{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] هل هذه الآية تدل على أن الميت لا يسمع؟ وهل ذلك الشخص الذي قال: مَن يعتقد أن الميت يسمع يُكذب هذه الآية الكريمة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] هل هذه الآية تدل على أن الميت لا يسمع؟ وهل ذلك الشخص الذي قال: مَن يعتقد أن الميت يسمع يُكذب هذه الآية الكريمة؟
الحقيقة هناك فئة من الناس للأسف يريد أن يفهم القرآن كما يُحب.. لذلك يقول: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] الميت لا يسمع.. إذاً حديث النبي عليه الصلاة والسلام.. الحديث الصحيح الذي يؤكد فيه النبي أن الميت يسمع: (عندما يتوَّلى أهله وإنه ليسمع قرع نعالهم) يُكذِّب هذا الحديث ويُكذِب أيضاً حديث قتلى بدر عندما خاطبهم النبي عليه الصلاة والسلام وقال لسيدنا عمر: (ما أنت بأسمع مما أقول منهم) يُكذِّب هذا الحديث وأيضاً يُكذِّب هذا الشخص الحقيقة العلمية المكتشفة حديثاً والتي تحدثنا عنها آنفاً.. اكتشاف علمي مرعب للعلماء يقول: إن الميت يسمع ما يدور حوله.. وتم قياس نشاط في الدماغ في منطقة السمع وظهرت هذا النشاط على أجهزة الكمبيوتر من خلال أجهزة الرنين المغناطيسي وسنضطر أن نُكذِّب الحقائق العلمية ونُكذِّب حديث النبي لنُصدق تفسيراً لشخص هو يعتقد ذلك.. طيب هل هذه الآية تدل على أن الميت لا يسمع؟
دعونا نتأمل الآية.. الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22].. يعني يا محمد أنت لن تُسمع هؤلاء الموتى في القبور.. ما معنى ذلك؟ هل معنى ذلك أن الميت لا يسمع؟ لا.. سأقول لماذا؟ السمع هنا بمعنى الإستجابة.. أنت عندما تُحدِّث مجموعة من الأشخاص وتقول لهم: “سأعطيك مثال من الواقع”.. تقول لهم: هناك سيارة ستصدمكم الآن من خلفكم فتجد أن واحد منهم لم يُبدي أي رد فعل ماذا تقول له؟ تقول له: ألا تسمعني؟ إذاً أنت ما الذي جعلك تقول لفلان: ألا تسمعني؟ يعني عندما لم يصدر عنه أي رد فعل اعتقد أنه لا يسمعك.. طيب الكفار الذين كانوا في زمن النبي عليه الصلاة والسلام ماذا قال عنهم؟ قال: {لَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:179] هذا حيّ ويعيش {لَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:179].. طيب في سورة فُصلت الله سبحانه وتعالى يقول: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [فصلت:4] النبي يدعوهم فهم سمعوا.. حقيقةً هم سمعوا كلام النبي.. طيب ما معنى {لَا يَسْمَعُونَ}؟ أي لم يظهر عليهم بوادر السماع/نتائج السماع.. أنا لا يهمني أن الترددات الصوتية دخلت إلى دماغك.. أنا الذي يهمني رد الفعل.. أنت عندما تخاطب إنسان وتتحدث معه وهو متجمد في أرضه تقول له: ألا تسمع؟
إذاً الاستماع أو السماع تحديداً هو ما يظهره الشخص من رد فعل يعني الميت لا يستطيع أن يقوم بأي رد فعل هو يسمع ولكن ليس هناك استجابة.. لذلك الدكتور سام بارنيا الذي تحدثنا عنه من فترة يقول: إن الميت يسمع كل شيء ولكنه حديث في جسده لا يستطيع أن يتحرك (محبوس) ولكن يسمع.. الأجهزة تقول ذلك.. القياسات قياسات نشاط الدماغ تقول ذلك ولكن لا يستطيع أن يفعل أي شيء.. لذلك هو يستمع وترددات الصوتية تدخل وتتفاعل في دماغك ولكن لا يستطيع أن يقوم بأي رد فعل لأنه ميت.
كذلك هنا القرآن عندما يقول عن النبي عليه الصلاة والسلام: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] يعني هل الله يقول له: يا محمد أنت لن تُسمع مَن في القبور؟ يعني هذا ما أراده الله في نظرك؟ لا.. يعني هل هذا منطق الله يبعث رسولاً ثم يقول له: يا محمد أنت لن تسمع مافي القبور؟ لا ليس هذا المقصود.. المقصود أن هؤلاء الذين كذبوك ولم يستجيبوا لدعوتك هم يستمعون.. استمعوا بالفعل ولكن لم يستجيبوا لك فمثلهم كمثل الميت الذي لا يستجيب.. هذا هو معنى الآية وليس معنى الآية {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] يعني نبي هل كان يقف أمام القبور ويخاطبهم مثلاً؟ طبعاً لا.. هل كان يذهب إلى الأموات ويدعوهم إلى الإيمان لذلك الله قال له: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] لا.. آيات القرآن كلها تقول لك: إن الكافر يستمع لك وهو بالفعل هذه الترددات الصوتية دخلت إلى دماغهولكنه لم يستمع بجد.
