إذا أردنا أن نصل إلى الحقيقة الكاملة يجب أن يكون القرآن هو مرجعنا وإمامنا وطريقنا لليقين، وأن تكون الاكتشافات العلمية هي وسيلتنا لتدبر القرآن وليس العكس…. |
الذي دعاني لكتابة هذه السلسلة في نقد نظرية التطور ومحاولة الوصول إلى حقيقة الخلق من خلال القرآن الكريم، أنني كنتُ مقتنعاً بهذه النظرية إلى حد بعيد من الناحية العلمية. ولم يكن سبب اقتناعي هو الحقائق العلمية التي اطلعتُ عليها، إنما كثرة العلماء الذين يكتبون فيها وكثرة المجلات العلمية التي تنشر لهم.. فأصبح هناك رأي عام سائد لا يمكن أن أخالفه بهذه السهولة.
وبالفعل بدأتُ أبحث في القرآن الكريم عن آيات تؤكد نظرية التطور واستمر البحث لما يقارب العشرين عاماً بل أكثر.. ولكن جميع المحاولات فشلت حيث أجد نفسي أمام آيات واضحة لا تقبل التأويل وأمام أحاديث قطعية الثبوت نطق بها حبيبنا عليه الصلاة والسلام، وهو الذي لا ينطق عن الهوى… ماذا يمكنني أن أفعل بهذه النصوص المقدسة؟
وهذا ما دعاني من جديد لإعدة النظر في نظرية التطور… حيث بدأت بدراستها بعمق، لاسيما أنني غير متخصص في علم الأحياء، ولذلك بذلتُ جهداً أكبر لفهم هذه النظرية… وكانت المفاجأة: أنني وجدتُ أصحاب هذه النظرية لا يفهمون منها شيئاً!!
فحتى هذه اللحظة لا يستطيع جميع علماء التطور أن يفسروا لنا كيف نشأت أول خلية على كوكب الأرض! ولا يستطيعون تفسير نشوء شريط DNA ومن أين جاءت المعلومات الوراثية.. مالذي يدفع الخلية للتكاثر.. كيف نشأت النباتات بهذا التنوع الهائل؟ كيف نشأت الأسماك.. الحشرات.. حتى الإنسان لم يستطيعوا حتى الآن معرفة كيف نشأ وما هو بالضبط المخلوق الذي تطور منه…
بالإضافة إلى وجود تناقض كبير بين علماء التطور في تفسير أي شيء! مثلاً كلما عثروا على جمجمة، يقول بعضهم إنها لقرد.. ويقول آخرون بل هي لإنسان.. ويقول فريق ثالث إنها لمخلوق نصفه قرد ونصفه إنسان… إذاً هذا تناقض واضح لا يمكن بناء حقيقة علمية عليه.
الشيء الأغرب أن علم المتحجرات أو الأحافير متناقض بشكل كبير جداً.. فأي متحجرة يتم العثور عليها نجد تفسيرات كثيرة لها وابحثوا إن شئتم في أقوال علماء المتحجرات، ولكن اقرأوا الاكتشاف العلمي بشكل أفقي وليس بشكل عمودي.. كيف؟
عندما تقرأ نظرية التطور بشكل عمودي لا تستطيع اكتشاف الأخطاء والتناقضات العلمية، فإذا قرأت قصة تطور الكائنات من بعضها اعتباراً من الخلية الأولى وصولاً إلى الإنسان (هذه قراءة عمودية) سوف تنخدع بسهولة وتعتقد أن النظرية صحيحة ومنطقية، لأن هذه الطريقة في القراءة لا تفسح مجالاً لك للتفكير والتركيز على نقطة محددة لاكتشاف التناقضات.
أما عند قراءتك لنقطة محددة من نظرية التطور ولكن قراءة أفقية، أي تقرأ كل ما كُتب حول هذه النقطة تحديداً.. سوف ترى كمية هائلة من التناقضات والاختلافات والأخطاء العلمية. ومثال على ذلك المتحجرة الشهيرة Archaeopteryx التي اعتبرت السلف المشترك للطيور.
