» أسرار إعجازية

سلسلة الموت: هل يتألم الجسد بعد خروج الروح؟

الميت إذا تألم فإن النفس هي التي تتألم وإذا عُذِّب في قبره أو بعد موته فان النفس هي التي تُعذَّب وإذا نُعِّم وكُرِّم أيضاً النفس هي التي تُنعم….

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا لقاء جديد في سلسلة الموت.. الحقيقة كل واحد منا ينبغي أن يستعد لهذه اللحظة.. تدري متى تأتي لحظة الموت.. قد تموت وأنت نائم.. تموت في حادث.. تموت وأنت في العمل {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185].. فينبغي كلنا أن نستعد لهذا اللقاء العظيم.. لقاء رُسل الله.. لقاء ملك الموت.. كيف سيكون شكلك وتفكيرك وأجوبتك لهذه الملائكة التي ستأتي لتقبض روحك؟

أنا اليوم أحب أن أتناول موضوع يتعلق ب: هل الجسد يتألم بعد الموت؟ يعني الإنسان الذي مات إذا قطعوه مثلاً أو مثَّلوا بجسدته أو أحرقوا الجثة هل يتألم؟ هل يتعذَّب نتيجة هذا التعذيب بعد الموت للجسد طبعاً؟

قُلنا في لقاء سابق ينبغي أن نقرأ القرآن جيداً.. الإنسان هو عبارة عن ثلاثة أجزاء (مركب من ثلاثة أجزاء).. أول جزء وهو الجزء الأقل الأهمية: هو الجسد.. هو الأقل أهمية لأنه عبارة عن ذرات.. خُلقت أيها الإنسان من ذرات التراب وبعد الموت سيتحلل هذا الجسد ويتحول إلى ذرات تراب.. يتحول إلى المادة التي خُلق منها.. إذاً هذا الجسد ليس له قيمة.. هو عبارة مكون من مكوناتك أيها الإنسان.. معظم مشاكلنا اليوم أننا نهتم بالجسد وبالصورة الخارجية وبالمظهر الخارجي وننسى النفس والروح وهما الأساس.. إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم يعني ينظر إلى عملك/سلوكك/إيمانك.. إلى الأعمال الصالحة التي تقوم بها.. الله تبارك وتعالى ينظر إلى هذه الأشياء المهمة وليس الجسد لأن الجسد سيُفنى.

إذاً مبدئياً يمكن أن نقول: إن الإنسان بمجرد أن يموت وتخرج هذه النفس خارج الجسد لأن هذه النفس تسكن في الجسد.. عندما تخرج هذه النفس.. تُخرجها الملائكة (ملائكة الموت) فإن هذا الجسد هو عبارة عن ذرات ليس له قيمة.. لا يتألم ولا يحدث له أي شيء ولكن على الرغم من ذلك النبي أمر بإكرام الميت يعني حتى هذا الجسد أو هذه الصورة لها تكريم في الإسلام.. لا يجوز أن تُحرقها أو تعبث بها أو تقطعها أو تنتقم منها مثلاً أو غير ذلك… لايجوز.. الإسلام يُكرم الإنسان بروحه وجسده ونفسه حياً وميتاً.. هذه روعة الإسلام.. هذه عظمة هذا الدين {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء:70].

إذاً أيها الإنسان في ظل الإسلام أنت مكرم حياً وميتاً ويوم تبعث (يوم القيامة) أنت كريم أيضاً.. ستُبعث في أبهى صورة وستكون في أفضل موقف وستعامل أفضل معاملة على عكس الملحد الذي يعيش حياة التعاسة والاكتئاب ويموت وهو ذليل {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:50].. {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران:182].

