هل فكرت يوماً أن تنظر إلى جسدك كيف يبدو في حالة الفرح أو الحزن أو الحسد أو الحب أو الغضب مثلاً؟ دعونا نتأمل ….
فكرة عن البحث الجديد
في بحث جديد نشر في المجلة العلمية Proceedings of The National Academy of Sciences بتاريخ 31/12/2013 قام الباحثون من جامعة أولتو Aalto University بتصوير مجموعة من العواطف التي يقوم بها الإنسان لدى إحساسه بأشياء مختلفة.
واستخدم العلماء في هذه التجربة كاميرا حرارية تظهر الأجزاء الأكثر نشاطاً في الجسم بلون أصفر فاقع، والأجزاء الهامدة في الجسم تظهر بلون أزرق باهت.. دعونا نتأمل هذه الصور الحرارية التي أخذت لأشخاص ذوي أحاسيس متنوعة. حيث نلاحظ أن أجزاء محددة من الجسم “تتهيج” وتتأثر أكثر من غيرها عند الشعور بالخوف أو الفرح أو الحزن… وغير ذلك.. دعونا نرى..
صور لأشخاص تحت التجربة وتظهر الأجزاء النشطة في الجسم بلون أصفر والأجزاء الأقل نشاطاً بلون أحمر أما الأجزاء الهامدة فتظهر بلون أزرق وأسود.
إن الذي يتأمل الصور يلاحظ أن مشاعر الخوف تتركز في القلب، حيث نرى أن القلب ينشط بشكل كبير أثناء الخوف ويظهر بلون أصفر كما نرى.. وهنا نتذكر إشارة قرآنية رائعة للخوف والرعب.. قال تعالى: (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) [الأحزاب: 26]. فهذه الآية تؤكد أن القلب هو مركز الخوف وبالفعل كما رأينا في الصورة فإن مشاعر الخوف تثير نشاطاً كبيراً في القلب أكثر من أي جزء آخر من أعضاء الجسم.
الفرح والحزن
في الصورة نرى مشاعر الفرح تملأ جسم الإنسان. وهذا يعني أن الفرح شعور إيجابي ولكن الله تعالى حدد لنا طريقة الفرح الإيجابي فأمرنا أن نفرح برحمته. إن الفرح بحد ذاته شعور طيب ولكنه قد ينقلب إلى اكتئاب في حال التعرض لصدمات نفسية.
مثلاً أحد التجار ربح في صفقة تجارية وجنى أموالاً طائلة في زمن قصير فنجده يمتلئ فرحاً، وتتحسن حالته النفسية ويشعر بالسعادة، ولكن عندما يخسر هذا المال في صفقة ثانية فإن حالته النفسية ستكون صعبة جداً وقد يصاب بالاكتئاب كما حدث مع مليونير ألماني بعد أن خسر نصف ثروته فأقدم على الانتحار.. على الرغم من أنه يملك المليارات!!!
لذلك جاء الأمر الإلهي كما يلي: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58]. هذا هو الفرح الذي يريده الله من عباده.. أن نفرح برحمة الله، فمهما حدث لا نحزن لأن كل شيء يصيبنا هو من عند الله … كما قال تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: 51]… ولذلك نجد أن الالتزام بتعاليم القرآن يعطي المؤمن مناعية شديدة ضد الأمراض النفسية، فهو لا يحزن أبداً..
ولذلك نرى في الصورة السابقة أن شعور الحزن والاكتئاب يؤدي لكبت النشاط الجسدي وإصابة الإنسان بحالة من اليأس والخمول… وقد تنتهي بالأمراض مثل السرطان أو الجلطة الدماغية… وصولاً إلى الموت.. ولذلك جاء الأمر الإلهي (لا تحزن) ليتكرر سبع مرات في القرآن بنفس الصيغة، أي صيغة النهي، حيث نهانا الله تعالى عن الحزن.
القرآن يأمرنا ألا نحزن
قال تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل: 127-128]… إنها آية عظيمة ومليئة بالأمل.. تأمرنا ألا نحزن أو نكتئب، لأن الله معنا… وهنا أتذكر موقفاً لحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40].
