إنها كلمة وردت في القرآن أثبت العلم أنها دقيقة جداً ومن المستحيل أن تأتي بالمصادفة …
في زمن الأصنام والأساطير.. وآلاف الآلهة.. في زمن نجد فيه كل مجموعة من الناس ينحتون إلهاً من الحجر.. ثم يعبدونه ويقدسونه.. ولذلك كان التفسير العلمي لأي ظاهرة مرتبط بهذه الآلهة.. ونجد حضوراً قوياً للخرافات في تفسير الظواهر الكونية… في زمن كهذا جاء رسولنا الكريم عليه السلام..
لقد كان همّه الأول أن يقنعهم بأن هذه الحجارة لا تضر ولا تنفع.. وأن للكون إلهاً واحداً هو الخالق المبدع تبارك وتعالى. وكان همّه أن يخلصهم من الخرافات ويخرجهم من الظلمات إلى النور.. وفي مثل هذه الظروف لا يمكن لعاقل أن يتخيل أن مثل هذا النبي الأمي عليه الصلاة والسلام جاء ليحدثهم عن نظريات في علم الفلك سوف يتم اكتشافها بعد أكثر من 1400 سنة!!!
إنها كلمة رائعة نجدها في كتاب الله تعالى لها عجائب لا تنتهي.. إنها كلمة (الحُبُك) في قوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات: 7] والتي تدل على ثلاثة معاني رئيسية وهي: الطرق – النسيج المحكم – أمواج الرمال، فكيف تطور فهمنا لهذه الكلمة وما هي اكتشافات العلماء التي تثبت صدق كتاب الله تبارك وتعالى؟
1- الحبك هي الطرق
في اكتشاف حديث تبين للعلماء أن الكون عبارة عن مجموعة من المجرات والنجوم والدخان والثقوب السوداء والنجوم الطارقة والنجوم اللامعة ومكونات أخرى… وجميع هذه المخلوقات تسير وتتحرك وتجري على مسارات محددة تشبه الطرق السريعة highways وكل الأجرام الكونية تتحرك حركة دقيقة جداً عبر هذه الطرق..
إذاً الحقيقة العلمية تؤكد أن السماء ذات طرق! وهذا ما أنبأ عنه القرآن قي قوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات: 7]. وقد فسر علماؤنا قديماً هذه الكلمة على أنها تتحدث عن طرق لا نراها ولكنها موجودة!
فهذا هو القرطبي والطبري وابن كثير وغيرهم من المفسرين قالوا: (الحبك) هي الطرائق وهي جمع لكلمة حبيكة. وبالفعل نحن نرى اليوم هذه الطرق التي لم يرونها من قبل، ولكنهم آمنوا بها لأن القرآن أنبأهم عنها.. فسبحان الله!
رسم بالسوبر كمبيوتر لجزء من الكون المرئي وتظهر المجرات وهي تتدفق عبر مليارات السنين على ما يشبه الطرق السريعة، هذه المجرات تتدفق بسرعة هائلة وتتجمع فيما يشبه العقد، ثم تنطلق منها طرق أخرى .. وهكذا.. وهذه الطرق هي ما سماه القرآن بالحبك، وهذه الكلمة تشهد على إعجاز القرآن الكريم.
هذا الرسم يمثل التدفق السريع للمجرات واتجاهاتها وكيف أن النظام هو الذي يحكم هذا الكون، لا مكان للفوضى، لا مكان للعبث، ولا مكان للعشوائية أو المصادفة.. ولذلك فإن الآية الكريمة (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات: 7] تعبر تعبيراً دقيقاً عن هذه الحقيقة التي تعتبر اليوم حقيقة يقينية. فكلمة (الحبك) تعني في هذه الحالة: الطرق.
2- الحبك تعني النسيج المحكم
لقد فسر العلماء هذه الكلمة أيضاً على أنها تدل على النسيج القوي والمحكم، فهذا هو القرطبي يقول في تفسيره: قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والربيع: ذات الخلق الحسن المستوي. وقاله عكرمة; قال: ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه; يقال منه حبك الثوب يحبكه بالكسر حبكا أي أجاد نسجه.