هذه المتحجرة تعود لأكثر من 160 مليون عام وحاول العلماء رسم صورة لها حيث تبين لهم أنه مخلوق متوسط يمثل مرحلة بين الديناصورات والطيور.. أي بدايات نمو الأجنحة للطيران. ولكن بعد البحث الدقيقة تبين أن هذا الكلام خادع ومضلل!!
فحسب مجلة الطبيعة الشهيرة (1) والتي تروج للتطور، فإن إعادة دراسة هذه المتحجرة تظهر أنها ليست طيراً!! بل هي كائن عادي جداً ومكتمل ولا يمثل أي مرحلة متوسطة بين جنسين مختلفين.
ويؤكد الباحثون أن هذه المتحجرة تعود لديناصور عاش قبل 160 مليون عام.. قبل وجود الطيور على الأرض.. هذه المتحجرة اكتشفت عام 1861 أي بعد نشر نظرية التطور بقليل.. واعتبرت ل 150 عاماً أنها أكبر دليل على صدق داروين في نظريته… حتى تبين أخيراً أنها خدعة لا أكثر ولا أقل!!
البحث يؤكد أن:
Analysis of fossil traits suggests that Archaeopteryx is not a bird at all
التحليل الجديد الذي أجري على سمات المتحجرة يقترح أنها ليست طيراً على الإطلاق.
إذاً نحن الآن أمام قولين متناقضين: علماء يقولون إن هذه المتحجرة هي أول طائر على عاش على الأرض، وعلماء يقولون هذه المتحجرة أصلاً لا تطير!! إذا هل هذا تناقض أم حقيقة علمية؟؟!
وعندما وجدتُ التناقضات واضحة أمامي في كل شيء.. وفي تفسير أي ظاهرة في عالم الخلق، مثلاً علماء يقولون إن الحوت الأزرق وهو أكبر كائن حي على الإطلاق، ويصل وزنه إلى 200 طن… نشأ في الماء من خلال التطور.. وعلماء يقولون إن الحوت الأزرق كان حيواناً برياً ثم تطور إلى حوت عملاق يبلغ طوله أكثر من 30 متراً.. إذاً هذا تناقض واضح أيضاً وليس هناك حقيقة علمية تتعلق بنشوء الحيتان حتى الآن…. وهكذا جميع الأمثلة لا تكاد تجد إجماعاً علمياً على أي منها.
ولكن السؤال: إذا كان التطور مناقضاً للقرآن والسنة، فهل توجد آيات تشرح لنا عملية الخلق وأسراره؟
لقد بدأتُ رحلة جديدة من البحث في القرآن، بعدما استيقنتُ أن نظرية التطور مليئة بالتناقضات. ولكن إصرار العلماء عليها أن جميع النظريات الأخرى مثل نظرية التصميم الذكي، تعترف بوجود الخالق، وهذا ما يجعل “المسيطرين” على البحث العلمي يرفضونها.
إذاً أين القرآن من كل هذا؟ العجيب أنني بمجرد بدأتُ البحث في كتاب الله تعالى فوجئت بعدد هائل من الآيات تشرح لنا طريقة الخلق بدقة وبالتفصيل، بل وتشرح لنا طريقة إعادة الخلق، وكذلك المعجزات…. يمكنني ببساطة أن أسميها “نظرية المعلومات”.
من أين كانت البداية؟
الآية التي كانت مفتاحاً لإثبات الخلق المباشر هي معجزة سيدنا عيسى عليه السلام في خلق الطيور.. يقول تعالى: (وَ رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ) [آل عمران: 49]… إذاً المسيح عليه السلام كان لديه القدرة على خلق الطيور من الطين خلقاً مباشراً من دون الحاجة للمرور عبر مراحل التطور.
معظم المؤمنين بالتطور وبالقرآن يقولون إن هذه معجزة خاصة بسيدنا المسيح ولا تطبق عليها قوانين العلم ولا يمكن تفسيرها علمياً.. ولكن هل هذا صحيح؟ دعونا نناقش الأمر من زاوية أخرى، ونتساءل: أيهما أكثر إعجازاً أن نرى الطين يتحول إلى طير بشكل مباشر وبمجرد النفخ فيه، أن أن الطير يستغرق مليارات السنين حتى يصبح طيراً؟
بلا شك إن المعجزة الأكثر إبهاراً هي الخلق المباشر من الطين! فإذا كانت هذه القدرة يمتلكها بشر وهو المسيح، فمالذي يمنع الخالق عز وجل من خلق الطير الأول من طين؟! إن الله تعالى عندما تحدث عن خلق الدواب لم يستخدم كلمة تطور أو سلالة أو نشوء أو اصطفاء… بل الآية واضحة تماماً: (وَ اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ) [النور: 45]..