كذلك فإن الأمر الإلهي للمؤمنين جاء أيضاً بصيغة النهي (لا تحزنوا) ثلاث مرات دائماً بهذه الصيغة، يقول تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139].. هذا في الدنيا ولكن ماذا عن لحظة الموت؟ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت: 30].. وكأن الله تعالى يريد أن يقول لنا إنه لا ينبغي لمؤمن أن يحزن أبداً حتى وهو على فراش الموت.. لأنه سيلقى الله عز وجل.. وأي شيء أجمل من لقاء الله؟!
مخاطر الحسد والغضب
في الصورة السابقة نلاحظ أن مشاعر الحسد هي مشاعر سلبية يصاب الجسم ببرود وقلة نشاط وإن كثرة الحسد تؤدي إلى الاكتئاب أيضاً.. ولذلك أمرنا الله أن نلجأ إليه ونطلب منه الحماية من شر أولئك الحاسدين.. قال تعالى: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) [الفلق: 5].
نرى مجموعة صور لأشخاص أثناء إحساسهم بمشاعر متنوعة مثل الاشمئزاز والحياء والفخر والقلق.. وكذلك صورة لإنسان يغضب (الصورة الأولى من أعلى اليسار) ويظهر عليه نشاط زائد في مناطق القلب والدماغ، ولكنه نشاط مدمر بعكس نشاط الفرح، فنجد أن القلب يتوتر والدماغ ينشط بشكل كبير وجميع أعضاء الجسم تستعد للمواجهة وتزداد نسبة السكر في الدم ويرتفع ضغط الدم… ولذلك فإن تكرار الغضب يشكل ضغطاً هائلاً على القلب مما يتسبب في جلطات دماغية مؤكدة أو موت مفاجئ.
كذلك فإن النبي الكريم ردد مراراً وتكراراً لذلك الأعرابي الذي سأله النصيحة فقال له: لا تغضب.. لا تغضب .. لا تغضب... ولا زال يكررها لينبهنا على خطورة الغضب.
لا تحزنوا.. تكرار عجيب
نرى في الصورة أيضاً مشاعر السعادة تتجلى في تنشيط كل مناطق الجسد، فالإنسان عندما يكون سعيداً فإن كل جزء ن جسده ينشط.. ولذلك فإن الإسلام حرص على سعادة المؤمن في كل التعاليم التي جاء بها، وأن كل من يتبع هدى القرآن لا يحزن ولا يخاف، قال تعالى: (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 38].. فلا حزن على ما مضى ولا خوف مما سيأتي.
ولذلك فإن عبارة (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) تكررت بحرفيتها 12 مرة في القرآن الكريم (بعدد أشهر السنة) ومثلها تكررت عبارة: لا تحزن (7 مرات) – لا تحزني: (مرتين) – لا تحزنوا: (3 مرات) المجموع 12 مرة.. هل هناك رسالة من وراء هذا العدد بالذات؟ كأن الله تعالى يريد أن يعطينا رسالة خفية إلى أن المؤمن لا يحزن أبداً طيلة أشهر السنة..
إن جميع كلمات الحزن في القرآن وردت بصيغة النهي أو النفي أي سبقت بكلمة (لا).. باستثناء آية قال الله فيها: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام: 33].. فهذه الآية تحدثنا عن حزن النبي في حالة واحدة فقط وهي تكذيب المشركين له.. أي أنه كان يحزن لله ويفرح لله.. وهذا درس مهم لنا نحن المسلمين أن نحزن لله فقط.
الغضب والحزن من أجل الله
فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم لم يغضب في حياته قط إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله، أي كان غضبه لله تعالى ورضاه من أجل الله وكان إذا أعطى أو أخذ أو تكلم أو فعل أي شيء.. كان هدفه هو الله تعالى.. فانظروا معي إلى هذه الحياة التي وهبها النبي لله تعالى، هل هناك أجمل منها؟
أخي المؤمن .. أختي المؤمنة..
ما أجمل أن تكون حياتك كلها لله عز وجل.. أن تشعر في كل لحظة أنك قريب من خالقك ورازقك سبحانه وتعالى، وأن تشعر بأنك تستمد قوتك من قوة الله، وأن تدرك تماماً أن الله معك ولن يتركك وسيرزقك ويمنحك العافية والسلامة.. ولكن بشرط أن تكون أنت مع الله في كل لحظة وألا تفقد الأمل من رحمة الله.. وسيكون الله معك فهو القائل: (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87]..
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
المراجع
How Emotions Are Mapped in the Body, http://www.sciencedaily.com/releases/2013/12/131231094353.htm