وبالفعل وجد العلماء ان كوننا المرئي عبارة عن نسيج شديد القوة والإحكام ولكن مادته المجرات، وخيوطه تمتد لملايين التريليونات من الكيلومترات، في نسيج محكم يشهد على عظمة الخالق المبدع سبحانه وتعالى.
وقد أظهرت أحدث الدراسات الكونية أن المادة المظلمة في الكون وهي تشكل نسبة عالية منه مع الطاقة المظلمة، وهي التي تتحكم بمصير المجرات، وتجبرها على التحرك باتجاهات محددة لتشكل نسيجاً كونياً رائعاً، لم يتم الكشف عنه إلا في القرن 21 ولكن القرآن كشفه لنا بكلمة واحدة هي (الحبك) فسبحان الله!
صورة للكون المبكر في بداية تشكله وقد بدأت المجرات الأولى تتشكل.. وربما معظم هذه المجرات غير موجود حالياً أو تغير شكلها أو مكانها مع مرور بلايين السنين، ولكن الذي تأكد منه العلماء أن هذه المجرات منذ بداية تشكلها تشكلت بطريقة منظمة وتشكل نسيجاً كونياً رائعاً وهو عبارة عن خيوط كونية عملاقة.. وهذه العملية المنظمة تؤكد عدم وجود مصادفات في هذا الكون.
صورة للخيوط الكونية التي تمتد لملايين السنوات الضوئية (كل سنة ضوئية تساوي تقريباً 10 مليون مليون كيلومتر)، ونرى آلاف المجرات وهي تظهر كنقاط مضيئة. فسبحان الذي أبدع هذا النسيج المحكم، بل وأنبأ عنه بكلمة واحدة بل وأقسم بهذه الظاهرة العجيبة: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات: 7]..
صورة للنسيج الدماغي مأخوذة بواسطة مجهر خاص يدعى fluorescence microscope وتظهر الخلايا العصبية للدماغ البشري وهي تشبه إلى حد كبير النسيج الكوني للمجرات، مع فارق بسيط وهو الحجم! والسؤال: ألا يدل هذا التطابق العجيب على أنه لا مصادفة في الكون، بل هو خالق واحد سبحانه وتعالى.. www.duke-nus.edu.sg
3- أمواج من الحبك
في عام 2014 تبين للعلماء أن الكون جاء نتيجة تضخم كبير أو توسع مفاجئ حدث قبل 13.7 مليار عام تقريباً، وبسببه نشأت النجوم والمجرات… والشيء الغريب أن هذا التوسع المفاجئ أطلق موجات تشبه تلك الخطوط التي ترسمها أمواج البحر على الشاطئ الرملي!
هذه الأمواج تميز السماء وتعتبر صفة مميزة لها اليوم، ونستطيع رؤيتها والتقاطها وتسجيلها من خلال مراصد فلكية متطورة، وتبين أن الأمواج التي أطلقها الكون في بداية تشكله ترسم خطوطاً ثلاثية الأبعاد ولكن أقرب شيء لها إذا أردنا أن نتخيل، هو الكثبان الرملية التي تضربها الرياح أو ما تتركه أمواج البحر على الشاطئ من أثر يشبه أنصاف الدوائر.
صورة للمرصد الفكي الذي يعمل على التقاط الأمواج الثقالية التي أطلقها الكون ولا زالت تسبح في الفضاء حتى يومنا هذا. هذا الاكتشاف شارك فيه آلاف العلماء منذ زمن آينشتاين (منذ مئة عام تقريباً) الذي تنبأ بالأمواج الثقالية (أمواج الجاذبية الكونية)، وجاء بعده علماء كثيرون أبرزهم: هابل، ستيفن هوكينغ.. ووكالات فضاء مثل ناسا والأوربية … ومختبرات كثيرة مثل مختبرات ماكس بلانك بألمانيا… ومئات العلماء والمختتبرات والوكالات ورواد الفضاء… كل هؤلاء على مدى مئة سنة ساهموا وتعبوا وأفنوا أعمارهم وتكلفوا المليارات في سبيل إثبات أن السماء بالفعل هي حبك، بكل ما تعنيه الكلمة.. فهل يدعي أحد أن هذه الكلمة جاءت عبثاً في كتاب الله تعالى!!
