهم عبر مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي يبيعونكم الوهم يعني مثل مَن يقول لك: كيف تصبح غنياً؟ كيف تكسب المال؟ كيف كذا؟… وبالنتيجة كل واحد لا يأخذ إلا ما كتبه الله له.. مهما عَمِل لن تأخذ إلا ما قدَّره الله لك.
دعوني أحل مشكلة البلاء.. مفهوم البلاء ما هو البلاء؟ إذا أردنا أن نفهم البلاء يجب أن نفهم لماذا نحن موجودون هنا في هذه الأرض؟ لماذا خُلقنا أصلاً؟ وماذا ينتظرنا بعد هذه الحياة؟
إذا أردت أن تركز نظرتك على الدنيا فقط وتكون من أصحاب الدنيا ومن أهل الدنيا.. يكون هذا الكلام صحيحاً: أنك يجب أن تسعى وتشغل وقتك في الدنيا وتفكيرك كله للدنيا.. تبني في هذه الدنيا وطبعاً ثم تموت ولا تدري ماذا سيحدث معك.. أما إذا كنت تريد الآخرة فالموضوع مختلف يعني نحن أمام معادلة بسيطة.. لدينا الدنيا التي قد تمتد لمئة سنة يعني قد يعيش أحدنا لمئة سنة.. هذه المئة سنة هي ساعة من ساعات يوم القيامة وليس من الآخرة لأن الآخرة ممتدة إلى ما لا نهاية وأي عدد مهما كبر أمام الا نهاية تصبح قيمته صفراً (لا قيمة له) لأن الا نهاية شيء لا نهائي وهي أكبر من أكبر عدد ممكن أن تتخيله.. فما بالك إذا كانت هذه الدنيا هي عبارة عن ساعة من ساعات يوم.. أنت ستقف خمسين ألف سنة.. أنا وأنت أمامنا يوم سنقف فيه 50 ألف سنة هو يوم الحساب.. طيب بالله عليكم أنا أشغل دماغي وتفكيري وحياتي بهذه الساعة التي هي الدنيا وأترك الخمسين ألف سنة التي سأقف فيها ولا أدري ما الذي سيصيبني وما الذي ينتظرني وماذا قدمت لذلك اليوم؟
لذلك الله تعالى قال: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152] يعني حدد موقفك.. تريد الدنيا أهلاً وسهلاً سيعطيك ويؤتيك الله كل ما تريد.. استمعوا إلى هذه الآية الخطيرة {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [هود:15] إذاً إنسان يريد زينة الحياة.. ما هي زينة الحياة والدنيا؟ القرآن يجيبنا في آية أخرى قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46].. إذاً إذا كنت تريد المال والأولاد.. كثرة الأولاد هنا ترمز للقوة أحياناً لكثرة العدد يعني أنت تريد القوة وتريد المال إذاً أنت تريد زينة الحياة الدنيا {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [هود:15] ما هي النتيجة؟ {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} [هود:15] إذاً ستأخذ حقك كاملاً لا تُبخس ولا شيء.. تريد أن تخترع الطائرات الله عز وجل مكَّن الإنسان من اختراع طائرات/من اختراع صواريخ.. تريد أن تخترع غواصات/ وسائل نقل/ وسائل اتصال/ وسائل تكنولوجيا رقمية… عندما فكرت بذلك وأردت ذلك الله قَدَّر لك ذلك ويسر لك هذا الأمر {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} [هود:15] ولكن ما هي النتيجة؟ يعني أنا حصلت على الدنيا وعلى المال وعلى القوة وعلى السلطة.. حصلت على هذه الأشياء طيب ما هي النتيجة؟ {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:16] لأن عملك هذا الذي أنت تعمله الآن من بناء واختراعات ومشاريع سيُدمر {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:26] أنت تعمل من أجل شيء سيُدمر فيما بعد لن يستمر إلى الأبد.
