نتأمل حقيقة من الحقائق الكونية ونحمد الله تعالى أن جعل الغلاف الجوي حافظاً لنا من هذه الشهب التي تضرب الأرض في كل ثانية، ومع ذلك لا نكاد نحس بها، لنتأمل……..
يقول تعالى: (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) [الصافات: 10]. لماذا سمَّى الله هذه الأجسام التي تخترق جو الأرض بالشهب الثاقبة، وماذا تثقب؟ وهل تتطابق هذه الصفة مع ما كشفه العلماء حديثاً من أسرار حول الشهب التي تخترق الغلاف الجوي وتحترق على حدوده؟
إن الإنسان العادي الذي يراقب السماء يرى جسماً يلمع فجأة في السماء ثم يختفي، وبالتالي لا يمكن له أن يصف هذا الجسم إلا إذا درسه دراسة علمية صحيحة. وحديثاً تبين للعلماء أن الشهب ما هي إلا حجارة تسبح في الفضاء فإذا ما اقتربت من الغلاف الجوي للأرض حاولت اختراقه ولكن الغلاف الجوي يتصدى لها ويحدث احتكاك كبير ينتهي بتبدد هذه الشُّهب واحتراقها كما يلي:
عندما يدخل النيزك غلافنا الجوي يخترق الهواء بسرعة عالية جداً وهذه السرعة كافية لتسخين الهواء لدرجات حرارة عالية وكافية لتبخير جزء من النيزك وبالتالي انتشار حرارة كبيرة نرى أثرها من خلال الومضة التي يصدرها النيزك قبل تفتته وتبدده وذوبانه.
كذلك كلمة (ثاقب) تشير إلى السرعة الهائلة التي يسير بها هذا الشهاب، وقد تبين بالفعل أن تسبح بسرعات كبيرة جداً في الفضاء. وتقول الدراسات إنه في كل يوم هناك 1000 طن من النيازك تسقط على الأرض ومعظمها بحجم ذرات الغبار.
الشهاب الثاقب هو عبارة عن حجر مثل هذا يسير في الفضاء بسرعات هائلة وفجأة يقترب من الأرض ولكن الغلاف الجوي يكون له بالمرصاد، وتصوروا لو أن حجراً بهذا الحجم سقط على رؤوسنا فجأة ماذا ستكون النتيجة؟؟ ويؤكد العلماء إن معظم الأحجار التي تصطدم بالغلاف الجوي بحجم الحصى، وهو ما يسمى بالحاصب، فهل ندرك بعد هذه الحقائق معنى قوله تعالى: (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك: 17].
وهنا نود أن نقول إن صفة (ثاقب) التي أوردها القرآن قبل أربعة عشر قرناً، هي صحيحة جداً من الناحية العلمية، لأن السرعة التي يتحرك بها هذا الشهاب تكفي لثقب أي مادة مهما كانت صلبة!! وهذه المعلومة لم يكن أحد يعرفها زمن نزول القرآن. فلو فرضنا أن القرآن كلام بشر لكان الأجدر به أن يصف الشهب بالمضيئة وليس بالثاقبة!
صورة لشهاب ثاقب لحظة اختراقه للغلاف الجوي، انظروا كيف يتبدّد ويحترق ولا تتأثر الأرض به، ولو أن هذه الشهب هبطت على الأرض لأحرقتها، لأن الأرض تتعرض كل يوم لملايين الشهب، ولكن الله جعل السماء سقفاً محفوظاً ونحن غافلون ومعرضون عن هذه المعجزة المبهرة والآية العظيمة، ولذلك قال تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) [الأنبياء: 32].
إن هذه النيازك تسلك مسارات معقدة في الفضاء حول الشمس، وتسبح بنظام مذهل ولولا وجود هذا النظام ما بقينا على وجه الأرض حتى الآن! لأن الحجارة تحيط بنا من كل جانب، وتسبح حول الأرض ولكن الله تعالى يصرفها عنا، ويوجهها باتجاه الشياطين الذين يحاولون الخروج خارج الأرض للاطلاع على ما تحمله الملائكة من أخبار المستقبل.
وهنا يتجلى قول الله تعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) [الحجر: 16-17]. فهذه الآيات العظيمة تتطابق بشكل مذهل مع الحقائق العلمية، فالسماء تبدو لنا بواسطة المراصد العملاقة بألوان زاهية وكأن المجرات تزينها! والسماء تحوي بروجاً كونية مثل النسيج الكوني الذي يزين السماء وهو عبارة عن بلايين المجرات التي تصطف وفق مشهد مهيب وبديع يشهد على عظمة الخالق تبارك وتعالى. وقد حفظ الله هذه السماء بواسطة ملاين الشهب التي تصطدم يومياً مع غلاف الأرض (سماء الأرض) وتحترق وتحرق معها الشياطين الذين يحاولون الصعود خارج الأرض.
طبعاً نحن لم ندرك بعد حقيقة الشياطين علمياً ولكن قد يأتي ذلك اليوم عندما يكتشف العلماء أسراراً كونية جديدة تكشف عن حقيقة الجن والشياطين، ونحن كمؤمنين نؤمن بكل ما جاء في القرآن بغض النظر عن الدليل العلمي. ولكن الملحد يطلب دائماً الدليل العلمي، ولذلك أودع الله في كتابه هذه العجائب لتكون دليلاً على صدق كتاب الله، وحجّة على كل من ينكر صدق رسالة الإسلام، والله أعلم.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
المراجع
http://geology.com/articles/meteor.shtml
Matts Roos, Introduction to Cosmology, John Wiley and Sons, 2003.
Michael Rowan-Robinson, Cosmology, Oxford University Press, 1996.
Malcolm S. Longair, The Cosmic Century, Cambridge University Press, 2006.