لذلك {لَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:179] يعني أنا لديَّ هنا آية عظيمة جداً الله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال:20] سورة الأنفال الخطاب لمَن؟ للذين آمنوا.. {أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ* وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأنفال:20-21] طيب سبحان الله هنا الآية أعطتني مفهوم جميل جداً {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأنفال:21] إذاً القضية قضية استجابة وليست قضية سمع وعدم سمع.. الكل يسمع يعني أنا قد أجلس مع شخص صيني أُحدثه ساعة هو لا يفهم شيئاً.. هو استمع لكل المعلومات ولكن عندما أسأله لا يستطيع أن يُجيب فهو لم يسمع.. حقيقةً لم يسمع أي لم يفهم ولم يستجب.. لذلك الله سبحانه وتعالى يقول للمؤمنين: لا تكونو كأمثال هذا الكافر الذي استمع إلى كلام الحق واستمع إلى كلام النبي وكلام القرآن ثم فعلياً لم يسمع مع أنه حيّ.
إذاً هنا السمع بمعنى الاستجابة ونحن هذا الكلام الصحيح في الواقع اليوم نحن نطبق هذا الكلام.. أنا ما الذي يجعلني أعلم أن هذا الإنسان سمع أم لم يسمع؟ رد الفعل.. رد فعله يخبرني أنه سمع أو لم يسمع.. عندما أدخل إلى محل وأخاطب شخص وأقول له: أريد كذا ولا يظهر رد فعل أقول له: ألا تسمع؟ هل تسمعني؟ ألم تسمع؟ إذاً ما الذي يجعلني أحكم أنه سمع أو لم يسمع؟ رد الفعل.. إنسان قد يسمع ولا يريد أن يُظهر أي رد فعل مثلاً زوجة غضبت من زوجها فيدخل ويُحدثها يقول لها: يا فلانة سنفعل كذا وهي لا ترد طيب ألا تسمعينني؟ مع أنها تسمعه فإذاً السماع هنا يظهر عند رد الفعل.. الكفار استمعوا إلى النبي ولكن أداروا ظهورهم وكأنهم لا يسمعوا لذلك قال له: لا تتعب نفسك يا رسول الله {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] هؤلاء لن يستجيبوا تماماً مثل كأنك تُخاطب إنسان ميت لا يستطيع أن يستجيب أما هو يسمع الترددات الصوتية تدخل وتتفاعل في دماغك حقيقةً ولكن لا يظهر أجابة.
إذاً هنا هذا الذي يقول هذا الكلام هو فهم الآية خطأ.. فسرها خطأ لذلك قال: مَن يقول الميت يسمع هو يُكذِّب هذه الآية التي تقول: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] هو لم يفهم الآية لأن هذه الآية لا تقول للنبي: يا محمد أنت لا تخاطب هؤلاء الموتى لأنهم لا يسمعون.. لا تقول له: لا تتعب نفسك مع هؤلاء الكفار الأحياء الذين هم بالفعل يستمعون لقولك وتدخل الترددات الصوتية إلى أدمغتهم وتتفاعل ولكن لا يستجيبون فهم مثل هؤلاء الموتى {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22].
نسأل الله عز وجل أن تكون الصورة وضحت ولا داعي أن تتبعوا يعني هؤلاء الذين في كل يوم يجلس ويُفسر مئة الآية عشوائياً فقط لتحقيق مشاهدات وللفت الانتباه وهذا الكلام خطير جداً يعني أنا أحزن على أمثال هؤلاء لأنهم يقولون في القرآن برأيهم وبغير علم ويفترون على الله الكذب.. هذا هو الافتراء على الله من أجل أن تحصد شهرة معينة أو شيء معين أو تلفت انتباه الناس بشيء معين تفتري على الله الكذب.
لذلك أرجو من الجميع أن يحذر وألا يأخذ من أمثال هؤلاء.. خُذ العلم من القرآن نفسه.. فَكِر في الآية وافتح القرآن وابحث الآيات التي تتحدث عن الاستماع والسماع ويسمعون ولا يسمعون وابحث عن هذه الآيات ثم انظر إلى سياقها وتفسيراتها ثم استنبط أنت المعنى الصحيح.. أنا أفعل هذا.. أنا هذه الآية طبعاً رجعت للقرآن لأفهمها جيداً ووجدت الكثير من الآيات تقول عن الكفار أنهم لا يسمعون مثلاً: {لَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:179] طيب هذا حي كيف لهم آذان لا يسمعون مع أنه حي المفروض أنه يسمع؟ طيب هل القرآن يُحدثنا عن مخلوقات لا تسمع أم كيف؟ لا تبين لي أن كلمة لا يسمعون هنا أي لا يستجيبون للحق.. لا يظهرون أي رد فعل وبالفعل أنا عندما طبقت هذا في الواقع عندما أتحدث لشخص ولا يُظهر أي رد فعل أقول: هل هذا يسمع أم لا يسمع؟ لاحظتم.
إذاً السمع مرتبط بالاستجابة {لَا يَسْمَعُونَ} أي لا يستجيبون أو لا يسمعون نداء الحق فأنت تقول لشخص مثلاً هذا حرام ثم يتابع فعل الحرام فأنت تظن أنه لا يسمع مع أنه يسمعك ولكن بسبب رد فعله تظن أنه لا يسمع كذلك الميت يسمعك وثَبُت هذا علمياً ولكن بسبب عدم قدرته على الحركة أو إظهار أي رد فعل ف{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] يعني مهما كلمت هذا الذي في القبر لن يستجيب لك كذلك هذا الكافر لن يستجيب لك.
نسأل الله عز وجل أن يُعلمنا ما ينفعنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بقلم عبدالدائم الكحيل
يمكنكم مشاهدة هذا الفيديو :