إذاً هنا الضرب على الوجه والدُبر.. طيب قبل قليل قُلنا إن الجسد لا يتألم.. كيف يقول الله تعالى: {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال:50]؟ هذا الموقف في غمرات الموت.. ما قبيل الموت لأن الله يقول: {يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال:50] {يَتَوَفَّى} إذاً عملية الوفاة عملية تأخذ زمناً حتى ولو كان واحد بالمليار من الثانية ولكن هذا الزمن يساوي كل حياتك التي عشتها.. هذا الزمن الضئيل جداً سترى ملائكة الله وسوق يتوفوَّن هذا الظالم أو هذا الكافر أو هذا المجرم.. يضربونه على وجهه وعلى دُبره أي من الأمام ومن الخلف.. {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:50] بمجرد أن خرجت هذه النفس.. كيف تخرج نفس المؤمن؟ ما الفرق بين المؤمن والملحد؟ كل واحد منهما سيموت ولكن كيف ستخرج نفس المؤمن أو كيف ستخرج نفس الملحد؟

نفس المؤمن تخرج مشتاقة للقاء الله تعالى.. لا يشعر المؤمن تقريباً بألم يُذكر إلا سكرات الموت يعني ما قبيل الموت.. تكون نفسه تواقة للجنة لأنه يرى مكانه من الجنة.. كل إنسان.. كل واحد منا مجرد أن جاء أجله واقترب الموت سوف تأتي رُسل الله (ملائكة) لا يعلم عددها إلا الله قد يكون ثلاثة لأنه هنا بصيغة الجمع {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ} [الأنفال:50] فملائكة في اللغة العربية هو ثلاثة وأكثر يعني قد يكونوا ثلاثة ملائكة أو أربعة أو خمسة أو بالمئات لا نعلم هذا أمر غيبي.. هذه الملائكة التي تأتي للمؤمن تأتي بصورة جميلة يحبها المؤمن.. يقولون: هذا مقعدك من الجنة {لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف:49].. لا هم ولا غم ولن يستطيع أحد أن يؤذيك بعد هذه اللحظة سترتاح من هذه الدنيا التعيسة.. هذه الدنيا المليئة بالهموم والمشاكل.. سوف تصعد روحك إلى رازقٍ عليم حكيم كريم.. رب كريم سبحانه وتعالى سيُكرمك بهذه الجنة التي تراها أمامك فتبدأ نفسه بالتشوّق.. يشتاق لهذه الجنة ويتمنى أن يقترب أجله أكثر لكي يحظى بهذه الجنة ولا يعود إلى الدنيا التافهة.

الكافر/الملحد الذي دأب على أكل أموال الناس وإيذاء الناس وظلم الناس والاستكبار في الأرض.. هذا الإنسان ما هو موقفه لحظة الموت؟ سوف تأتي الملائكة بأبشع صورة وتقول له: هذا مقعدك من النار.. يرى هذا المقعد والعياذ بالله من النار فتنفر نفسه ويكره لقاء الله لأن لقاء الله فيه عذاب بالنسبة له.. يكره لقاء الله ويريد ألا تخرج هذه النفس.. يريد أن يبقى ويحافظ على حياته ولكن لا يستطيع فيبدأ بإخراج نفسه.. يبدأ بضربه على وجهه ومن الخلف ومن الأمام { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال:50] الدُّبر هو الخلف.. { وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:50].

إذاً هذا الضرب مؤلم جداً مع أننا لا نرى أي علامات ضرب نحن.. الميت أو الملحد الذي يموت لا نرى عليه أي علامات ضرب ولا آثار تعذيب مثلاً.. إذاً هنا الألم يحدث في منطقة الوجه نتيجة الضرب ولكن هذا الألم للنفس لأن هذا الجسد.. سأعطيكم مثال بسيط عندما تذهب لغرفة العمليات سيقوم بحقنك بمادة مخدرة من أجل إجراء العملية.. ما الذي يحدث؟ هذه النفس تُغادر الجسد مؤقتاً فلم يعد هناك أي إحساس حتى لو قطعوا جزءاً من أجزاءك لا تشعر بأي شيء.. ما الذي حدث؟ الذي حدث أن هذه المادة المخدرة أذهبت العقل وخدرت الجملة العصبية ولم يعد هناك أي إحساس لديك وبالتالي فقدت الوعي ولم تعد تشعر بأي شيء.

