القرآن الكريم يحوي مئات الأدلة على بطلان هذه النظرية وإليكم الأدلة التي لا تقبل الشك… |
الذي يحزنني كثيراً عندما أسمع عالماً من علماء المسلمين يقول: إن نظرية التطور أصبحت حقيقة علمية.. وأنها تتفق مع القرآن الكريم (من دون أن يفهم تماماً ما هي نظرية التطور على حقيقتها، ومن دون أن يفهم آيات الخلق في القرآن)!
فكيف يمكن لنظرية تفترض أن سيدنا آدم كان مخلوقاً عادياً تطور وفق طفرات طبيعية عبر ملايين السنين، وأنه لا يوجد دليل علمي على وجود الله أو الروح أو الرسل أو المعجزات أن تكون حقيقة علمية؟ كيف يمكن لنظرية تنكر إعادة خلق الإنسان إلا وفق آليات التطور؟ وتنكر البعث والحساب والجنة والنار أن تكون حقيقة؟
وكيف يمكن لنظرية تقول لا يوجد دليل علمي على وجود الملائكة أو الجن أو الغيب أو الآخرة أو وجود آدم والأنبياء.. لا يوجد دليل علمي على البعث.. لا يوجد دليل علمي على جهنم.. لا يوجد دليل علمي على أن الله هو الذي خلق الإنسان.. كيف يمكن لنظرية كهذه أن تكون حقيقة علمية أو أن تتفق مع القرآن؟
هذه النظرية تعتبر أن آدم ليس أول البشر
تفترض نظرية التطور أنه كان هناك بشر في زمن آدم، ومن الطبيعي أن يكون له أب وأم وقبيلة وزوجة وأقرباء… وأن خلق آدم من تراب يعني أنه تطوّر عبر مليارات السنين وعبر كائنات مختلفة (من خلية إلى سمكة إلى فأر إلى شبيه بالقرد ….. إلى إنسان) والخلية الأولى نشأت من عناصر الأرض بما في ذلك التراب.. أي أن هذا المخلوق ليس له أي ميزة عن بقية المخلوقات. وهذا يناقض القرآن الذي يجعل لآدم عليه السلام مكانة فريدة في القرآن { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } [الإسراء: 70]…
دعونا الآن نعتبر أن نظرية التطور صحيحة (مبدئياً) وأن سيدنا آدم عليه السلام هو بشر تطور وعاش من دون أن يكون له أي ميزة تذكر، وأنه كان ضمن مجموعة من البشر يعيشون بشكل بدائي قبل ظهور اللغة والتعلم، ثم اصطفاه الله تعالى من بين آلاف البشر (كما يعتقد البعض) ووضعه في جنة على الأرض ثم خرج منها بسبب خطيئته…
فإذا أردنا أن نفهم آيات القرآن وفق هذه الفرضية سوف نضطر لوضع الكثير من الفرضيات التي تتناسب مع نظرية التطور.. وكأننا نلوي أعناق النصوص لتتفق مع نظرية لم تثبت يوماً ولا يوجد أدنى دليل علمي عليها. فلماذا نقحم في كتاب الله نظرية مليئة بالتناقضات والفرضيات ونفترض افتراضات جديدة؟ هل هذا العمل سيخدم كتاب الله أم سيجعلنا نسيء فهم هذا الكتاب العظيم؟ لذلك دعونا نتأمل ماذا سيحدث لو كانت نظرية التطور صحيحة!
الحدث الكوني الكبير
نحن نعلم أن السجود لا يكون إلا لله تعالى وأن الله لم يسمح بسجود مخلوق لآخر إلا مرة واحدة في تاريخ الكون! هل تعلمون ما هي: إنها سجود الملائكة جميعاً لمخلوق من البشر اسمه آدم (عليه السلام).. هذا الحدث حقاً غريب من نوعه.. فكيف يسمح الله تعالى بسجود مخلوق لمخلوق آخر، بل يأمر بذلك ويعاقب من لا ينفذ!! وما هي الحكمة من ذلك، وما هو الحدث العظيم الذي تطلّب هذا الأمر؟
لو كان آدم من ضمن مجموعات بشرية تعدّ بالآلاف أو الملايين… لماذا يأمر الله جميع الملائكة بالسجود لواحد منهم؟ { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا } [الإسراء: 61]. ونحن نعلم أن السجود هنا هو سجود تكريم لجنس البشر وليس سجود عبادة لشخص بذاته، فسجود العبادة لا يجوز إلا لله تعالى.. وما هي الحكمة من ذلك، وما هو الهدف؟ طبعاً حسب نظرية التطور لن نجد أي هدف يذكر.. فآدم لم يكن متعلّماً ولم يكن له أي ميزة على بقية البشر في عصره، ولم يكن هناك كافر ومؤمن أصلاً حتى يصطفيه الله من بين الناس (كما اصطفى سيدنا نوحاً لأنه كان الأكثر إيماناً.. وكما اصطفى سيدنا محمداً وبقية الأنبياء عليهم السلام جميعاً من بين المشركين وعبّاد الأصنام لأنهم تميزوا بزيادة الإيمان ونقاء القلب)..
قبل آدم لو كان هناك بشر.. لم يكن لديهم أنبياء، لم يكن هناك كتب سماوية، لم يكن هناك كفر وإيمان.. بل مجرد مجموعات همجية بدائية كما تفترض نظرية التطور.. فلماذا يأخذ الله واحداً من هذه المجموعات (التي هي أشبه بالقرود) ثم يأمر ملائكة الأرض والسماء المطهرون بالسجود له؟؟؟
لو حدث هذا بالفعل إذاً سيكون السجود في هذه الحالة ليس سجود تكريم لجنس البشر بل سيكون سجوداً لشخص بذاته وهذا لا يمكن أن يرضاه الله تعالى.. فالله لا يأمر مخلوقاً أن يسجد لمخلوق آخر أبداً.. لو كان سجود الملائكة سجوداً لشخص بذاته لكان سيدنا محمد صلى اله عليه وسلم أحق بذلك!!!