هذه الآية لا لبس فيها، فقد ردّ الله تعالى أصل جميع الدواب إلى الماء وليس إلى سلف مشترك مثلاً ولا إلى الخلية الأولى… ولذلك إذا قلنا إن الله خلق كل دابة خلقاً مباشراً من الماء ووضع فيها المعلومات وبرامج التشغيل التي تضمن لها حياتها ورزقها وتكاثرها، مالذي يمنع هذا الأمر أن يكون حقيقة علمية؟
والسؤال أيضاً: كيف تحولت ذرات الطين إلى طائر بمجرد النفخ فيه؟
إن عملية النفخ ليست بهذه البساطة أو العشوائية، بل هي عملية منظمة ومقدرة وتسير وفق قوانين يمكن أن نسميها “هندسة الخلق” ولا تسير بشكل عشوائي كما تدعي نظرية التطور. فما الذي حدث في ذرات الطين حتى تحولت إلى طائر؟
إنها الروح التي تم نفخها في هذا الطين، والذي نفخ هذه الروح هو أيضاً فيه من روح الله.. لأن الله نفخ فيه من روحه.. وبالتالي اكتسب القدرة على نفخ الروح بإذن الله تعالى. فنفخ الروح إذاً هي عمليات منظمة تقوم بتحويل الذرات التي كانت على هيئة الطين، إلى ذرات على هيئة خلايا.
فالطين الذي نفخ فيه المسيح تحول إلى طائر حقيقي له كل ميزات الطيور.. وفيه مليارات الخلايا.. ولا يختلف عن أي طائر آخر.. وهذا سر الروح التي هي فوق طاقة البشر، ولكن يمكننا أن نحاول استكشاف بعض أسرار النفخ بالروح من الناحية العلمية.
وطالما أن علماء التطور ينكرون الروح.. فلن يصلوا إلى الحقيقة العلمية وسيبقى التخبط والتناقض في هذه النظرية ولن يصلوا إلى أي شيء مالم يعترفوا بالروح! والذي يجهله الكثيرون أنهم يعتقدوا أن عملية الخلق المباشر تتم من دون قوانين أو هندسة خاصة، على العكس العملية منظمة ومقدرة وفق قوانين محكمة.
القوانين العشرة للنفخ بالروح
إن عملية الخلق المباشر هي عملية منظمة ويمكن استكشافها علمياً، وليست عملية مجهولة أو أشبه بالسحر كما يتخيل البعض. ولكن هذه العملية تتم وفق قوانين محددة لا تشذ عنها ومن هذه القوانين ما يمكن أن نقترحه وهو متفق تماماً مع الحقائق العلمية:
1- النفخ بالروح في أي كائن يعطي مخلوقاً متناسقاً مع بقية المخلوقات، أي يتكون من خلايا ولديه وسيلة إبصار، ووسيلة غذاء، ووسيلة رزق… وله كل الأجهزة التي يحتاجها في حياته. سواء كان الكائن عبارة عن خلية واحدة أو كان يتألف من تريليونات الخلايا. إذاً هناك عملية تقدير ونظام: (وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 2].
2- النفخ بالروح يعني وضع جميع برامج التشغيل والمعلومات في جينات هذا الكائن، والتي كتب فيها مواصفاته، وطريقة حياته ورزقه…. وكتب فيها المدة التي سيعيشها على الأرض قبل أن ينقرض.. كل هذه المعلومات لابد من نفخها في ذرات هذا الكائن وتحديداً عبر جيناته (الشريط الوراثي).. (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ)[السجدة: 7].
3- عملية النفخ تعطي كل كائن الأجهزة التي يحتاجها بغض النظر عن شكله أو حجمه، فالنحل يحتاج لذكاء خارق ليقوم بصنع العسل.. هذه المعلومة يتم نفخها في جينات النحل، بغض النظر عن حجم هذا المخلوق أو تاريخ خلقه أو ما سبقه وما يليه من مخلوقات. إن عملية الخلق مترافقة بأمر الله (يمكن أن نسميه نظام المعلومات) لذلك هناك خلق وأمر: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54].
