هذا سؤال يشغل بال كل مسلم… ما هو الجهاد الحقيقي في عصر المعلوماتية والإنترنت؟ لنقرأ..
هل توقفت فريضة الجهاد كما يدعي البعض؟ وهل هناك جهاد في هذا العصر؟ وهل هناك أنواع للجهاد؟ وما هو الجهاد الكبير؟ هذا ما سوف نتعرف عليه الآن من خلال رؤية علمية وقرآنية جديدة للجهاد الكبير في عصر المعلوماتية والتكنولوجيا..
ذكر الجهاد في القرآن الكريم 33 مرة بصيغ متنوعة (جهاد – جاهد – جاهدوا- مجاهدين…) هذه الكلمة نجدها في 28 آية من آيات القرآن وهذه الآيات موجودة ضمن 15 سورة، وهذا يدل على أهمية الجهاد في حياة المسلم. ولكن الملفت للانتباه أن هناك آية مميزة جداً ومهمة جداً ذكر فيها الجهاد الكبير! فما هو هذا النوع من الجهاد؟ ومتى نزلت هذه الآية؟ وماذا تعني؟
المتوقع أن يكون الجهاد قد ذكر أول مرة في المدينة، لأن الجهاد لم يُفرض إلا بعد الهجرة، أي أن آيات الجهاد ستكون مدنية.. وأن الجهاد الكبير سيكون قد ذكر في أواخر السور نزولاً.. ولكن سوف نكتشف أن آية الجهاد الكبير نزلت في مكة المكرمة وقبل فرض الجهاد بسنوات؟
أول مرة ذكر فيها الجهاد في القرآن
ربما تتفاجأ عزيزي القارئ أن أول مرة ذكر فيها الجهاد في القرآن حسب ترتيب النزول نجدها في مكة وليس في المدينة!! هذه الآية تتحدث عن الجهاد الكبير مباشرة.. ولكن كيف يفرض الله الجهاد الكبير في مكة المكرمة وفي بدايات الدعوة؟ فما هو هذا الجهاد الكبير؟؟
يقول تعالى في هذه الآية: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَ جَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) [الفرقان: 52] الغريب أن الجهاد هنا مرتبط بشيء آخر لا يكون إلا به وهو القرآن.. فقد قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: فجاهدهم به: أي بالقرآن (ابن كثير، الطبري، تفسير سورة الفرقان) أما الإمام القرطبي فيقول: “وجاهدهم به قال ابن عباس بالقرآن. وقال ابن زيد: بالإسلام. وقيل: بالسيف، وهذا فيه بعد; لأن السورة مكية نزلت قبل الأمر بالقتال، جهاداً كبيراً لا يخالطه فتور” تفسير القرطبي.
ترتيب سورة الفرقان حسب النزول 52 ونزلت في مكة المكرمة قبل الهجرة بعدة سنوات.. والجهاد بمفهوم القتال لم يفرض الا بعد الهجرة.. حيث كانت الدعوة في بداية الأمر عبارة عن مجادلة بالتي هي أحسن، وإثبات وجود الله تعالى.. لذلك نلاحظ أن الآيات التي تدل على وحدانية الخالق ووجوده وقدرته وكذلك آيات الإعجاز العلمي معظمها نزلت بمكة المكرمة.. ونزلت في وسطها آية الجهاد الكبير!
ولكن لماذا بالقرآن؟
القرآن هو كلام الله تعالى وهو رسالة الله وهو كتاب الحقائق وهو منهج لضمان السعادة في الدنيا والآخرة.. القرآن كتاب قوانين وتشريعات إلهية، وهو كتاب علوم وطب وهندسة وفلك… والقرآن يحوي جميع المجادلات المنطقية والعلمية لحوار غير المسلمين… ببساطة القرآن هو كل شيء! وفيه تفصيل لكل شيء.. قال تعالى: (مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَ لَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَ هُدًى وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف: 111].
وهنا نستطيع أن ندرك أن في القرآن تفصيلاً لكل شيء ولكن حسب قدرة كل شخص على الرؤية والتدبر والملاحظة.. فالعلوم التي أودعها الله في كتابه المجيد لا يستطيع كل الناس مشاهدتها.. إلا من فتح الله عليه من علمه واختصه بهذا النوع من التدبر. هذه الآية جاءت وسط آيات الإعجاز العلمي ليدلنا على الأسلوب العملي للجهاد الكبير، فالسياق يدل على الاتفاق كما يقول أهل التفسير.. وسياق الآيات العلمية دلّنا على أن نوع الجهاد ينبغي أن يكون في هذه الحالة جهاداً علمياً.