على الأقل سيدنا آدم غوى وعصى الله (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) [طه: 121].. وسيدنا محمد ما ضل وما غوى (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) [النجم: 2].. إذاً هل الله تعالى أخطأ الاختيار… تعالى الله عن ذلك.. ولكن التفكير المنطقي يفرض أن نقول إن آدم هو أول مخلوق من البشر ولذلك كان السجود له هو سجود تكريم لجنس البشر، ولأنه مخلوق جديد على الكوكب.. جاء هذا السجود احتفالاً به لأنه سيكون خليفة في الأرض.. وسيصل للمريخ وسيفعل العجائب.. السجود لنوع الإنسان وليس لإنسان بعينه..
من جديد..
الآن دعونا نتخيل هذا المشهد: حسب نظرية التطور آدم له أب وأم وزوجة وربما أولاد.. وقبيلة أو قوم أو مجموعة بشرية (هكذا تفترض نظرية التطور التي لا تعترف بآدم أصلاً).. وأخذ الله آدم إلى جنة على الأرض (الجنة في اللغة هي البستان أو الحديقة)، ثم أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا جميعاً إلا إبليس رفض واستكبر لأنه كان من ضمن الملائكة الذين أمرهم الله بالسجود، ولم يكن ملكاً بل كان من الجنّ الذين خلقهم الله تعالى من النار قبل آدم.. والسؤال: هل كان آدم طاهراً في هذه الحالة حتى تسجد له الملائكة الأطهار؟ هل كان يميز بين الخير والشر قبل أن يعلّمه الله؟؟
إن الله تعالى عندما أنبأ الملائكة بأنه سيجعل خليفة في الأرض.. لو كان هناك بشر مع آدم.. فما معنى هذا الخبر؟؟ البشر موجودون قبل آدم وبعده حسب نظرية التطور.. فما أهمية أن يخبر الله الملائكة بأنه سيجعل خليفة في الأض.. والخليفة موجود أصلاً في الأرض.. إذاً هذا تناقض آخر مع القرآن.. فالخلافة هنا لجنس البشر وليس لشخص محدد.. فلو كان آدم هو المقصود بالخلافة إذاً ما هو دور ذريته من بعده؟ ثم لا نعلم أن آدم حكم على الأرض.. القرآن لم يخبرنا بأن آدم كان مثلاً ملكاً أو حاكماً أو خليفة.. لماذا؟ لأنه أول مخلوق من البشر فمن سيحكم؟؟
قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [البقرة: 30]. لكي نفهم هذه الآية بناء على التطور سوف نضطر لفرض الكثير من الفرضيات.. مثل أن آدم لم يكن له عقل أو لم يكن متعلماً فعلّمه الله.. ثم جعله مميزاً على جميع البشر في عصره.. وهذا الافتراض يناقض نظرية التطور لأنه لا يوجد دليل عليه… فنظرية التطور لا تعترف بمبدأ اصطفاء الله لبشر بعينه وأن يوحي إليه أو يكلمه أو يعلمه.. فالنظرية لا تعترف أصلاً بالخالق..
قال تعالى: { وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [البقرة: 31]. هذه الآية تناقض بشكل صارخ نظرية التطور.. فآدم حسب نظرية التطور مخلوق عادي ليس هناك أي فرق بينه وبين بقية البشر الذين عاشوا معه..
إذاً أحبتي في الله.. الأسهل والأفضل أن نعتقد أن الله خلق آدم مباشرة، خلقه من التراب الطاهر وكان طاهراً وبعد سجود الملائكة عصى الله وغفر له.. فآدم خلق مباشرة من تراب طاهر وكان طاهراً لم يعص الله ولم يعرف الخطيئة.. في هذه الحالة فإن سجود الملائكة الأطهار هو أمر منطقي.. { فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } [الحجر: 30].
وعندما رفض إبليس السجود لآدم طرده الله من الجنة ووعده بعذاب النار.. فطلب مهلة ليضلَّ العباد ويغويَهم كما أغوى آدم عليه السلام.. فأعطاه الله هذه المهلة ليوم الدين، ووعده بنار جهنم هو ومن يتبعه من ذرية آدم.. قال تعالى: { قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) } [الحجر: 33 – 44].
هذا الحوار بين الله وإبليس.. من وجهة علماء التطور هو مجرد أساطير.. فهل نقول إن نظرية التطور تتفق مع القرآن؟
الآن حسب النظرية يجب أن يكون هناك بشر في الخارج (خارج الجنة الأرضية) ماذا كانوا يفعلون؟ وهل كان إبليس قبل السجود يضلّهم أم لا؟ وماذا حدث لأبوي آدم؟.. وهل بدأ إبليس بإغواء البشر بعد خروج آدم من الجنة أم قبل؟ والبشر الذين كانوا قبل آدم، هل تركهم الله هكذا من دون نذير أو نبي؟ أين ذكر الأنبياء الذين كانوا قبل آدم.. لو كان هناك بشر قبل آدم فلماذا لم يتحدث عنهم القرآن؟ ولماذا نعتبر أن آدم هو أول نبي من البشر؟
القرآن يؤكد أن الله تعالى أرسل رسلاً منذرين لجميع الأمم.. الله تعالى يقول: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) [فاطر: 24]. فأين الرسل قبل آدم لو كان هناك بشر؟؟ بل أين رسالة آدم للبشر الذين كانوا معه؟
نحن نعلم أن جميع الأنبياء جاءوا برسالة لقومهم، فأين الكتاب أو الرسالة التي جاء بها آدم للبشر الذين عاصروه.. ما هو اسم الكتاب الذي أنزله الله عليه.. طبعاً لا يوجد.. لسبب بسيط أنه هو أول البشر!