4- عملية النفخ بالروح تتم وفق نظام دقيق متدرج يسهل الاستدلال عليه واكتشافه لنستيقن أن الله قادر على إعادة الخلق. فقد بدأ الله الخلق بخلية بكتيرية وحيدة قبل 3.5 مليار سنة، ووضع فيها كل المعلومات التي تلزمها لتستمر طيلة هذه المليارات من السنين دون أن تنقرض… ثم خلق مخلوقات أخرى أكثر تعقيداً من الناحية الشكلية، وليس ليس أكثر كفاءة. (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) [الأعلى: 2].
5- يتم نفخ الروح أو المعلومات في كل كائن بنفس مستوى الإتقان.. فلا يوجد كائن أكثر إتقاناً من كائن آخر. وهذا ما أثبته العلماء المختصون بدراسة تصميم الكائنات، فتصميم أي كان يعتبر مثالياً ولا يمكن الإتيان بأفضل منه.. حتى الفيروس هو على درجة عالية جداً من التصميم. (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ) [الملك: 3].
6- عملية النفخ تتم بشكل مفاجئ.. وهذا ما تؤكده جميع المتحجرات، فالمخلوقات تظهر فجأة وهي بصورتها الكاملة، وليس هناك مراحل وسطية كما يدعون. كل المتحجرات تؤكد أن جميع المخلوقات التي تم العثور عليها هي مخلوقات كاملة. (وَ مَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القمر: 50].
7- عملية نفخ المعلومات في أي كائن تتضمن هداية هذا الكائن لعمله ورزقه وطريقة حياته الخاصة. لذلك المعلومات قادرة على تغيير ترتيب الذرات لتشكل خلية كاملة أو مليارات الخلايا تعمل بتناسق كامل، بفضل المعلومات التي تم تخزينها في هذه الذرات. (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه: 50].
8- من القوانين الهامة للخلق المباشر أنه لا يوجد جنسين من المخلوقات متشابهين، بل كل جنس من الكائنات له خصائصه التي يتميز بها، وله أساليب في العيش تختلف عن الآخرين.. وهكذا جميع الكائنات.. وهو ما أثبته علماء الهندسة الوراثية، أي أن أي مخلوق له خصائص لا يشترك بها مع أي مخلوق آخر.. سواء ضمن نفس النوع أو الأنواع المختلفة. (مُشْتَبِهًا وَ غَيْرَ مُتَشَابِهٍ) [الأنعام: 99].
9- عملية النفخ بالروح أو المعلومات تتم وفق تدرج يحدده الخالق تبارك وتعالى يسهل علينا اكتشافه. فنجد أن كل زمن من الأزمنة (العصور الجيولوجية) كانت تظهر كائنات جديدة أكثر تعقيداً من الناحية الظاهرية.. فهذا التدرج الزمني مهم جداً لنتمكن من اكتشافه، ولذلك العملية لا تتم بشكل عشوائي بل متدرج مع الزمن. والتعقيد ظاهري فقط ولكننا عندما نتعمق في دراسة أي كائن نراه على نفس المستوى من التعقيد مع بقية الكائنات بما يشهد على أن الخالق واحد وأنه أتقن كل شيء (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النمل: 88].
10- إن التشابه بين المخلوقات وما يعتقده البعض بقايا التطور ما هو إلا أسلوب الخلق الذي اختاره الله تعالى لمخلوقاته. فالعين التي خلقها الله لكثير من الحيوانات وللقرود وللبشر وللأسماك… هذه العين خلقها الله خلقاً مباشراً لكل كائن بما يتناسب مع احتياجاته. فعين الإنسان جاءت مشابهة لعين الأخطبوط الذي خلق قبله بملايين السنين.. ليس لأن الإنسان تطور من أخطبوط، بل لأن الإنسان يحتاج إلى نفس التقنية التي يحتاجها الأخطبوط.. إذاً عملية الخلق تخضع لمشيئة الله : (يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [النور: 45]. كما أن عملية الخلق تتم بسرعة هائلة، ويتم وضع جميع المعلومات وبرامج التشغيل في نفس اللحظة وليس عبر ملايين السنين.. وهذا ما يتفق مع الدراسات العلمية.
