لحظة دخول القبر.. للأسف نحن نهتم بكل شيء إلا بمصيرنا.. يعني نهتم بتفاصيل الطعام والشراب وغلاء الأسعار وإذا انتقلت إلى بيت جديد تهتم بكل التفاصيل وتفرح بالانتقال إلى هذا البيت الجديد وتهتم بكل شيء إلا بنفسك..
لحظة دخول القبر.. للأسف نحن نهتم بكل شيء إلا بمصيرنا.. يعني نهتم بتفاصيل الطعام والشراب وغلاء الأسعار وإذا انتقلت إلى بيت جديد تهتم بكل التفاصيل وتفرح بالانتقال إلى هذا البيت الجديد وتهتم بكل شيء إلا بنفسك.. هذه النفس ستُغادر الجسد وجسدك سيَسكن في هذا القبر إلى أن يشاء الله.. وستكون هناك حياة طويلة جداً في عالم البرزخ ربما آلاف أو ملايين السنين لا نعلم متى تقوم الساعة؟
القرآن العظيم فيه كثير من الآيات تُحذرنا من الموت وضرورة الاستعداد لما بعد الموت.. بل القرآن كله جاء ليُنقذنا من مشاكل الدُّنيا ويأخذنا إلى سعادة الآخرة.. فلماذا تظلم نفسك وتتذكر كل شيء إلا البيت الذي ستَسكن فيه في هذه الدُّنيا حتى تزول الدُّنيا؟ يعني شيء غريب الإنسان فعلاً.
انظر كل يوم النبي عليه الصلاة والسلام كان يتذكَّر الموت.. أنا أُريدك لا تسمع كلامي اسمع كلام حبيبك عليه الصلاة والسلام (قَلِّد هذا النبي) النبي هو اُسوة حسنة لنا.. اجعل هذا النبي هو المثال والقدوة والأُسوة بالنسبة لك.. نبينا كل يوم كان عندما يضع رأسه للنوم كان يقول: “اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها” كان يُفكر بالموت.. كان تفكيره دائماً بالموت “إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها” عندما يستيقظ كان يقول: “الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور” سبحان الله.. إذاً كل يوم هناك موت؟ نعم النوم هو الموت الأصغر.. كل يوم يجب أن تتذكر الموت.. النبي عليه الصلاة والسلام يقول: “أكثروا من ذِكر هادم اللَّذات” طيب معقول أنا أهتم لكل شيء من حولي وأنسى المكان الحقيقي الذي سأستقر فيه وهو القبر؟ فلحظة دخول القبر يجب أن تُفكر فيها والتفكير بهذه اللحظة.. الحقيقة يَمنحك السعادة سأقول لك لماذا؟ الإنسان عندما يكون لديه مرض مُستعصي العلاج.. هم.. مشاكل.. ضيق في العيش أو الرزق بمجرد أن يتذَّكر أن هذه الدُّنيا ستنتهي خلال ثانية.. خلال لحظة وينتقل إلى عالم البرزخ سينسى همومه بالكامل ويقول: لماذا أنشغل بهذه الهموم وهذه المشاكل ويضيق صدري بها وفي أي لحظة قد أموت وتختفي هذه الدُّنيا وأنتقل إلى عالم البرزخ وعالم القبر؟
إذاً التفكير بحياة القبر تُنسيك الهموم والمشاكل.. إذا زعجك إنسان وحاول أن يعتديَّ عليك وغضبت وانفعلت وأردت أن تشتُمه وأردت أن تضربه وأردت أن تنتقم منه بمجرد أن تتذكر أنَّك ستموت وستكون حياتك الحقيقة في القبر وليس هنا على الأرض.. ستهدأ نفسك وستنسى هذا الأمر وستكون أكثر صبراً وتسامحاً وسوف تحزن لحال مَن يؤذيك.. يعني حقيقةً الإنسان عندما يصل إلى درجة عالية من التفكير بالموت يحزن لحال هؤلاء الذين لديهم أسباب الدُّنيا وغافلون عن الآخرة يحزن عليهم.. كيف سيواجهون مصيرهم في عالم البرزخ؟ هذا العالم الطويل الممتد وعالم البرزخ إما أن يكون فيه رزق ونعيم وإما أن يكون فيه عرض على النار.. الله عز وجل يقول: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 169ـ170] إذاً هي حياة فرح.. حياة فيها رزق.. حياة فيها بُشرى {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:170] فالخوف غير موجود.. الحزن غير موجود.. البُشرى موجودة.. الرزق موجود.. الفرح موجود.