حدث الخروج من الجنة
لقد ارتكب إبليس معصية كبرى تستحق عقوبة مناسبة… لقد عاقب الله إبليس عقوبة عظيمة وشكلت نقطة فاصلة في حياته.. وهي الخروج من الجنة، قال تعالى: (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) [الأعراف: 13].. هل كانت هذه العقوبة العظيمة التي غيرت مصير إبليس هي عبارة عن الخروج من بستان أو حديقة؟ ألا يوجد حدائق أخرى على الأرض.. ألا يوجد شجر وأنهار ونباتات وغابات؟؟؟
إذا أراد أحدنا أن يعاقب أحداً هل يطرده من حديقة على الأرض ليذهب لحديقة أخرى؟ هذه العقوبة غير منطقية بالنسبة لنا نحن البشر.. فكيف بحكمة الخالق تبارك وتعالى؟ إذاً المنطق يفرض علينا أن نعتقد أن إبليس كان في جنة في السماء وليس حديقة على الأرض!
حتى إن عملية خروج إبليس كانت مذلّة ومهينة وغيرت مجرى حياته بشكل جذري، قال تعالى: (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأعراف: 18]. هل تتصورون معي أن هذه العقوبة الهائلة كانت عبارة عن مجرد “خروج من حديقة”؟؟
حتى إن هذا الحدث جعل إبليس يطلب مهلة من الله تعالى.. (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر: 34 – 40]. سياق الآيات يدل على حدث كبير وهو خروج إبليس من جنة في السماء وهبوطه إلى الأرض ليبدأ رحلته مع إضلال الناس.. فلو كان هناك بشر على الأرض مع آدم وقبله.. فهل يكون لهذه الآيات معنى؟
ماذا لو لم يمهله الله ليوم القيامة؟ وماذا لو لم يسمح الله له بإضلال البشر؟ ما مصير نظرية التطور في هذه الحالة؟ إن كل هذه الملاحظات التي رأيناها وتدبرناها تؤكد أنه لابد أن تكون جنة آدم ذات خصائص تختلف عن حدائق الأرض. وأنها غيرت مصير البشرية.. والحدث لا يعقل أن يكون مجرد خروج من حديقة!
عقوبة آدم عندما عصى الله هي الخروج من الجنة، قال تعالى: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) [الأعراف: 24].. فهذه عقوبة كبيرة جداً غيرت مصير آدم.. هل تتصوروا أن الله طرد آدم من حديقة على الأرض ليذهب إلى حديقة أخرى أو مكان آخر مشابه؟
هذا يؤكد أن جنة آدم خارج الأرض.. لأن السجود لآدم لم يكن على الأرض، بل كان في مكان ما من السماء.. حيث اجتمع جميع الملائكة، وسجدوا لآدم.. وبعد ذلك أسكنه الله جنة طبعاً ليست جنة الخلد وليست جنة على الأرض ولكن جنة في السماء.
إذا أردنا أن نقول إن جنة آدم هي حديقة على الأرض.. فهذا سيجعلنا نفترض العديد من الفرضيات أيضاً. مثل أن تكون حديقة مميزة تختلف عن بقية الحدائق وأن يكون فيها شجر كثيف جداً وفيها وسائل للراحة… وأنه لا يظمأ فيها الإنسان ولا يجوع ولا يعرى.. { إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) } [طه: 118 – 119]. فلماذا نلجأ لمثل هذه الفرضيات؟ إن افتراض جنة مميزة على الأرض خلقها الله فقط لآدم ثم زالت.. افتراض غير مبرر.. لماذا لا نقول إن جنة آدم هي في السماء وتنتهي الإشكالات!
وجود بشر في زمن آدم
إن نظرية التطور تفترض وجود بشر في زمن آدم، وهو واحد منهم، سيخلق لنا الكثير من المشكلات في فهم القرآن.. والمنطق يفرض أن نعتقد بأن الله تعالى قد خلق آدم من تراب وبشكل مباشر.. وبما أن هذا المخلوق سوف يصل يوماً ما إلى القمر والمريخ وسوف يخترع الكمبيوتر.. وسوف يصل إلى قمة الإبداع والاختراع وتسخير الأرض بشكل لم يسبق لأحد من الكائنات.. هذا المخلوق الجديد الذي سيكون مميزاً عن جميع الكائنات التي سبقته بقدراته الخارقة على التعلم والإبداع والاختراع… لابد أنه يحتاج لحدث مميز وفريد وهو سجود الملائكة له تكريماً وليس عبادة.
إذاً لو كان هناك بشر في الأرض قبل آدم، فليس هناك معنى لوجود خليفة على الأرض… وليس هناك معنى لقول الملائكة (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ) [البقرة: 30]. فلماذا يعترضوا على وجود خليفة ما دام البشر موجودين ولابد أنهم كانوا يسفكون الدماء؟ الملائكة يتصورون أن هؤلاء البشر سيسفكون الدماء في المستقبل.. ولو كان هناك بشر بالفعل لما قالوا ذلك.. لأنه لا فائدة من قولهم مادام البشر على الأرض قبل وبعد آدم..
بعبارة أخرى: لماذا تعترض الملائكة على آدم عليه السلام.. ولم تعترض على البشر الذين كانوا قبله؟؟ إذاً الملائكة لا يعلمون الغيب لذلك افترضوا أن المخلوق الجديد إذا هيمن على الأرض سيفسد فيها ويسفك الدماء، ولكن الله أعطاهم درساً أن هذا المخلوق يختلف عمن سبقه من المخلوقات الهمجية (الحيوانات) وأن لديه قدرة على التعلم وعبادة الخالق تعالى.. { قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } [البقرة: 33].