دعونا نتأمل موقع آية الجهاد الكبير وسط آيات الإعجاز العلمي في سورة الفرقان وهي مكية بالكامل، وليس فيها آيات مدنية.. قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَ لَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَ النَّوْمَ سُبَاتًا وَ جَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) وَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَ أَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَ نُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَ أَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَ لَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَ لَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَ جَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَ هَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَ حِجْرًا مَحْجُورًا (53) وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَ صِهْرًا وَ كَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) } [الفرقان: 45 – 54].
صور حديثة للبرزخ المائي في خليج آلاسكا الذي أنبأ القرآن عنه قبل 14 قرناً.. في آية عظيمة سُبقت بآية الجهاد الكبير.. كإشارة إلى أن الجهاد الكبير هو الإعجاز العلمي.. المرجع وكالة الجيولوجيا الأمريكية USGS].
كما نرى هناك حديث عن البرزخ بين البحرين وقد رأينا معجزة البرزخ بين البحر المالح والنهر العذب.. وحديث عن علم المياه والماء الطهور وحديث عن إرسال الرياح وأنها هي سبب المطر (ماء طهوراً).. كذلك هناك حديث في بداية النص القرآني عن حقائق فلكية ومدّ الظل وأنه دليل على حركة الأرض حول الشمس.. وآيات أخرى تتناول حقائق علمية.. مثل خلق الإنسان من الماء، وقد ثبت أن جسم الإنسان يحوي نحو 70 % من الماء.. كذلك حديث عن إحياء الأرض الميتة، وقد ثبت علمياً أن هناك مناطق من الأرض تموت تماماً ثم تعود إليها الحياة من خلال المطر.. والغريب أن النص لا يحوي أي اشارات الى موضوعات في التشريع والأحكام الفقهية على الرغم من أهميتها!!
وتأملوا معي كيف جاءت آية الجهاد الكبير في وسط هذا النص الزاخر بالحقائق العلمية، ليؤكد لنا أن الإعجاز العلمي في هذا العصر هو جزء من الجهاد الكبير.. وأن الجهاد في هذا العصر (عصر ضعف المسلمين) هو جهاد العلم.. مع الأمر بأخذ جميع الأسباب التي تؤدي لقوة المسلمين والنهوض بهم من ضعفهم، لقوله: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال: 60]، والعلم هو احد هذه الاسباب.
لماذا كان هذا النوع من الجهاد كبيراً؟
لقد سمى الله تعالى هذا الجهاد بالكبير لحكمة بالغة وليس عبثاً.. فهو بالفعل كذلك للأسباب التالية:
1- الجهاد بالعلم كبير لأنه أوسع بكثير.. فأنت تستطيع أن تجاهد بعلوم القرآن في أي وقت وفي أي عصر وفي أي مكان وتحت أية ظروف وفي الليل والنهار وفي جميع بقاع الأرض ولجميع الناس… إذاً هذا النوع يتجاوز حدود الزمان والمكان.. بينما الجهاد- كجهاد الدفع فهو محدد بمكان وزمان وظروف محددة (للدفاع عن بلاد المسلمين وأنفسهم.. في حال تعرضهم للاحتلال، ولاسترداد حقوقهم وصدّ العدوان، كما هو الحال في فلسطين)..قال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَ لَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190].
2- الجهاد بالعلم وهو الجهاد الكبير يشمل المال والنفس والوقت والتفكير وسهر الليالي وبذل جهود كبيرة في تحصيل العلم لإقناع الملحدين.. فإقناع ملحد أصعب بألف مرة من قتله!! والإسلام جاء لإحياء النفوس لا أن يميتها.. جاء لينقذ البشر لا أن ينتقم منهم.. والإسلام جاء ليُسعد الناس لا أن يهددهم ويرعبهم… وهذه المعاني نجدها في علم الإعجاز.
3- الجهاد الكبير أصعب بكثير.. فهو يتطلب طاقة عالية جداً لإقناع المشككين والملحدين وغير المسلمين عموماً بأن هذا الدين هو الحق.. وهذا لا يتحقق إلا في ظروف من امتلاك قدرات علمية كبيرة ومعرفة واسعة للإجابة عن الشبهات والأسئلة المتعلقة بالإسلام وما يدعيه الملحدون من وجود أخطاء علمية في القرآن.
4- لا يمكن مواجهة النظريات الإلحادية والتي كانت سبباً في إلحاد الكثير من الشباب إلا بالإعجاز العلمي. فالملحدون اليوم يستخدمون لغة العلم لتسويق حججهم الواهية، ومواجهة هذه الحجج يجب يكون بنفس أسلوبهم وهو العلم.. فإذا ما امتزج العلم مع القرآن وصلنا إلى: الإعجاز العلمي.