إذاً أنا عندما أُفكر بحياة البرزخ أنا أهدأ وأطمئن.. على عكس ما يقوله بعض الناس فعلاً جهلاء يعني (يجهلون هذه الحقائق) يقول: أنتم تخوفونا من عذاب القبر.. عذاب القبر للكافر والمُلحد والمجرم.. أنا ما علاقتي بعذاب القبر؟ أنا رجل أقول: يا رب.. أثق بالله.. أثق برحمة الله لأن الله بشرني.. الله قال: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30-31-32] طيب أنا هذا المصير الذي أنتظره وأحلم به أنا ما علاقتي بعذاب القبر؟ عذاب القبر يخص شخص مجرم مثل فرعون {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} [غافر:45] أحاط بهم سوء العذاب.. ما هو سوء العذاب؟ {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} [غافر:46] {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:45-46] هذا يوم البرزخ ويوم القيامة ماذا؟ {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] لماذا تضع نفسك مع هؤلاء؟ يعني أنا فعلاً مَن يقول: أنتم تخوفونا من عذاب القبر.. لماذا تضع نفسك مع فئة المجرمين؟ أنت مع فئة المؤمنين.. المحسنين الذين ينتظرون لقاء الله.. الذين ينتظرون أن تُبشرهم الملائكة بالجنة..
لذلك هذه الحياة (حياة البرزخ) إما أن تكون نعيم أو جهيم والعياذ بالله.. ولكن أول لحظة تُغادر فيها نفسك هذه الدُّنيا (تنتقل إلى الله) هنا يجب أن تتذكر حتى تطمئن وحتى تُحبّ هذه اللحظة لأن كثير من الناس يعيش مرعوباً من الموت والموت حق.. أنا أكره الموت.. أكرهه غريزة فطريَّة وضعها الله فيَّ أنَّ الإنسان يكره الموت.. ولكن الموت إذا جاء (إذا جاء الأجل) أنا بالنسبة لي إن شاء الله أحلم بلقاء الملائكة.. أحلم بأن أرى جنات تجري من تحتها الأنهار.. أرجو أن أنظر إلى الله سبحانه وتعالى.. يعني هذا هو طموح الإنسان المؤمن.. أما موضوع العذاب وكذا هذا يخص من لديه معاصي وأخطاء وغافل عن الله.. {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:69] {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19].
لحظة الموت ستختفي هذه الدُّنيا للأبد لن ترى شيئاً منها وستبدأ حياة جديدة يجب أن تستعد لها.. والله لم يَطلب منك الكثير على فكرة: هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن تؤدي الصلوات الخمس وأن تتصدق من مالك للفقراء إذا كنت تملك المال وأن تصوم شهر رمضان بالإضافة إلى أعمال البر: (الإحسان والعفو) وهذه أخلاق كريمة فيها فائدة لك.. الصيام فيه فائدة لك.. الصلاة فيها فائدة لك.. ذِكر الله فيه فائدة لك.. بِرُّ الوالدين فيه فائدة لك أولاً قبل والديك.. الإحسان للآخرين {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83].. الكلمة الطيبة صدقة وفيها فائدة لك.. إذاً حتى نحن نتحدث علمياً هنا.. علماء من اليابان درسوا تأثير الكلمة الطيبة ووجدوا أن هرمون السعادة يتم إطلاقه بغزارة أثناء الاستماع للكلام الطيب وأثناء حديث الإنسان بكلام طيَّب.. وهذه الدراسة منشورة على موقعي على الإنترنت لمَن أحب الرجوع إليها.. إذاً الكلمة الطيبة فيها فائدة لك.. أعمال البر فيها فائدة لك.. طيب لماذا أنا لا أقوم بأعمال البر مثل الصِّدق والإحسان والأمانة وصِدق الموعد واتقان العمل وحب الخير للناس؟ لماذا لا أقوم بذلك؟ يعني لماذا تضع نفسك مع المجرمين.. الغافلين عن الله الذين يأكلون أموال الناس بالباطل.. الذين يؤذون الناس؟ لماذا تضع نفسك مع هؤلاء؟ ضع نفسك مع المتقين.. الأبرار الذين استقاموا على طريق الله سبحانه وتعالى.