لذلك قال لهم الله تعالى: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)! ثم قال لهم بعد ذلك: (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ) [البقرة: 33]. فهم توقعوا شيئاً سيحدث في المستقبل، ولكن الله أخبرهم أن توقعهم غير صحيح لأن هذا الكائن الجديد سيكون مختلفاً عمن سبقه من الكائنات الأخرى مثل القرود.. ولو كان هناك بشر يعيشون على الأرض قبل آدم فلماذا يعترضون.. الاعتراض يكون على كائن جديد توقعوا أنه سيسفك الدماء ربما مثل السباع والوحوش والديناصورات التي حكمت الأرض لملايين السنين.. ولكن الله علم آدم الأسماء كلها.. وهذا ما لم تتوقعه الملائكة.. أن يكون هناك كائن متعلم..
وإذا افترض البعض أن الله أخذ آدم من مجموعة من البشر البدائيين وعلمه وجعله مختلفاً عنهم.. فماذا حلّ ببقية البشر في زمن آدم؟ هل أهلكهم الله جميعاً ودفعة واحدة ولم يبقِ إلا آدم وحواء؟ ولماذا يهلكهم، لماذا لم يرسل آدم رسولاً لهم.. ولماذا يفعل الله ذلك ثم يقول: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ) [ص: 71]؟ عندما أعطى الله هذا الأمر للملائكة بالسجود للبشر الذي سيخلقه من طين.. هل كانت الكائنات الحية موجودة أم لا؟ فإذا كانت موجودة وأراد الله أن يوجد بشراً عن طريق التطور.. لكان هناك أسلوب غير هذا للتعبير عن خلق هذا البشر!
ولو لم يكن هناك مخلوقات بعد وأن الله سيخلق بشراً عبر التطور ولكن الخلية الأولى يخلقها من طين.. فلماذا يقول في آية أخرى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) [السجدة: 7]. فهذه الآية توحي بأن الله خلق الكائنات جميعاً (كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) وبدأ خلق الإنسان من طين.. فهذا يدل على أن إخبار الله للملائكة أنه سيخلق بشراً من طين إنما جاء بعد خلق جميع الكائنات الحية.. فكان الإنسان آخرها خلقاً.
هل كانت هناك علاقة زوجية بين أبوينا قبل الخروج من الجنة؟
ونبقى في رحاب جنة آدم، ونتخيل معاً أن آدم كان بشراً طبيعياً يمارس كل ما يمارسه البشر ومنها الجنس.. وهذا أمر شائع في عالم الحيوانات والبشر البدائيين.. لذلك ليس هناك ما يدعونا للافتراض بأن آدم كان مختلفاً عن البشر من حوله وكان لا يعرف الجنس .. فهو له زوجة؟
دققوا معي على موقف مهم في حياة سيدنا آدم وزوجته، وهو: عندما أكلا من الشجرة فبدت لهما عورتهما وأسرعا لتغطية جسديهما من ورق الجنة… ما الذي حدث بالضبط؟ {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ } [الأعراف: 22]. هذا يدل على أن العلاقة بين آدم وحواء لم تكن قد بدأت (على عكس نظرية التطور) وإلا لماذا يسرع كل منهما لتغطية جسده بورق الجنة؟ هذه العورة لم تنكشف إلا بعد تذوق الشجرة، واللباس الذي كان عليهما هو لباس من صنع الله في الجنة، وليس من صنع الإنسان.. لأنه زال بمجرد المعصية فهو ليس لباساً بشرياً.. وهذا يناقض التطور المزعوم أيضاً.
بعد خروج آدم وزوجته من الجنة بدآ حياة أرضية فيها من الجوع والعطش والتعب الكثير.. فهو يتعب للحصول على طعامه وشرابه.. وبدأت رحلة التناسل وأصبحت الزوجية هنا بمعنى زوج وزوجة، بينما كانت الزوجية في الجنة من الأزواج ليس فيها تناسل..
إذاً: إما أن نقول إن نظرية التطور صحيحة وسوف نضطر لوضع الكثير من الفرضيات لفهم النص القرآني.. أو نقول إن نظرية التطور غير صحيحة ونفهم القرآن كما نزل: (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ).. فاختر عزيزي القارئ أين تضع نفسك..
زنا المحارم
عندما أنجب أبوانا آدم وحواء الأطفال وكبروا.. كيف تزوجوا بعد ذلك؟ لابد أن زواج الإخوة كان مباحاً لفترة من الزمن ثم حرّمه الله بعد ذلك.. يقول أحدهم: من الأفضل لي أن أعتبر إن نظرية التطور صحيحة، ولا أعتبر أن الإخوة تزوجوا.. أليس هذا زنا محارم؟
نقول: بما أن آدم خُلق بشكل استثنائي من تراب.. وسجدت الملائكة له.. وبطريقة فريدة سكن جنة السماء، وكان يكلم الله.. ويكلم إبليس.. وألبسه الله لباساً من الجنة.. كل هذه الأشياء الفريدة لابد أن يكون هناك تشريع فريد من نوعه في ذلك الزمن.. وبخاصة أن العلم أثبت أن جميع البشر على كوكب الأرض جاءوا من رجل واحد عاش قبل 135000 سنة!
فالله تعالى يحلّ ويحرم ما يشاء وما فيه مصلحة عباده.. وبالتالي ليس هناك زنا محارم، بل هو زواج أباحه الله تعالى لفترة.. مثلاً : الله تعالى حرم زواج الإخوة من الرضاعة.. فمبجرد أن يرضع طفل وطفلة من أم واحدة خمس رضعات مشبعا، يصبحا أخوين ولا يحل لهما الزواج عندما يكبران.. هذا قانون إلهي.. (إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [الحج: 14]. (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) [المائدة: 1].
آدم وحواء هما أبوا كل إنسان!
هل هناك إشارة واضحة في القرآن أن آدم وحواء هما أول البشر وهما أبوان لكل البشر؟
قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 27]. دققوا معي على عبارة (بني آدم) وكلمة (أبويكم) والتي تؤكد أن آدم هو أبو البشر.. ولو كان لآدم أب وأم، ولحواء أب وأم وكان هناك بشر يتناسلون في زمنهما، إذاً لم يصح أن يقال: (أبويكم).. هذه الكلمة تؤكد أن آدم وحواء هما أبوا جميع البشر..
