الحقيقة لماذا هذه الآية بالذات تُخرج الشيطان؟ يجب أن نتأمل كلمات هذه الآية ثم إنَّك وأنت تقرأ آية الكرسي إياك أن تقرأها قراءة ميكانيكية من دون أن تفهم شيء.. من دون أن تتأثر بها.. إياك أن تقرأ القرآن بشكل عام لمجرد القراءة.. لمجرد أن تقول وتتباهى أنا ختمت القرآن..
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد الله رب العالمين وصلى الله على حبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كيف تَجعل الشيطان يَهرب من بيتك؟ القرآن حذَّرنا من الأثر السّلبيّ لوجود الشيطان في بيوتنا وعلَّمنا كيف نحذر منه؟ والقرآن علَّمنا أن نقول: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون:97ـ98] ولكن هناك آية واحدة فقط تَقرأها خلال دقيقة تجعل الشيطان يَهرب.. دعوني أستمع إلى حبيبنا عليه الصلاة والسلام ماذا قال؟
ثم نتأمل هذا الكلام النبوي الشريف.. النبي عليه الصلاة والسلام يقول: “سورة البقرة فيها آيةٌ سيد آي القرآن، لا تُقرأ في بيتٍ وفيه شيطان إلا خرج منه؛ آية الكرسيّ” [رواه الحاكم] صلى الله عليه وسلم.. حديث واضح ليس كلامي هذا كلام مَن لا يَنطقُ عن الهوى.. هذا كلام سيد البشر..
يُحدثنا ويقول لنا: إذا أردت أن يَخرج الشيطان من بيتك فاقرأ سورة البقرة أو على الأقل آية هي آية الكرسي هذه الآية هي سيد آي القرآن يعني لها عظمة هذه الآية.. لها أهمية قسوة.. طبعاً آية الكرسي هي آية الحفظ: يَحفظك الله من الشر.. يَحفظك من الحوادث.. يَحفظك من المرض.. يَحفظك من الوباء.. يَحفظك من الخوف.. يَحفظك من الأذى…
كل ما تتخيله من أنواع الحفظ هذه الآية وكأن فيها طاقة أو قوة كامنة تُحيط بك وببيتك وبأسرتك.. فعندما تقرأ آية الكرسي كأنَّما وضعت جهاز حماية حول البيت.. حراسة يعني ولكن الحراسة ليست من قبل البشر ضعفاء.. الحراسة هي بكلام الله.. بعظمة كلام الله.. بالقوة الكامنة الموجودة نحن لا نراها ولكنها موجودة في كتاب الله تبارك وتعالى.
الحقيقة لماذا هذه الآية بالذات تُخرج الشيطان؟ يجب أن نتأمل كلمات هذه الآية ثم إنَّك وأنت تقرأ آية الكرسي إياك أن تقرأها قراءة ميكانيكية من دون أن تفهم شيء.. من دون أن تتأثر بها.. إياك أن تقرأ القرآن بشكل عام لمجرد القراءة.. لمجرد أن تقول وتتباهى أنا ختمت القرآن..
أنا قرأت جزء من القرآن اليوم لا.. لو خَتَمت القرآن مئة مرة طبعاً هناك أجر إن شاء الله ولكن إذا لم تكن نيتك أن تفهم القرآن انتبه معي.. وتتدبر هذا القرآن وإذا لم تكن نيتك أن قراءة هذا القرآن هي ابتغاء وجه الله.. لن تستفيد شيئاً.. لأن الله لا يعطي من الأجر إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم..
العمل الذي تعمله فقط لتقول أنا حفظت.. يُخشى أن تكون العقوبة في جهنم ليس مجرد أنَّه لا يوجد ثواب قد يكون هناك عقوبة لأننا نعلم أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان يُحدث سيدنا أبا هُريرة رضي الله عنه فكان يقول له: إنَّ قارئ القرآن الذي لا يبتغي وجه الله بل يقرأه ويحفظه لمجرد الشُهرة ولمجرد أن يَرى الناس عظمته ولمجرد الرياء ولمجرد السمعة وليُقال هذا قارئ وهذا حافظ هذا الإنسان هو أول من تُسعَّر به النار يوم القيامة والعياذ بالله.. فيجب أن تقرأ القرآن لله فقط ولا تُشرك معه أحد.
أنا إذا كنت أقرأ القرآن لله.. الله كيف يرضى عني؟ يعني إذا ختمت القرآن مرة واحدة بتدبر أفضل أم أنني أختِمُه مليون مرة من دون تدبُر؟ لا.. آية واحدة إذا تدبرتها خيرٌ لك من أن تقرأ القرآن ولا تفهم شيئاً.. إذاً الله عز وجل لم يأمرنا بكثرة قراءة القرآن من دون فهم بل آيات القرآن تقول: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء:82] {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:29] {أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [يس:68] {أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام:50]…
يعني دائماً هذه الآيات تدعوك للتفكر.. تدعوك للتأمل فيجب أن تقرأ آية الكرسي وأنت تتفكر في هذه الآية وتتساءل لماذا هي آية الحفظ؟ ماذا يوجد فيها حتى تَطرد الشيطان؟ انتبه معي: آية الكرسي هي الآية رقم 255 من سورة البقرة.. طبعاً أنت إذا قرأت سورة البقرة كاملة هذا أفضل ولكن على الأقل إذا لم تتمكن من قراءة السورة كاملة على الأقل اقرأ آية الكرسي التي هي بحدود ثلاثة أسطر أو أربعة أسطر.. هذه الآية بسبب عظمتها بَدأت بأعظم كلمة وهي الله وخُتمت باسمٍ من أسماءه الحسنى وهو العظيم.. بَدأت باسم الله وخُتمت باسم العظيم.. طيب أيُّ شيطان سيَصمد أمام أسماء الله سبحانه وتعالى؟..