فالبرزخ دعني أُخاطب الآن الإنسان الذي يرجو لقاء الله لأن الله يقول: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت:5] الذي يرجو لقاء الله يجب أن يكون صادقاً مع نفسه ومع الآخرين: لا يكذب (المؤمن لا يكذب).. يجب ألا يُؤذي الناس (ألا يحسد الناس) يجب أن يُعلم الناس الخير إنَّ الملائكة وحتى الحيتان في البحر وحتى النملة في جُحرها كل هذه الكائنات ليُصلون على مُعلمي الناس الخير.. عَلِّم الناس الخير.. انقُل معلومة مفيدة للناس.. اترك خلفك علماً نافعاً من خلال إرسال معلومة لمَن يحتاجها.. من خلال مشاركة معلومة (تُشاركها مَن تعرف ومَن لا تعرف) هذه تبقى صدقة جارية لك حتى بعد موتك.. لذلك يجب عندما تُفكر بلحظة دخول القبر أن تعتبر أنَّ هذا الجسد انتهى.. ينتهي مع الدُّنيا الذي يبقى هو النفس.. النفس تموت ولكن لا تَفنى.. موت النفس هو انتقالها من عالم الدُّنيا إلى عالم البرزخ هذا هو موت النفس.. لذلك قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27-30] لذلك يَنبغي أن تُفكر أن نفسك هذه ستعود إلى الله.
ولكن كيف تكون هذه النفس مُطمئنة؟ كيف أجعلها مُطمئنة؟ من خلال الإيمان بالله وحب الخير للناس وأعمال البِّر وذِكر الله ونشر العلم النافع وتطبيق ما أمرنا الله به وترك ما نهانا الله عنه القضية بسيطة جداً.. كل ما أمرك الله به فيه خير لك وفيه مصلحة لك وفيه منفعة لك في الدُّنيا والآخرة.. كل ما نهاك الله عنه: نهى عن الشذوذ الجنسي فيه شرّ انظروا إلى جدري القرود والأمراض المنقولة جنسيَّاً والإيدز وغير ذلك يعني هذه الأوبئة التي تُصيب الزُناة والعُصاة والشاذين.. لذلك حرَّم الله هذه الأشياء القبيحة علينا ليحفظنا لأنه يُريد لنا الخير في كل بساطة.. حرَّم عليك الخمر يُريد أن يحفظ عقلك وجسدك ويُنجيك من سبعة أنواع يُسببها تناول الخمر من السرطان (سبعة أنواع رئيسية من السرطان يُسببها الخمر) حرَّمه الله لأنه يُريد أن يُخلصك من الألم والأذى والمرض والشرّ والفقر والمشاكل النفسية والمشاكل الجسدية.. إذاً أنت حتى تكون نفسك مُطمئنة يجب أن تُطبق ما أمرك الله به (تلتزم بما أمرك الله به) وتنتهي عما نهاك الله عنه وأن تنتظر لقاء الله.. تنتظر أن ترى مقعدك من الجنة لأن حبيبنا عليه الصلاة والسلام أكَّد في روايات كثيرة أن المؤمن عندما يقترب أجله يرى مقعده من الجنة فيُحب لقاء الله ويُحب الله لقاءه عكس الكافر.. الغافل عن الله عندما يقترب أجله يرى مقعده من النار فيَكره لقاء الله ويَكره الله لقاءه.. فدعونا نكون من الصنف الأول الذين بشرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن المؤمن عندما تأتي ملائكة الرحمة لتُبشرك بجناتٍ عرضها السماوات والأرض {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة:25] تَطوق نفسك لهذه الجنة.. تُريد من الدُّنيا أن تنتهي بسرعة يعني الثانية تمر عليك وكأنها مئة سنة.. تُريد أن يعني تخرج من هذه الدُّنيا لترى هذه الجنات ولترى هذا النعيم ولترى يعني ما أعدَّه الله لك من خير.
لذلك لا أُريد أن أُطيل عليكم أول لحظة لدخول القبر هي لحظة جميلة جداً بالنسبة للمؤمن.. لحظة رائعة يكون فيها مع الله.. القرآن يأتي ليُنير قبره.. القرآن يأتي ليُنير قبرك.. القرآن يُدافع عنك.. كل شيء تتمناه يُحققه الله لك ونفسك المُطمئنة تدخل في عباد الرحمن سبحانه وتعالى.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون جميعاً من هؤلاء الذين قال الله فيهم: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:5-6].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
بقلم عبدالدائم الكحيل
يمكنكم مشاهدة هذا الفيديو :