النشأة الآخرة
لذلك لا توجد لدى أي جنسين من المخلوقات أعين متشابهة مئة بالمئة، بل تختلف اختلافاً جذرياً.. ولكنها تتشابه ظاهرياً. وهذا التشابه الظاهري له هدف وهو اكتشاف أسرار الخلق لنستيقن أن الله قادر على إعادة الخلق.
قال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [العنكبوت: 20]… كلنا يعلم أن النشأة الآخرة ستحدث يوم القيامة ولن تكون عن طريق التطور!! سوف يخلق الله جميع البشر من تراب ولن يخضعوا للتطور ليعودوا من جديد.
فالنشأة الآخرة تشبه النشأة الأولى.. هذا مضمون الآية القرآنية، ولذلك الهدف من النظر في كيفية بدء الخلق، هو معرفة النشأة الآخرة (فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ)، وهذا دليل من القرآن على أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام من تراب.. وسوف يعيد خلق البشر من تراب أيضاً كما خُلق سيدنا آدم..
ولذلك قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [العنكبوت: 19]. فإذا كان خلق الإنسان جاء نتيجة التطور، إذاً كيف سيعيد الله خلق الإنسان من خلال التطور؟ هذه الآية تؤكد أن الخلق بدأ من تراب ثم يعيده الله من تراب.
كذلك يقول تعالى: (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) [الأعراف: 29]… فكما بدأ الله خلق البشر من تراب سوف يعودون يوم القيامة ويبعثوا من تراب أيضاً وبنفس الطريقة.. ولو كان المقصود من الآية أن الإنسان خلق في الدنيا عن طريق التطور وأنه سيعاد خلقه يوم القيامة بشكل مباشر.. إذاً ما الفائدة من دراسة كيفية بدء الخلق ومالفائدة من الآية بهذه الصياغة؟ إذاً معنى الآية كَمَا بَدَأَكُمْ من تراب تَعُودُونَ من تراب.
إعادة الخلق
فالله تعالى لا يحتاج لقوانين تحكمه (تعالى الله عن ذلك) ولا يحتاج لبشر يعلمونه كيف يخلق.. سبحانه وتعالى.. ولذلك قال: (وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الروم: 27]. فالله يبدأ خلق الإنسان من تراب ثم يعيد خلقه من تراب، وهذا الأمر هين وسهل على الله تعالى..
ولو كانت نظرية التطور صحيحة لكان هناك خلل علمي في القرآن.. إذ كيف يبدأ الله الخلق عن طريق التطور ثم يعيده عن طريق الخلق المباشر من تراب يوم القيامة؟ هذه ليست إعادة بل طريقة أخرى في الخلق.. مع العلم أن كثير من الآيات تؤكد على عملية إعادة الخلق: (أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [النمل: 64].
إن حقيقة بدء الخلق ثم إعادته تكررت في القرآن 8 مرات ليؤكد الله لنا على صدق كلامه عز وجل.. ولو كان هناك تطور لأشار القرآن ولو إشارة خفية إلى ذلك!
أخوتي في الله، كلما أردتم أن تتصوروا الخلق المباشر تصوروا كيف كان المسيح عليه السلام ينفخ في قطعة من الطين فتكون طيراً بإذن الله.. لم يقل: تتحول ولا تتطور ولا تمر بمراحل بل (تكون طيراً) بلمح البصر وخلال زمن قصير جداً لا يمكن إدراكه، وهذه السرعة ضرورية لخلق كائن متناسق ومتكامل.. لأن التطور من مخلوق لآخر عبر سلسلة من التغيرات الوراثية عبر ملايين السنين لا يمكن أن يولد إلا الفوضى والتشوهات والعشوائية.
