هذا هو الغرب يعود إلى مبادئ الإسلام في كل شيء، ومن آخر الدراسات العلمية ما يتعلق بسن التقاعد، وهو قانون غير إسلامي ثبُت أنه خاطئ علمياً..
لماذا لم يحدد الإسلام سناً للتقاعد عن العمل؟
عندما بدأ الغرب ثورته العلمية أراد أن يضع تشريعاً يضمن سلامة ورفاهية الناس فحدّد سناً للتقاعد عن العمل (ستين سنة مثلاً)، ظناً منه أن هذا القانون يخدم البشرية ويضمن لها السعادة والوقاية من الأمراض الجسدية والنفسية.
ولكن هل يتفق هذا التشريع مع الإسلام؟ طبعاً لا؟ ولكننا نحن المسلمون وللأسف أخذنا هذا التشريع من الغرب وطبّقناه وتركنا الهدي النبوي والقرآني الكريم، فماذا كانت النتيجة؟
أولاً: الإسلام ليس فيه سن تقاعد عن العمل! بل يبقى المسلم يعمل حتى آخر لحظة، فمثلاً يقول تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]، واليقين هو الموت، إذاً العبادة مستمرة حتى ولو كنتَ على فراش الموت.
والنبي صلى الله عليه وسلم بقي يعمل ويمارس جميع نشاطاته في الدعوة إلى الله وقتال المشركين ويعمل كقائد سياسي وعسكري ومرشد اجتماعي للأمة حتى لحق بالرفيق الأعلى، ولم يتوقف لحظة عن العمل، لأن الله تعالى أمرنا بالعمل فقال: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة: 105]، أذاً فالعمل مستمر حتى لقاء الله عالم الغيب والشهادة.
ولكن يا أحبتي! الغرب خالف هذه السنَّة الإلهية، وقال بأنه ينبغي على الإنسان أن يستريح من العمل بعد سن محددة، وسبحان الله، رجعوا إلى تشريع القرآن واعترفوا بأن سن التقاعد خطأ، وأن هذا القانون سبب الخرف للكثيرين ممن تقاعدوا عن العمل بعد سن الستين، كما سبب لهم العزلة الاجتماعية والكآبة وبعض الأمراض الجسدية… وإليكم يا أحبتي الإثبات العلمي من أفواه علماء الغرب أنفسهم!
العمل بعد التقاعد مفيد للصحة
تؤكد دراسة أمريكية جديدة نشرتها “الدورية الدولية للصحة المهنية” أن الأشخاص الذين يعملون بعد سن التقاعد يتمتعون بصحَة أفضل مقارنة مع غيرهم من المتقاعدين. وتقول الدراسة التي صدرت عن الرابطة النفسية الأميركية إن الأفراد الذين يعملون بعد بلوغ سن التقاعد في مهن مؤقتة أو وظائف تتطلب العمل بدوام جزئي يعانون، بدرجة أقل، من المشكلات الصحية ويتمتعون بحيوية أكبر مقارنة مع المتقاعدين الآخرين.
وحسب فريق الدراسة الذي ضم مختصين من جامعة “ميريلاند” الأميركية فإن مرحلة ما بعد الحياة المهنية تشكل ما يمكن تسميته بالجسر الوظيفي، حيث يعمل الفرد في هذه المرحلة في وظيفة بدوام جزئي، أو وظيفة مؤقتة، أو لحسابه الخاص، وهي مرحلة يرى الفريق أنها قد تشهد تزايداً متسارعاً في ظل الركود الاقتصادي الذي يشهده العالم.
وتقول الدراسة إن الأشخاص الذين عملوا بعد تقاعدهم ضمن مجال مهنهم السابقة أظهروا تحسناً في الحالة النفسية لديهم، فيما لم يرصد ذلك عند من عملوا خارج مجالهم الوظيفي، ما عزاه الباحثون إلى حاجة الأخيرين إلى التأقلم مع بيئة عمل جديدة وظروف وظيفية مختلفة.
ويؤكد الباحثون على أهمية اختيار “جسر وظيفي” مناسب للأشخاص الذين بلغوا سن التقاعد، ليساعدهم ذلك على انتقال أفضل إلى مرحلة التقاعد الكامل، وهم في حالة صحية جيدة نفسياً وجسدياً.
لنتأمل الآن ما وجدته دراسة جديدة ثانية
لقد بدأت ظاهرة انتشار خرف الشيخوخة تكثر في الغرب، وهي ما يطلقون عليه مرض “الزهايمر” وفي هذا المرض يفقد المريض بعد سن معينة ذاكرته، ولا زالت أسباب هذا المرض مجهولة بالنسبة للعلماء، ولكنهم يحاولون دراسة هذا المرض، ومعرفة أسبابه وكيفية الوقاية منه.
فقد وجدت دراسة بريطانية ارتباطاً بين تأخير التقاعد من العمل وتأخر ظهور أعراض مرض ألزهايمر (خرف الشيخوخة)، وأن الاستمرار في العمل بعد سن التقاعد قد يساعد على تجنب المرض، بحسب صحيفة الغارديان.
فإبقاء الدماغ نشطاً في وقت لاحق من العمر، يبدو أنه يقلل من فرص الظهور المبكر لمرض ألزهايمر، بحسب دراسة شارك فيها 382 رجلاً من الذين تحتمل إصابتهم بالمرض، حيث وجد الباحثون ارتباطاً ظاهراً بين التقاعد المتأخر وتأخر ظهور أعراض المرض.