أيُّ شيطان سيصمد عندما تقول: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]؟ يعني أنا الآن وثقتُ بالله وتوكلتُ على الله وعَلمت أنَّه هو الحي الذي لا يموت.. القيوم قائمٌ بشؤون عباده.. مُتصرفٌ في الكون والشيطان ليس له أي تصرف وليس له أي تأثير فعبارة {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] عبارة تَجعلك تثق بالله وبقدرته.. الشيطان يتلاشى أمام هذه العبارة.
{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة:255] الشيطان ينام.. الكائنات كلها تنام ولكن الحي القوم لا ينام والسِنة هي الغفلة البسيطة يعني حتى غفلة بسيطة سبحانه وتعالى لا يغفل.
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] أنا ألجأ إلى عبد من عباد الله لكي أحصل على شيء من الخير والله موجود؟ لا.. { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] إذاً العطاء بيد الله.. القدرة بيد الله.. الخير بيد الله.. المُلك بيد الله.. { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة:255] كل شيء هو لله.. انظروا كلما قرأت هذا الكلام الشيطان يَتَصاغر.. الشيطان يُريد أن يَخدعك ويقول لك فُلان بيده الخير.. فُلان يَملك أن يضُرك.. فُلان يَملك.. فُلان يُسيطر.. فُلان قادر… عندما تقول: { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة:255] أنت دمرت الشيطان بشكل كامل ماذا سيقول لك الشيطان؟ كيف سيوسوس لك بعد هذا الكلام؟.
{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة:255] والشيطان هو مخلوق الله يَعلم ما بين أيديه وما خلفه ويعلم كيف يوسوس وقادرٌ أن يحفظني من شره.
{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة:255] كُرسي الرحمن أكبر من الكون.
{وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} [البقرة:255] لا يعجز هذا إله العظيم أن يحفظ السماوات والأرض.. {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} [البقرة:255] لا يُعجزه حفظهما.. قادر أن يَحفظ السماوات الأرض فهو قادرٌ أن يحفظ عبداً فقيراً يقول: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] يحفظني من شر هذا الشيطان وغيره.. انظروا مع كلمات هذه الآية تزداد ثقتك بالله.. يَزداد يقينك بالله.. يزداد تسليم أمرك لله والشيطان يتصاغر ويتتضاءل وتَقل وساوسه وليس لديه حيلة.
ثم تُختم هذه الآية العظيمة: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255] هذا الإله عليَّ عظيم.. أعظم من الشيطان.. أعظم من البشر.. أعظم من ملوك الأرض.. أعظم من الكون كله… إذا كان كُرسي الرحمن أعظم من الكون فكيف بالملك سبحانه وتعالى؟
لذلك أنا أريدك أن تُفكر بهذا الأسلوب وأنت تقرأ هذه الكلمات الرائعة.. أريدك أن تتخيل أن الشيطان بدأ يَتصاغر أمام كلمات الله وبدأ يفر ويهرب وهو ذليل.. مُنكسر.. خاسر.. فاشل… لذلك احرص على أن تحفظ هذه الآية أن تقرأها على الأقل مرتين في الصباح والمساء ليحفظك الله سبحانه وتعالى من شر هذا الشيطان.. وإذا خرج الشيطان من بيتك ستجد أن المشاكل الأسرية توقفت.. لأن سببها الشيطان.
انظروا إلى قصة سيدنا يعقوب عليه السلام ماذا قال لابنه؟ سيدنا يوسف قال له: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف:5] يعني هؤلاء الإخوة سيكيدون لك كيداً ولكن مَن المُحرض لهم؟ هو الشيطان.. فإذا خرج الشيطان من البيت انتهى الأمر.. وبالتالي أي إنسان إذا أبعدنا عنه الشيطان ستجد أنَّه أصبح إنساناً صالحاً..
المشكلة كلها في وساوس الشيطان.. لذلك احرص أن تحفظ هذه الآية وطبعاً إذا استطعت أن تقرأ سورة البقرة أو على الأقل أن تستمع لها من خلال جهاز موبايل مثلاً تضع سورة البقرة عليه وتستمع إليها وبخاصة أثناء الليل وطبعاً سيكون لك من الأجر والثواب تماماً وكأنك تقرأ.. لأن أجر المُستمع قد يكون أعلى من أجر القارئ إذا استمع بإنصات وتدبر لأن النبي عليه الصلاة والسلام حفظ القرآن استماعاً..
سمعه من سيدنا جبريل.. وبالتالي إذا استطعت أن تسمع سورة البقرة كل يوم هذا جيد.. أضعف الإيمان أن تحفظ آية الكرسي وأضعف شيء أن تُكررها مرتين كل يوم في الصباح ليحفظك الله طيلة اليوم وفي الليل قبل النوم ليحفظك الله في هذه الليلة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا وإياكم جميعاً من شرِّ الشيطان وشِركه.
والسلام عليكم ورحمة الله وتعالى وبركاته.
بقلم عبدالدائم الكحيل
يمكنكم مشاهدة هذا الفيديو :