ماذا قبل آدم عليه السلام؟
لم يكن هناك بشر قبل سيدنا آدم.. ما هو الدليل من القرآن؟ عندما أخبر الله الملائكة أنه سيخلق بشراً من طين.. لم يعترضوا، لماذا؟ لأن هذا البشر مجهول بالنسبة لهم ولكنه شيء مهم لأن الله أمرهم بالسجود له.
عندما أخبرهم بأنه سيجعل هذا البشر خليفة في الأرض.. في هذا الموقف فقط قالوا: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ) [البقرة: 30]. فلماذا فقط وفي هذا الموقف طرحوا هذا التساؤل؟
لأنهم شاهدوا مخلوقات قبل البشر سادت الأرض عبر ملايين السنين وكانت تسفك الدماء.. فتوقعوا ذلك.. هذا يدل على أن الله عندما أخبرهم بأنه سيخلق بشراً من طين لم يتوقعوا أنه سيكون له ذرية، بل سيكون مجرد مخلوق من طين.. وبالتالي سجدوا لهذا المخلوق من دون أن يعلموا أيّة تفاصيل، فهذا السجود يدلّ على أن آدم هو أول البشر، وأنه لم يكن متوقعاً أن يكون خليفة في الأرض..
قال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ } [الأعراف: 11].
لو كان هناك بشر مع آدم فلماذا سجد الملائكة كلهم لآدم… مع أنهم يتوقعون أنه سيسفك الدماء؟؟ تصوروا معي هذا المشهد: هناك بشر عاشوا قبل آدم بآلاف السنين.. وسفكوا الدماء.. ثم يأمر الله الملائكة بالسجود لواحد منهم (ممن سفك الدماء) فيسجدون على الفور دون أي رأي!!! ولكن عندما أخبرهم الله تعالى أن آدم سيكون خليفة في الأرض.. قالوا: إنه سيسفك الدماء!!! هذا تناقض واضح لو كان هناك بشر قبل آدم عليه السلام.
فهل المنطق يقول إن الملائكة لا تعترض على السجود لغير الله.. وتعترض على أن يكون هناك خليفة في الأرض؟ طبعاً المنطق يفرض أن نعتقد بأن الملائكة عندما سجدت لآدم.. لأنه أول مخلوق من البشر.. ولكن عندما وجدوا بأن هذا المخلوق الجديد سيكون خليفة في الأرض هنا جرت عملية المقارنة مع مخلوقات أخرى سبقت آدم عليه السلام (من الحيوانات أو من الجن…) وتوقعوا أنه سيسفك الدماء.. وهذا يدل على أن الملائكة لم يشاهدوا بشراً قبل آدم يسفك الدماء وإلا على الأقل لكانوا اعترضوا على عملية السجود وقالوا لله مثلاً: أتأمرنا أن نسجد لمن يسفك الدماء؟؟!!
إذاً هذا دليل منطقي على أن آدم هو أول البشر.. لم يخلق عن طريق التطور وليس له أب أو أم..
نفخ الروح
قال تعالى: { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [الحجر: 29]. لو كان هناك بشر قبل آدم كما يدعي البعض وأن آدم هو أول إنسان فكيف نفخ الله فيه الروح؟ ألم يكن له أب وأم؟ ألم يكن بشراً بدائياً؟ فكيف ينفخ الله الروح في بشر هو أصلاً فيه روح؟ وهذا يخالف نظرية التطور التي تقول إن التعلم عند البشر جاء بالتدريج وعبر آلاف السنين وليس مباشرة كما يقول القرآن (وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) [البقرة: 31].
بناء على هذا التحليل المنطقي نجد أن آدم هو أول البشر وأن المخلوقات التي قبله كانت مختلفة تماماً عن البشر. ولكن الله تعالى خلق كل شيء بتقدير ونظام.. فعندما خلق آدم صمّمه من نفس الخلايا التي خلق منها الكائنات الحية واختار له أفضل شكل وأفضل تصميم مناسب بحيث نرى التدرج والنظام والكمال في خلق الله…
كل من يدعي أن آدم خلق بالتطور وأنه لو خلق خلقاً مباشراً لجاء تصميمه مختلفاً، نقول: هل يستطيع علماء الدنيا أن يعطوا تصميماً أفضل للإنسان مما هو عليه؟ تصوروا لو أن الإنسان خلق بشكل مختلف تماماً عن بقية الكائنات ومن أشياء تختلف عن الخلايا وبنظام عمل مختلف.. هل سيكون هذا جيداً ومناسباً للبيئة التي سيعيش فيها؟ طبعاً لا أحد يستطيع أن يعدل على تصميم الإنسان مهما حاول.. فتصميم الإنسان هو التصميم المثالي. { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التين: 4]. { وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } [النمل: 88].
ولو طلبنا من علماء التطور اليوم أن يضعوا لنا تصميماً لمخلوق يتفوق على الإنسان .. لن يجدوا ولن يستطيعوا.. وهذا يدل على أن الإنسان لم يأت عن طريق التطور، ولو أن هناك عمليات تطور تمت على القرود فلن تنتج إنساناً أبداً.. ولا يوجد دليل على عكس هذا الكلام.
خلقكم من نفس واحدة
من الخطأ الكبير أن نفسر هذه الآية على أنها تشير للخلية الأولى.. فالخلية ليس لها نفس، النفس هي كائن شديد التعقيد يسكن جسد الإنسان .. ولكن ما هي النفس الواحدة؟
إنها نفس سيدنا آدم.. الله تعالى يشير إلى الإنسان بالنفس في كثير من الآيات مثلاً: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) [الزمر: 56]. كذلك قوله تعالى: (وَ اتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا) [البقرة: 48]. فالنفس هنا هي الإنسان ذاته.. ولكن عبر عنه بالنفس لأن الجسد يوم القيامة سيتغير ولن يكون عبارة عن خلايا تتألف من أكثر من 60 % ماء، بل سيكون مادة تتحمل درجات الحرارة الهائلة في جهنم.. وبالتالي النفس هي ذاتها لأن العذاب هنا للنفس والجسد.. ولكن الجسد لن يكون مثل جسد الدنيا.