عندما يضرب ماء البحر هذه الرمال فإنه يرسم خطوطاً متجعدة تدعى باللغة الإنكليزية ripples هذه الخطوط المجعدة تشبه إلى حد بعيد الأمواج التي أطلقها الكون في بداية تشكله.
العجيب أن أحد أهم معاني كلمة (الحبك) هو هذه الخطوط المتشكلة على الشاطئ الرملي!! فهذا هو القرطبي يروي تفسيرة لكلمة (الحبك) فيقول: قال الضحاك: ذات الطرائق; يقال لما تراه في الماء والرمل إذا أصابته الريح حبك. ونحوه قول الفراء; قال: الحبك تكسر كل شيء كالرمل إذا مرت به الريح الساكنة، والماء القائم إذا مرت به الريح، ودرع الحديد لها حبك، والشعرة الجعدة تكسرها حبك. ولكنها تبعد من العباد فلا يرونها .
وهذا يعني أن العرب قديماً فهمت من هذه الكلمة أن للسماء صفة مميزة وهي هذه الأمواج المتجعدة على الشاطئ.. ولكن هذه الحبك تبعد عن العباد فلا يرونها..
هذه الخطوط ترسمها الرياح عندما تحتك بسطح الماء وهي ما تعرفه العرب منذ عصر الجاهلية بأنه: الحبك. وهذا الشكل يشبه شكل الأمواج التي أطلقها الكون، وأصبحت صفة مميزة لهذا الكون تستحق أن يقسم بها البارئ عز وجل، والله لا يقسم إلا بعظيم.. سبحانه وتعالى.
وأخيراً
أصبح لدينا ثلاثة معاني رئيسية لكلمة واحدة هي (الحبك) التي وصف الله بها السماء، 1- الطرق 2- النسيج 3- الأمواج.. والمعاني الثلاثة لم تكتشف إلا في القرن الحادي والعشرين، ولكن القرآن أنبأ عنها بكلمة واحدة هي (الحبك)! فهذه الآية نزلت في مكة المكرمة وفي أول ظهور الإسلام، فتصوروا أن نبينا عليه السلام في أول دعوته إلى الله ينبئهم بحقيقة علمية سوف يتم اكتشافها بعد أكثر من 1400 سنة!!
بالله عليكم، هل يمكن لإنسان عاقل أن يصدق أن محمداً عليه الصلاة والسلام جاء بهذه الكلمة بالمصادفة؟ أو أنه اخترع هذه الآية من تلقاء نفسه.. ليأتي علماء الغرب وبعد قرون طويلة ليكتشفوا مصداق ذلك؟ بل كيف تمكّن من العثور بين كلمات اللغة على كلمة واحدة تعبر بمنتهى الدقة عن حقيقة السماء؟!
إن هذه الكلمة تشهد على صدق كلام الله تعالى، وأن هذا القرآن هو الحق من عند الله، وأن محمداً هو رسول بلغ ما أوحاه الله إليه بأمانة وإخلاص.. فلذلك أقول لكل ملحد: أرجو أن تفكر طويلاً بهذه الكلمة وحاول ألا تخدع نفسك وتقول إنها مصادفة.. عسى الله أن يهدينا جميعاً إلى طريقه المستقيم.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
المراجع:
تفسير القرطبي
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=48&surano=51&ayano=7
تفسير الطبري
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=50&surano=51&ayano=7
A Dark Matter bridge in our cosmic neighborhood, http://www.aip.de/en/news/press/super-highway
Dark matter ‘highway’ funnels gas into galactic pileup, https://www.newscientist.com/article/dn17074-dark-matter-highway-funnels-gas-into-galactic-pileup/
http://www.theatlantic.com/science/archive/2015/11/finding-artifacts-from-the-early-universe/415851/
The Oldest Galaxies in the Universe, http://www.theatlantic.com/science/archive/2015/10/the-oldest-galaxies-ever-glimpsed/412300/
Ripples in the fabric of space-time, https://cosmosmagazine.com/physical-sciences