وكانت هذه الدراسة جزءاً من مشروع بحثي أوسع نطاقاً شارك فيه 1320 شخصاً مصاباً بألزهايمر، وقادها فريق بحث من معهد الطب النفسي بكلية الملك بجامعة لندن، ونشرت حصيلتها مؤخراً بدورية “المجلة الدولية لطب الشيخوخة النفسي”.
وعلى نقيض نتائج أبحاث سابقة، لم يجد الباحثون هنا ارتباطاً بين مستوى تعليم المشاركين أو نوعية الأعمال والمهن التي يمارسونها وبين مخاطر واحتمالات الإصابة بألزهايمر، لكنهم وجدوا أن الأشخاص الذين تأخروا في التقاعد قد حافظوا على قدراتهم العقلية فترة أطول قبل الإصابة بالمرض.
يرى مستشار “صندوق أبحاث مرض ألزهايمر” وأحد مؤلفي الدراسة الدكتور سَيْمون لَفْستون، أن التنشيط الفكري الذي يُحَصّله المسنون في مكان العمل قد يحول دون تدهور القدرات العقلية، وبالتالي يبقي الناس بعيداً عن المرض لفترة أطول. لكنه يعتقد ضرورة إجراء مزيد من الأبحاث إذا ما أراد العلماء فهماً أفضل لكيفية التأخير الفعّال للإصابة بالمرض، أو حتى منعها.
ومن ناحية أخرى، تشير الرئيسة التنفيذية لصندوق أبحاث ألزهايمر الدكتورة ريبكا وود، إلى أناساً يعمدون أكثر من أي وقت مضى لتأخير التقاعد لتجنب ضائقة مالية، لكنلذلك يشكل جانباً مشرقاً أيضاً وهو انخفاض مخاطر ألزهايمر.
وترى “وود” ضرورة إجراء مزيد من الدراسة والتقصي لعوامل وأنماط المعيشة، ذات الصلة بمخاطر الإصابة بألزهايمر، وصولاً إلى الحد من تكاليف المرض على الاقتصاد البريطاني البالغة سنوياً حوالي 1.7 مليار جنيه إسترليني.
ويحض مؤلفو الدراسة أيضاً على النظر في إمكانية تغيّر طبيعة حياة التقاعد. على الأقل، فمن المعقول أن التقاعد أصبح أكثر تحفيزاً عقلياً بمرور الوقت. فبيانات ومعطيات الدراسة تشير لاستمرار الأثر الإيجابي للأنشطة الإدراكية المعرفية في مراحل العمر اللاحقة. وقد يشجع هذا الأمر الاهتمام بالأبحاث والدراسات التي تتناول فوائد التدريب الإدراكي بمراحل العمر اللاحقة، ويضيف وزناً إلى أفكار بعض الباحثين حول التقاعد النشِط. ويشار إلى أنه من المتوقع أن يصاب مليون شخص في بريطانيا بصور مختلفة من مرض ألزهايمر خلال السنوات العشر القادمة.
عندما جاء عصر المخترعات العلمية وبدأ العلماء يكشفون أسرار الطب والكون، فرحوا بما لديهم من العلم، واقترحوا مجموعة من التعاليم، وكان من بينها ما يسمى “سن التقاعد” وهو غالباً ما يكون 60 سنة، حيث يقولون: إنه على الإنسان أن يرتاح من العمل بعد هذا السن ويجلس للاستراحة. ويمكن القول إنه لا يوجد في الإسلام سن للتقاعد! ففي مجال العبادات فإن المؤمن مطلوب منه تأديه العبادة حتى نهاية حياته، يقول تعالى: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 98-99]، واليقين هو الموت.
إذاً سن التقاعد غير صحيح علمياً
ونعود فنتساءل: لماذا لم يحدد الإسلام سناً للتقاعد؟ ولماذا نجد الرجل في الإسلام يعمل أو يتعلم طيلة حياته، وحتى آخر لحظة طالما لديه القدرة على ذلك؟ فهل تعاليم الإسلام هي الصحيحة، أم تعاليم البشر؟ بلا شك تعاليم الإسلام هي الصحيحة!
ولذلك ينبغي إعادة النظر في القوانين الموضوعة من قبل البشر لتتفق مع القوانين الإسلامية في أن الإنسان يعمل مادام يملك طاقة للعمل، ولا يجوز أن يوقَف عن العمل إلا لأسباب صحية أو اجتماعية أو أسباب قاهرة. ولكن ماذا يعني ذلك؟
إنه يعني شيئاً واحداً وهو صدق تعاليم الإسلام واتفاقها مع الفطرة البشرية وأنها تأتي لمصلحة الناس دوماً. ويعني أيضاً أنه لا ينبغي علينا نحن المسلمون أن “نلهث” وراء الغرب في كل ما يصدر عنه! حبذا لو نقلّدهم في اكتشاف أسرار الكون، وفي مخترعاتهم وفي إتقانهم للعمل، وهذا نشهد لهم به ولا ننقصهم حقهم، ولكن ما يصدر عنهم من اجتهادات وقوانين ينبغي ألا نسارع إليها إلا بعد أن ندرسها وندرس مدى مطابقتها لتعاليم ديننا الحنيف… أي أن الإسلام هو الأصل والمرجع، وهكذا كان سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
المراجع
مصدر المعلومة: www.aljazeera.net