وعند خلق آدم لم يكن جسده كمثل أجسادنا، بل أنزل الله عليه لباساً من الجنة، هذا اللباس ليس من صنع آدم بل من صنع الله تعالى، والطريقة التي خلق بها سيدنا آدم ليست مثلنا لأنه خلق من تراب، بينما نسله جاء من ماء مهين..
لذلك القرآن ميّز بين الخلق والتناسل.. فالخلق شيء والتناسل شيء، سيدنا آدم خلق من تراب، ولكن نسله من ماء مهين.. قال تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) [السجدة: 7-8]. فآدم خلق من طين.. وكان نسلُه من ماء مهين (ماء الرجل أو النطفة).
معجزة في خلق عيسى وآدم
ولذلك نوجه هذه الأسئلة لكل من يقول كان هناك بشر في زمن سيدنا آدم: أين ذهب كل هؤلاء البشر وعددهم حسب نظرية التطور يجب أن يكون بالآلاف؟ أين قوم آدم ولماذا لم يشر القرآن إلى ذلك.. بل إن آدم وعيسى لم يذكر لهما قوم في كل القرآن.. لأن عيسى جاء من غير أم.. وآدم جاء من غير أب ولا أم.. أي كلاهما جاء بمعجزة.. ولذلك قال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران: 59].
هذه الآية تؤكد أن هناك إعجازاً في خلق عيسى وخلق آدم.. خلق عيسى نعلم أين الإعجاز فيه وهو أنه ولد من غير أب ونفخ الله فيه من روحه.. ولكن أين الإعجاز في خلق آدم إذا كان له أب وأم؟؟!
ماذا نستفيد من هذه المقارنة بين آدم الذي هو بشر مثل أي بشر وبين عيسى الذي خلق بمعجزة؟ لو كانت نظرية التطور صحيحة فإن آدم خلق بالأساس من تراب وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خلق في الأصل من تراب.. وبالتالي ينبغي أن تقول الآية : إن مثل عيسى كمثل محمد!! لأن كلاهما نبي وكلاهما أرسل برسالة وكتاب وكلاهما من أولي العزم.. فلماذا اختار الله تعالى آدم للمقارنة هنا؟ لأنه خلقه من تراب خلقاً مباشراً في حدث كوني فريد لم يتكرر إلا مرة واحدة فاستحق أن يكون هناك عرس كوني للاحتفال بهذا المخلوق العجيب واستحق بذلك سجود ملائكة الرحمن له… أليس هذا أكثر منطقية؟
آدم هو أول البشر
القرآن ليس فيه تكرار من دون مغزى أو حكمة بالغة.. وسوف نتأمل قول الله للملائكة ولكن بصيغتين:
قال تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) [ص: 71-72].
قال تعالى: (وَ إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 34].
لماذا استخدم لفظ البشر في الآية الأولى واستخدم لفظ آدم في الآية الثانية مع العلم أن الحدث ذاته؟
الآية الأولى تخبرنا أن الله تعالى قد أمر الملائكة بالسجود لبشر سيخلقه من طين ولكن السجود بعد التسوية ونفخ الروح.. وبالفعل سجد الملائكة كلهم على الفور إلا إبليس.
لو لم يحدد لنا الله تعالى في الآية الثانية من هو هذا البشر الذي سجدوا له.. ربما يدعي البعض أنه بشر عاش قبل آدم! ولكن عندما جاءت الآية الثانية لتحدد لنا بالضبط وتذكر اسم (آدم) عليه السلام.. فأصبح لدينا يقين أن أول بشر خلقه الله هو آدم ولا يمكن أن يوجد بشر قبله على الأرض!
فالآية الأولى توحي بأن الأمر بالسجود هو لأول مخلوق من البشر: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ).. فليس من المنطقي أن يخلق الله ملايين البشر ثم يختار منهم واحداً ويُسجد الملائكة له.. لأن مدلول الآية لا يمكن أن يفهم كذلك.. الذي يفهم اللغة العربية يدرك على الفور بأن هذه الآية تأمر الملائكة بالسجود لأول بشر على الأرض. والآية الثانية حددت لنا من هو بالضبط هذا البشر إنه آدم.. هذا يقضي بأن آدم هو أول البشر.
قال تعالى: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ) [ص: 75]. هذه الآية تؤكد أن آدم عليه السلام له خصوصية عن بقية المخلوقات لأن الله تعالى خلقه بيديه (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ).. وله خصوصية في نفخ الروح (وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي).. ولو كان آدم قد خلق بالتطور من كائنات سبقته كما تقول نظرية التطور إذاً هذه الآيات لا معنى لها!!
ولكن هل هناك دليل من القرآن على إمكانية الخلق المباشر؟ لأن علماء التطور يقولون إن عملية خلق كائن حي مثل الطيور من طين هي عملية مستحيلة، لابد أن تمر الطيور بمليارات السنين من التطور حتى تتحول إلى طيور. ولكن ما هو الدليل من القرآن على أن هذا الكلام غير صحيح؟
مثال على خلق الطيور من طين خلقاً مباشراً
هل تتصور عزيزي القارئ أن الله يذكر في كتابه شيئاً عبثاً؟ لماذا ذكر معجزة المسيح عليه السلام في خلق الطيور؟ لأنه يعلم بأنه سيأتي زمن يحاول بعض المسلمين إقناع الناس بالتطور، وأن أي مخلوق لا يمكن أن يأتي للطبيعة إلا عن طريق التطور.. فذكر لنا مثالاً قوياً ليقول لنا: إذا كان عبد من عباد الله لديه قدرة على الخلق المباشر بإذن الله.. فقدرة الله أكبر وأعظم!