إذاً هنا عندما تعود لوعيك بعد العملية يبدأ الإحساس بالألم.. تبدأ بالإحساس مكان العملية.. قبل قليل كنت لا تشعر بأي شيء.. ما الذي حدث؟ هذه النفس عادت للجسد تماماً مثل النوم.. خلال النوم تغادر النفس ثم تعود فأثناء النوم أنت ترى نفسك تُعذب.. إذا رأيت أحد يضربك بالفعل تشعر بألم (شعور حقيقي) لأن النفس هي التي تتألم.. النفس هي التي ترى هذا الحلم.. طبعاً الأحلام هي آية من آيات الله.. فإذاً هذا الجسد يبقى يتألم حتى خروج النفس والروح منه.. مجرد أن خرجت النفس وخرجت الروح لم يعد له أي قيمة إلا أن الإسلام أكرم هذا الميت وأمر بتغسيله وبتعطيره وبإكرامه وبستر عورته وبحمله برفق ودفنه برفق وتوجيهه باتجاه القبلة وعلى الجانب الأيمن (الشق الأيمن) وقراءة القرآن والدعاء له لأنه يسمع.. الميت يستمع لما تقول ولكن هو لا يستطيع أن يفعل أو يرد أو يفعل أي شيء لأن النفس هي التي تتجاوب معك وليس الجسد يعني الجملة العصبية هنا لم يعد أي قيمة إلا أن النفس الموجودة التي خرجت طبعاً ولكن لا تخرج مباشرةً إلى السماء يعني هناك تسلسل في العمليات.. تبقى هذه النفس لفترة.. يرى الميت كيف يُغسل؟ يستمع لبكاء من حوله.. لذلك المؤمن يتأذى ببكاء أهله يعني هو فرح.. هو يقول: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:26-27]..

هو فرح برزق الله.. فرح بلقاء الله فهذا الفرح يعكره بكاء هؤلاء الأهل فيتأذى.. يريدهم أن يفرحوا له ولكن هم يحزنون ومنهم من يصرخ ومنهم من يبكي بشدة فلذلك حتى طريقة البكاء على الميت ينبغي أن تكون كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام.. لم يصرخ ولم يتكلم كلمة تغضب الله سبحانه وتعالى كان يقول: “إنا لله وإنا إليه راجعون وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزنون” يعني عبارات تريح هذا الميت.. لذلك الميت أفضل شيء يريحه: القرآن.. يعني إذا مات شخص لك لا تجلس وتندب وتبكي وتصرخ وكذا.. لا إذا أردته أن يفرح ويستفيد منك: اقرأ له القرآن.. ادعو له.. توجه بقلبك بإخلاص إلى الله سبحانه وتعالى وادعو لهذا الشخص الميت.. سيفرح هذا الميت بدعائك وإذا تقبل الله هذا الدعاء سيُكرم هذا الميت ببركة دعائك لأننا نعلم أن الدعاء يُستجاب إذا كان بإخلاص {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].

الخلاصة: الميت إذا تألم فإن النفس هي التي تتألم وإذا عُذِّب في قبره أو بعد موته (في عالم ما وراء البرزخ) النفس هي التي تُعذَّب وإذا نُعِّم وكُرِّم أيضاً النفس هي التي تُنعم ونعيماً حقيقياً كأن جسده موجود مع العلم أن الجسد فني ولكن يُنعم وكأن هذا الجسد موجود تماماً.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُكرمنا يوم الموت وأن نكون مثل ذلك المؤمن في سورة ياسين الذي قال: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:26-27].

والحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


تحميل كتب الإعجاز العلمي

صفحتنا الجديدة على فيس بوك