طيب أنا أريد الآخرة.. إذا أردت الآخرة رزقك الله الدنيا أيضاً.. هذه معادلة مهمة أيضاً.. لن تستطيع أن تستمتع بالدنيا.. المتعة الحقيقية والحياة الطيبة والسعادة الكاملة إلا إذا كان همك الآخرة.. انظروا الذين لديهم المليارات يقولون لك: أنا غير سعيد.. لديهم المليارات.. لديهم قوة وشهرة والمال.. غير سعيد… أحياناً نجد أحدهم يتبرع بثروته كاملة على أمل أن يشعر بالسعادة.. إذاً أنت لماذا أفنيت عمرك في التفكير في هذه الدنيا وجمع المال ثم وزعته هكذا؟
إذاً هنا ملمح خطير جداً يجب أن نوسع نظرتنا.. الذي يقول لك: أن هذه الدنيا ليست دار بلاء هذا يُناقض كلام الله {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:140] الله يقول لي ولك وله: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [المُلك:2] والبلاء ما هو البلاء؟
ربما يضلونكم في تعريف البلاء.. البلاء منه الجوع.. منه الفقر.. منه مصيبة الموت.. الظلم هذا بلاء.. الله تعالى يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} [البقرة:155] الخطاب لمَن هنا؟ للأغناء/للمشاهير أم للمؤمنين؟ {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ} [البقرة:155] أنت إذا كنت في موضع خوف.. تخاف من حاكم ظالم.. تخاف من المستقبل.. تخاف من المجهول.. تخاف من الفقر… {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155] طيب مَن هؤلاء الصابرين؟ {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} [البقرة:156] ماذا يقولون؟ طيب بالله عليكم هذا حديث الله وليس فلان أو فلان.. يبيعون الوهم للناس.. يبيعك الوهم ويعطيك جرعة زائدة من الحيوية والطاقة وتشعر أنك ملكت الدنيا ولكن وهم فارغ أنت لم تمتلك أي شيء.. مجرد كلام وطموحات لا تتحقق إلا بما قدره الله عليك أو كتبه الله لك.. {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156-157] هؤلاء الذين اختارهم الله للجنة يجب أن يصبروا ولا يوجد حل آخر.. {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} [فصلت:35] كل الأنبياء صبروا.. هل أنا أفضل من الأنبياء حتى أقول: أنا سأنعم بالدنيا وسأغير الواقع وسأعمل…؟ يعني هل أنا افضل من الأنبياء؟
لا أنا أريد أن أكون مثل هؤلاء الأنبياء.. أريد أن أكون مثل حبيبنا عليه الصلاة والسلام.. أكثر الناس أذي في الله هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم.. أكثر الناس صبر وتحمل هو النبي صلى الله عليه وسلم.. {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} [الأنعام:10] النبي مضى على وفاته عليه الصلاة والسلام أكثر من 14 قرناً وحتى الآن يؤذى.. انظروا إلى الذين يستهزؤن بالنبي والقرآن ويشتمون النبي عليه الصلاة والسلام بكل وقاحة.. النبي يصله ثواب هذا الاستهزاء وهو حيٌّ في قبره صلى الله عليه وسلم.
إذا كان الأنبياء استهزئ به والأنبياء كانت صفة الصبر {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص:44] سيدنا أيوب.. صفة الصبر صفة عظيمة جداً تدخلك الجنة لذلك لا تنخدعوا بهذا الكلام الفارغ والشعارات.. دققوا وقارنوا هذا الكلام مع كلام الله {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:140] الله يريد الآخرة لا يريد الدنيا.. الله يريد الآخرة هذا بنص القرآن.. طيب أنا أريد الآخرة إذاً أنا يجب أن أعمل والرصيد الذي سأتزود به سينفعني في الآخرة وليس في الدنيا.. إذا تزودت بالمال المال سيفنى.. تزودت بالطعام ستتركه وتذهب.. بالعقارات ستترك كل شيء وتذهب… لا تأخذ معك إلا عملك الصالح {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197].
إذاً العبد الذي يبتليه الله كثيراً ثق تماماً هذا العبد يحبه الله.. هكذا يقول القرآن.. الملائكة ماذا تقول للمؤمنين الذين سيتدخلون الجنة؟ {سلامٌ عليكم بما بنيتم في الدنيا} {سلامٌ عليكم بما استمتعتم في الدنيا}؟ لا {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد:24] الصبر يكون على ماذا؟ يعني واحد إذا كان لديه كل شيء كيف يكون صابراً؟ الصبر على الزوجة السيئة.. الصبر على الظلم.. الصبر على نقص الأموال.. الصبر على موت قريب لك (ابن أو أخ أو أب).. الصبر على أذى الناس (استهزاء الناس)… كل هذه الأنواع من الصبر تجدها أمامك يوم القيامة فتقول لك الملائكة أثناء دخولك الجنة {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:24].
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الصابرين وأن يرزقنا الدار الآخرة {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت:39].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
بقلم عبدالدائم الكحيل
يمكنكم مشاهدة هذه الحلقة