سيدنا المسيح عليه السلام أعطاه الله قدرة على الخلق المباشر ليؤكد لنا أن قدرة الله أكبر.. قال تعالى: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ) [آل عمران: 49].. إذاً الطين يتحول إلى طير بشكل مباشر دون المرور بمراحل الاصطفاء الطبيعي أو الطفرات أو التأقلم البيئي… وخلال زمن قصير جداً، فكيف حدث ذلك؟
إن سيدنا عيسى كان يصنع تمثالاً على هيئة طائر ثم ينفخ فيه فيتحول مباشرة إلى طائر حقيقي، له دماغ، له قلب، له جهاز عصبي وجهاز هضمي.. ولديه القدرة على الطيران والتوجه والتفاعل مع بقية الطيور… ويمتلك كل مميزات الطيور الأخرى.. أي أن التراب يتحول إلى خلايا بمجرد النفخ فيه.. فما هو سر هذا النفخ؟
إنه نفخ الروح.. سيدنا عيسى هو روح الله.. الله نفخ فيه من روحه، ولذلك هو المخلوق الوحيد الذي كان لديه قدرة على نفخ هذه الروح في تمثال الطين ليتحول إلى طائر حقيقي.. أليس هذا دليلاً على الخلق المباشر؟؟
فإذا كان نبي من البشر أُعطي قدرة على الخلق المباشر.. أفلا يستطيع خالق البشر سبحانه أن يخلق الكائنات خلقاً مباشراً؟ ولكن هذا الخلق يسير بنظام وتدرج محكم.. وليس وفق عشوائية التطور وآليات المصادفة والطفرات التي لا تنتج إلا مخلوقات مشوهة!
لماذا فشلت نظرية التطور؟
النظرية سوف تبقى في حالة تخبط وفشل ما لم تعترف بما يلي:
1- الصانع (الخالق تبارك وتعالى)
2- الروح (برنامج التشغيل)
عندما يتحدث بعض علماء المسلمين عن نظرية التطور وكأنها حقيقة علمية يتجاهلون قضية مهمة، وهي أن النظرية لا تعترف بالروح ولا تعترف بالخالق عز وجل. وبالتالي هم يرتكبون خطأ كبيراً في ذلك.. لأن نظرية تتحدث عن سر وجود المخلوقات وتنكر الخالق وتنكر الروح التي تشغل هذه المخلوقات… لا تصلح حتى كفرضية علمية.. فكيف تقولون إنها حقيقة يقينية؟!
الأمانة العلمية تقتضي أن ننسب الاكتشاف العلمي لصاحبه.. مثلاً عندما نتحدث عن جهاز الآيفون، ثم يأتي شخص ليشرح لنا هذا الجهاز وينكر مخترعه.. ثم ينكر أن هناك برنامج تشغيل تم تصميمه خصيصاً لهذا الجهاز.. ويتحدث فقط عن أجزائه وهيكله.. فإن هذا يعتبر خيانة علمية.. هذا ما يفعله علماء التطور تماماً.. عملية إضلال للناس عن الحقيقة.
إن بعض المسلمين ممن يدعمون نظرية التطور يقولون إن التطور حدث فعلاً ولكن بإرادة الله تعالى.. هذا يعني أن الاصطفاء الطبيعي يجب أن نسميه “اصطفاء إلهي” لأن نظرية التطور تقول إن الاصطفاء يتم من قبل الطبيعة لذلك هو “اصطفاء طبيعي” بينما من يعتقد من المسلمين بالتطور يقول إن الله هو الذي يصطفي ويطوّر لذلك يجب أن يسمى “اصطفاء إلهي” . ونقول هل هذه التسمية مقبولة من قبل علماء التطور؟
بالطبع لا يقبلونها.. لأن علماء التطور إذا اعترفوا بخالق.. فهذا يعني أننا أصبحنا أمام نظرية أخرى مثل نظرية التصميم الذكي.. وهذه الأخيرة ينكرها علماء التطور أنفسهم. إذاً بمجرد أن نعترف بالخالق وبالروح والأنبياء وإعادة الخلق يوم القيامة.. فهذا يعني أننا نتحدث عن نظرية أخرى وليس عن نظرية التطور وبالتالي لا يجوز أن نقول إن نظرية التطور تتفق مع القرآن.
الخلط بين التطور والتدرج
وهنا تحصل المشكلة مع من يطلع على مقالات وأبحاث وأفلام التطور.. أنهم يسوقون عملية التدرج في الخلق وهي سنّة إلهية.. فيسمّونها بالتطور وهذا نوع من إضلال الناس. فالله تعالى خلق الكائنات وفق تدرج محدد ولا ننكر أن هناك تطور في عالم الكائنات ولكن ليس التطور الذي يتحدثون عنه، بل هو تدرج في الخلق. قال تعالى: { الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } [الفرقان: 2]. فالله عز وجل خلق كائنات وحيدة الخلية.. ثم خلق كائنات متعددة الخلايا.. ثم خلق كائنات أعقد .. وهكذا وفق تدرج في التعقيد.. ولكن جميع هذه الكائنات جاءت على نفس الدرجة من الإتقان. { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } [النمل: 88].
فلا توجد كائنات ذات تصميم ناقص، ولا توجد كائنات ذات تصميم أفضل من أخرى.. بل الله تعالى أحسن كل شيء خلقه: { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة: 7]. فالبكتريا البدائية والتي خلقت قبل مليارات السنين لا تقل أهمية ودقة وجودة عن السمكة أو الجمل أو الطيور.. كلها على نفس الدرجة من الإتقان لأن الخالق واحد..
وسؤالي لعلماء التطور: هل يستطيع أحد أن يقول بأن تصميم الفيروس أقل جودة من تصميم الطيور مثلاً؟ طبعاً كل مخلوق يعتبر متقن الصنع وتم إعطاؤه التصميم المناسب لحياته واستمراره.. وبالتالي لا يوجد تطور نحو الأفضل، إنما كل مخلوق هداه الله لطريقه: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه: 50].