5- الجهاد الكبير هو أسلوب راقي جداً وآمن وغير مكلف ومستمر.. أي أن آثاره مستمرة، بينما الجهاد بمعنى القتال، ذو تأثير محدد.. واليوم للأسف الحروب كلها مدمرة بسبب الأسلحة المدمرة التي تم اختراعها.. فأي حرب اليوم تعني الدمار… بينما الجهاد الكبير اليوم يعني البناء! فأنت تبني الشاب المسلم المثقف المزود بسلاح العلم… وتبني السمعة الطيبة للإسلام والمسلمين.. وتصحح نظرة غير المسلمين عن الإسلام، في زمن محاربته من قبل أعدائه باسم الإرهاب!!
6- إذا استخدمنا مصطلحات الحرب.. فإن سلاح الإعجاز العلمي يصعب مواجهته، فحقائق العلم ثابتة لا يمكن دحضها.. وآيات القرآن لا يمكن إنكارها لأن القرآن موجود بين أيدينا.. وهناك إثباتات من جامعة برمنغهام البريطانية Birmingham وجامعة توبنغون Tübingen الألمانية تؤكد وجود مخطوطات للقرآن تم تقدير زمن كتابتها بالكربون المشع وتحديد عمرها بدقة مذهلة… حيث تبين أنها تعود لفترة ما بعد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بقليل، وتحديداً خلال فترة خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه… وهذه المخطوطات مطابقة بنسبة 100 % للمصحف الذي بين أيدنا اليوم. كما في الصورة أدناه.
صفحة من المصحف الذي كشف عنه مؤخراً في جامعة برمنغهام، وتبين أن المخطوطة قد كتبت في الفترة 568-645 ميلادية، مع العلم أن فترة نبوة النبي كانت من 610-632 ميلادية.. وهذا يعني أن المخطوط قد كتبه شخص عاصر النبي وعاش معه.
صفحة من سورة الكهف كتبت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعشرين عاماً تقريباً. وهي مطابقة تماماً للمصحف الذي بين أيديا اليوم، وهنا نجد أن العلم (وتحليل المخطوطة بالكربون المشع من قبل جامعة توبنغتون الألمانية) يرد على ادعاء الملحدين بأن القرآن محرف!
7- اليوم لا ينفع إلا الجهاد الكبير.. لماذا؟ الحرب على الإسلام اليوم غالباً ليست بالطائرات أو الدبابات.. إنها حرب بالإعلام والكلام والتزييف وتسخير التكنولوجيا لتشويه صورة الإسلام، كما حدث في العديد من الدول الإسلامية. فهل تتصور عزيزي القارئ أن علاج هذا التشويه الإعلامي يمكن أن يكون بالحروب أم بالعلم؟ طبعاً إنه جهاد العلم الذي تستطيع من خلاله أن تقنع الآخرين بأنك على الحق.. وبالفعل أنت كذلك. فالإسلام هو الدين الحق.. قال تعالى: (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) [الأسراء: 105].
8- الجهاد الكبير يمكن أن تمضي كل عمرك فيه… وهو أيسر بكثير ومتاح لك وأنت في غرفة نومك! حيث تستطيع أن ترسل مقطع فيديو قصير حول الإعجاز العلمي (من خلال واتس أب أو فيس بوك .. مثلاً) لمعارفك وبعضهم سيعيد إرساله.. وهكذا وفق سلسلة هندسية تتضاعف ربما تصل في النتيجة للملايين أحياناً .. وعند تكرار هذه العملية باستمرار لابد أن يصل هذا المقطع وغيره من مقاطع الإعجاز في النهاية لإنسان ملحد أو على أبواب الإلحاد.. فتكون سبباً في إعادته للإسلام.
9- الجهاد الكبير مجاله أوسع بكثير فأنت تستطيع أن تنشر العلم النافع من خلال التكنولوجيا الحديثة والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي.. وكذلك من خلال الكتب والمجلات والمطبوعات ومن خلال المحاضرات والندوات والمساجد والجامعات وحتى المولات وفي الشوارع من خلال وضع بوسترات الإعجاز العلمي.. ومن خلال معارض ودورات ومراكز تخصص لنشر الإعجاز العلمي… تأملوا كم هو واسع مجال الجهاد الكبير!!
10- لماذا هو كبير؟ لأنه أوسع ويشمل الكثير من جوانب العلوم.. بل إن النبي جاهد الكفار بإعجاز القرآن البلاغي (وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) [النساء: 63].. أما اليوم فقد بلغ المسلمون حدوداً حرجة من الضعف.. والله تعالى لا يمكن أن يترك عباده تائهين، فعند تحقيق هذا النوع من الجهاد العلمي فإن الثواب سيكون كبيراً لأن الجهد الذي تبذله أيضاً كبير!