دعوني أسأل كل من يعتقد بالتطور:
مالذي يتغير لو اقتنعنا أن الله تعالى خلق كل مخلوق خلقاً مباشراً من الماء والتراب (أي من عناصر الأرض)؟ هل سنترك علم التشريح؟ هل سنتخلى عن علم الهندسة الوراثية والجينات؟ هل سنترك اكتشاف علاج لأمراض مستعصية؟ هل سنترك علم المتحجرات والأحافير وعلم الطب وعلم الصيدلة…؟؟؟
طبعاً هذه العلوم نشأت وتقدمت من دون الحاجة لنظرية التطور، ولكن التطوريين يخدعون الناس ويربطون هذه العلوم بالتطور.. ويقولون لولا التطور لم نكتشف علاجاً للأمراض.. لولا نظرية التطور لم نفهم علم التشريح… وهكذا لا أدري كيف ينخدع الكثيرون بهذا الكلام، وما علاقة علم التشريح مثلاً بالتطور؟
وإنني على يقين بأن العلماء لو رفضوا نظرية التطور واعتنقوا نظرية الخلق المباشر واعترفوا بوجود الخالق عز وجل، سوف يقطعون أشواطاً هائلة في البحث العلمي.. وصدقوني إن نظرية التطور يعيق مسيرة البحث العلمي ولا تقدم أي شيء سوى حجج واهية للملحدين لخداع وتضليل الناس…
والآن…
أطلب من كل أخ مسلم يعتقد بأن نظرية التطور صحيحة، أن يأتيني بدليل علمي واحد على تطور مخلوق لآخر.. أو يأتي بتجربة علمية تثبت التطور من جنس لآخر (طبعاً لا نريد تجارب تطور الفيروسات … التي تبقى في النتيجة فيروسات).. أو يأتي بحقيقة علمية يقينية تثبت التطور.. أو يأتي بتفسير حتى لو كان غير علمي، مالذي حدث من طفرات في جينات أي كائن حتى تحول لكائن آخر…
بل نطلب أن يأتينا بآية واحدة تثبت نظرية التطور.. أو يأتي يحديث نبوي صحيح يثبت التطور، أو يأتي بتفسير أحد المفسرين من السلف يثبت التطور.. أو يثبت لنا أن معجزات الرسل لا تتناقض مع التطور وأن البعث يوم القيامة لا يتناقض مع التطور…
لذلك يا أحبتي…
أرجو إعادة النظر جيداً واعلموا أنكم ستقفون بين يدي الله تعالى.. ولا تنسوا الدراسة العلمية التي أجريت مؤخراً تؤكد أن الإنسان عندما يقترب من الموت ينكر نظرية التطور!!! ولن يسألنا الله يوم القيامة عن التطور هل هو صحيح أم غير صحيح!!
بل سيكون لدينا مشكلة كبرى في تأويل النصوص القرآنية تأويلاً ما أنزل الله به من سلطان.. وكذلك سيكون لدينا مشكلة مع الكثير من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، التي سنضطر إلى تأويلها أو إنكارها وجميعها تؤكد أن آدم خُلق من تراب خلقاً مباشراً وأن الله نفخ فيه من روحه… وأمر الملائكة أن تسجد تشريفاً وتكريماً له.. وهناك حوارات طويلة وقصة الخروج من الجنة… فأين نظرية التطور من كل هذا؟؟! وماذا سنقول لله تعالى يوم لقائه؟!
لنفرض جدلاً…
وعلى كل حال حتى لو كانت نظرية التطور صحيحة – جدلاً وهي غير صحيحة– فالأفضل أن نبقى مع الأحاديث الشريفة والنصوص القرآنية وتفاسيرها المعتمدة، ولن أدخل النار إذا أنكرتُ نظرية داروين!! ولكن سيكون لدي مشكلة إذا صدقتُ هذه النظرية وثبت أنها غير صحيحة..
وندعو بدعاء حبيبنا عليه الصلاة والسلام: اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.. وكذلك نسأل الله تعالى أن نكون من المؤمنين الذين قال فيهم:(فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [البقرة: 213].
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
المراجع
مقالة على مجلة الطبيعة تؤكد خطأ التطوريين في أصل الطيور
1- Archaeopteryx no longer first bird, 27-7-2011, http://www.nature.com/news/2011/110727/full/news.2011.443.html
مقالة تؤكد أن الإنسان لحظة الموت ينكر نظرية التطور
Fear of Death Spurs Belief in Intelligent Design, http://www.livescience.com/13534-death-anxiety-intelligent-design-evolution.html, 1-4-2011.