الروح : بداية ونهاية
منذ الليلة 42 من عمر الجنين يبدأ الدماغ ببث الموجات الكهرطيسية.. وتتوقف فقط عند الموت.. إذاً الروح تنفخ في اليوم 42 وتبقى في الجسد حتى لحظة الموت عندما تغادر الجسد …
ما الفرق بين الحي والميت لحظة الموت؟ كل الأجهزة تكون في حالة سليمة ولكن الإنسان يموت، حتى القلب يمكن الاستفادة منه بعد الموت وكذلك كثير من الأعضاء يقومون بزراعتها لشخص آخر.. الذي حدث لحظة الموت أن برنامج التشغيل توقف تماماً مثل جهاز كمبيوتر انهار فيه برنامج التشغيل سوف نحصل على حالة موت مؤقت للكمبيوتر ويمكن إعادة الحياة له بمجرد وضع برنامج تشغيل فيه!
وهو ما حدث مع المسيح عليه السلام عندما كان يحيي الموتى.. العملية فقط تتطلب إعادة برنامج التشغيل! فالروح تخرج من جسد الإنسان فيتحول إلى ميت، وإذا قمنا بإعادة نفخ الروح تعود له الحياة.. قال تعالى عن المسيح: (وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) [آل عمران: 49].
عند خروج الروح يتوقف التنسيق بين مختلف أجهزة الجسم ويتوقف الإشراف عليها وبالتالي تبدأ بالموت إلا إذا تمكنا من إنقاذ بعض الأعضاء وزرعها في مريض آخر.. وسوف تبدأ بالعمل لأن جسم المريض يحوي برنامج التشغيل وهو مصمم لتشغيل أي عضو مشابة مثل القلب. فنحن إذاً أمام ما يشبه قطع غيار (أعضاء الجسم).. وبرنامج تشغيل (الروح).
القرآن وخلق الإنسان
مراحل خلق الإنسان ذكرها القرآن لنا بوضوح كامل: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصَارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) [السجدة: 7].
فقد خلق الله جميع الكائنات ثم بدأ خلق الإنسان من طين.. العملية هنا عبارة عن تشكيل الهيكل الطيني للإنسان.. ثم تم تحديد الطريقة التي سيتكاثر بها هذا المخلوق الجديد وهي عن طريق الماء المهين (الحيوانات المنوية) فقال: (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ).. ولكن حتى الآن هذا المخلوق لا يعمل ويحتاج لتسوية (ثُمَّ سَوَّاهُ) ولكن بقي أهم شيء من دونه لا يمكن للإنسان أن يعيش وهو الروح (وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) عند هذه المرحلة يستطيع الإنسان العيش وأن يسمع ويبصر… وإلا من دون الروح لا معنى للإنسان.
بلسان عربي مبين
القرآن واضح بيّن لا يقبل أي لبس أو شك أو ريب.. فهو كتاب محكم شديد الوضوح.. ولذلك لا يمكن أن نفهم قوله تعالى (وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) على أن الإنسان خلق من كائن قبله، هذا الفهم لا يمكن أن ينسجم مع اللغة العربية.
لو كان الإنسان جاء من كائنات أخرى فإن الله تعالى سيحدثنا عن ذلك.. لماذا يخبرنا العكس؟؟ أليس الله تعالى هو أعلم بخلق آدم؟ فلماذا يؤكد مراراً وتكراراً أنه خلقه من تراب أو طين أو ماء أو صلصال وجميعها مراحل تشكيل الهيكل قبل التسوية ونفخ الروح.. لماذا يؤكد القرآن على أن الإنسان خلق من طين.. لو كان الله خلقه من كائن آخر عن طريق التطور؟
إذاً نستطيع أن نقول إن نظرية التطور خاطئة تماماً لأنها تناقض القرآن في كل شيء!
والنتيجة التي نصل إليها تؤكد أن هذه النظرية لا يمكن أن تتفق مع القرآن الكريم، وأن الذين يعتقدون أنه يمكن تأويل القرآن بحيث أنه يتوافق مع نظرية التطور، لم يفهموا كتاب الله جيداً ولم يدّبروا آياته حق التدبر. أو أنهم لم يفهموا نظرية التطور جيداً ولم يفهموا أنها تنكر وجود خالق للكون، وأن داروين وضعها أساساً ليفسر نشوء الكائنات من دون خالق بالاعتماد على الطبيعة فقط.
فنرجو من أحبتنا أن ينتبهوا لهذا الأمر.. فالقرآن هو الأساس.. أي كل ما يتفق مع القرآن يقيناً نقبل به وكل ما يخالف القرآن مخالفة صريحة نرفضه، لأن العلم لن يأتي بحقيقة يقينية تخالف كلام الله تعالى.. فمهما حاول الملحدون أن يسوقوا من حجج واهية لإثبات أن الإنسان تطور فلن يستطيعوا أن يأتوا ببرهان علمي واحد.. لذلك من الأفضل لك أخي المؤمن أن تبقى مع القرآن.. لأننا في النتيجة سنقف بين يدي الله تعالى ولن ينفعنا إلا كتاب الله عز وجل.. { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } [الأنعام: 62]. نسأل الله تعالى أن يهدينا لما اختُلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
المراجع
http://www.telegraph.co.uk/science/2017/05/22/europe-birthplace-mankind-not-africa-scientists-find/
https://www.nature.com/articles/s41598-017-00548-3?error=cookies_not_supported
http://www.sciencemag.org/news/2015/07/humans-have-more-primitive-hands-chimpanzees
https://www.nytimes.com/2017/07/19/science/humans-reached-australia-aboriginal-65000-years.html
https://phys.org/news/2017-04-bonobos-representation-common-ancestor-humans.html
http://www.history.com/news/did-the-first-human-ancestor-emerge-in-europe-not-africa
https://www.livescience.com/38613-genetic-adam-and-eve-uncovered.html