11- الجهاد الكبير اليوم هو جهاد طلب.. يهدف لنشر الإسلام بأسلوب العلم ومن دون حروب أو غزوات.. فلم يعد بمقدور أحد أن يمنع انتشار الإسلام بالوسائل الإلكترونية الحديثة التي هي أساساً من اختراع أعداء الإسلام.. فهم اخترعوا الوسيلة التي يشوهون بها صورة الإسلام.. فسخر الله جهاد العلم لنشر حقيقة الإسلام عبر الوسائل ذاتها!
12- إذا تأملنا الآيات التي وردت على لسان الكفار ومحاولاتهم للتشكيك بالقرآن وتشويه صورة الإسلام.. هذه الآيات غالباً ما يكون الجواب عنها في القرآن بآيات الإعجاز العلمي!! وهي كثيرة جداً في القرآن. مثلاً اقرأوا سورة ق والتي تتناول تشكيك المشركين بالبعث، قال تعالى: (أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) [ق: 3]، وتكذيبهم بالإسلام، قال تعالى: (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) [ق: 5]. وهذا بالضبط ما يروج له ملحدو هذا العصر من خلال إنكارهم للآخرة وتكذيبهم برسالة الإسلام..
تأملوا كيف رد القرآن عليهم بسيل من آيات الإعجاز العلمي.. قال تعالى: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) [ق: 6 – 11].
هذه الآيات تتحدث عن حقائق كونية تتعلق ببناء السماء وعدم وجود فراغات أو فجوات في الكون.. وحقائق في علم الأرض وحركة الألواح الأرضية، ودور الجبال الرواسي في توازن الأرض والبيئة.. وحقائق في عالم النبات والزوجية وإحياء الأرض بعد موتها والحديث عن حقائق تتعلق … وجميعها حقائق علمية لم يكشفها العلم إلا حديثاً. إذاً أسلوب القرآن في مواجهة الشبهات الإلحادية هو الحقائق العلمية.. وهو ما نسميه اليوم بجهاد العلم … إنه منهج قرآني أصيل.. ولكن للأسف معظمنا غافل عنه!
والنتيجة
1- إن الجهاد الكبير بالإعجاز العلمي هو مسؤولية الجميع.. فالكل على ثغر من ثغور الدعوة كل حسب إمكانياته.. فما أشبه حالنا اليوم بحال المسلمين في مكة المكرمة عندما تعرض المسلمون لأنواع من الحصار والحرب والظلم..
ولكن الحرب اليوم أشرس وتُستخدم فيها كل الوسائل، وقد بشر حبيبنا عليه الصلاة والسلام بأن الإسلام سيبلغ كل بيت (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر) [رواه أحمد]. وبالفعل دخل الإنترنت كل بيت ولم يعد هناك ما يمنع وصول دعوة الإسلام إلى كل مكان.
2- العلم كشف أسرار السعادة.. وكانت بالعطاء وليس بالأخذ.. والدعوة بالإعجاز هي نوع من أنواع العطاء الذي يمنحك السعادة.. فأنت عندما تساهم في نشر مقالات وأبحاث وفيديوهات وصور الإعجاز العلمي، إنما تقدم عطاءً مجانياً للآخرين.. ربما تنقذ إنساناً من النار!! وفي ذلك أيضاً تثبيت لإيمان المسلمين وتقويته وإقامة الحجّة على غيرهم.
3- تماماً مثل جهاد السلاح الهدف منه نشر الإسلام والدفاع عنه ويحتاج للإنفاق.. كذلك الجهاد بالعلم هدفه نشر الإسلام والدفاع عنه ويحتاج للإنفاق أيضاً.. فإنفاق المال في سبيل نشر أبحاث الإعجاز العلمي هو نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله إن لم يكن أفضلها في هذا العصر… لذلك نجد الأمر الإلهي: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [البقرة: 190] وبعده بخمس آيات نجد الأمر الثاني (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [البقرة: 195].
وإذا لم يقتنع علماؤنا بهذا المنهج في إنفاق المال.. فسوف نبقى في حالة ضعف وتخلف ونبقى في ذيل الأمم.. (مع العلم أن الملحدين في الغرب ينفقون من تبرعاتهم على الأبحاث العلمية!!! وهؤلاء هم من نسميهم ملحدين!).
وأخيراً… لابد من جهاد العلم في هذا العصر وأن نعمل بقوله تعالى: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52].. فما أجمل العلم عندما يمتزج مع الإيمان ليكون سبيلاً للدعوة إلى الله تعالى… نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم وأن يهدي بهذا البحث الكثيرين إلى طريق الدعوة الصحيح..